جهود أردنية لتسريع وتيرة الاستثمار في صناعة التعدين

يخطط الأردن عبر إستراتيجية طموحة لجعل قطاع التعدين مجالا ذا قيمة مضافة ومساهما رئيسيا في نمو الاقتصاد خلال الأعوام القادمة عبر الاستعانة بشكل أكبر باستثمارات القطاع الخاص، مع استكشاف فرصة استخراج الأتربة النادرة.
عمّان - تتطلع الحكومة الأردنية من خلال النتائج المؤملة التي تم التوصل إليها إلى غاية الآن في مجال استكشاف الثروات المعدنية في مختلف المناطق إلى وضع البلاد وبقوة على خارطة التعدين الإقليمية وحتى العالمية.
وتراهن الحكومة على تطوير القطاع بسبب الآفاق الواعدة التي يقدمها في تعزيز النمو الاقتصادي ومعالجة الاختلالات المالية من خلال زيادة إيرادات الدولة من العملة الصعبة.
وكانت عمّان قد وضعت قطاع المناجم والتعدين بين أهم أولويات رؤية التحديث الاقتصادي، التي تركز على توسيع نشاط الصناعات عالية القيمة من خلال جذب المزيد من الاستثمارات.
ويؤطر هذا المسعى العديد من مذكرات التفاهم التي وقعتها وزارة الطاقة خلال العامين الماضيين في مجال التعدين مع شركات عالمية للبحث والاستكشاف في الثروات المعدنية.
ومؤخرا تم إطلاق منصة رقمية بهدف إبراز الثروات المعدنية للأردن والفرص الاستثمارية المتاحة في قطاع الطاقة لتشجيع الشركات المحلية والأجنبية على الدخول في أعمال عالية القيمة للاستثمار وإعادة الزخم لصناعتي الوقود الأحفوري والمعادن.
وتأتي المنصة استكمالا لمشروع التعدين الذي أطلق مطلع 2021، والتي تقع ضمن الدرع العربي النوبي وهي منطقة غنية بالمعادن وضمن رؤية التحديث الاقتصادي الهادفة إلى تهيئة الأردن ليكون مركزا إقليميا لصناعة منتجات متميزة ذات قيمة عالية.
وقسمت المنصة إلى ثلاثة أقسام تتضمن مشاريع البترول والغاز ومشاريع الصخر الزيتي ومشاريع الثروات المعدنية، وهي البازلت والسيليكا والجبص والدياتومايت والكاولين والدولومايت ووالفلدسبار.
وبحسب وزير الطاقة صالح الخرابشة، فإن إطلاق المنصة يأتي من الأهمية الكبيرة لقطاع التعدين ومساهمته كأحد أعمدة الاقتصاد.
وقال خلال إطلاق المنصة إن “قطاع التعدين صنف ضمن محرك الصناعات عالية القيمة في رؤية التحديث الاقتصادي والذي يهدف إلى تطوير الأردن ليكون مركزا للصناعة في المنطقة عبر رفد الصادرات سريعة النمو بالمنتجات المتميزة وذات القيمة العاليـة”.
وأكد الخرابشة سعي الحكومة لتشجيع المستثمرين على إنشاء الصناعات التحويلية القائمة على الثروات المعدنية لزيادة القيمة المضافة للخامات المستخرجة.
ولفت إلى أن المنصة الإلكترونية الجديدة تعتبر ترجمة لجهود الوزارة في متابعة تقدم العمل في قطاع الثروات المعدنية وإبراز الثروات الوطنية والفرص الاستثمارية فيه، بهدف استغلالها وتشجيع الشركات المحلية والأجنبية للاستثمار في القطاع.
وتهدف إستراتيجية الثروات المعدنية للعام 2025 إلى رفع مساهمة القطاع إلى 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 7.7 في المئة للعام 2019، فيما يشكل أكثر من 19 في المئة من مجموع الصادرات.
وكان الخرابشة قد كشف مطلع العام الماضي، عن نتائج واعدة لعمليات التنقيب عن العناصر النادرة والإستراتيجية من النحاس والليثيوم والذهب، بالإضافة إلى الزنك والرصاص في جنوب البلاد.
والأتربة النادرة هي مجموعة مكونة من 17 معدنا تستخدم في صنع المغناطيس، الذي يحول الطاقة إلى حركة للسيارات الكهربائية والهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الأخرى.
11
في المئة النسبة المتوقعة لمساهمة القطاع في الاقتصاد بحلول 2025 وفق وزارة الطاقة
وخلصت الاختبارات الأولية إلى توفر تراكيز عالية للعناصر الفلزية في منطقة سمرة الطيبة. كما أظهرت نتائج شركة سولفيست وجود احتياطيات من النحاس في منطقة أبوخشيبة تقدر بنحو 117 ألف طن، وقد تتجاوز المليون طن مع توسيع عمليات الاستكشاف.
وثمة آمال واعدة بوجود تراكيز عالية من الليثيوم في منطقة دبيديب، كما تُرشح عدد من الدراسات أن البحر الميت يحتوي على ما يقرب من 9 في المئة من احتياطات الليثيوم غير المعالج عالميا.
وجاء اهتمام البلد الذي يعتمد بشكل مفرط على المساعدات الخارجية بالعناصر النادرة متأخرا مقارنة بدول أخرى تنتجها منذ عقود، أما من حيث التوقيت، فإن الأوضاع الجيوسياسية الراهنة تتيح لدول جديدة دخول سوق العناصر النادرة.
وفي أبريل الماضي قدّم مركز ستراتيجيكس تحليلا يحث فيه عمّان على إحداث تحول حقيقي في قطاع التعدين من خلال محاولة استكشاف العناصر الأرضية النادرة، وتطرق إلى الحاجة الملحة إلى التوسع فيه، والتحديات التي تواجه استخراج هذه العناصر النادرة.
وأكد خبراء المركز أن من شأن دخول الأردن سوق المعادن النادرة أن يضمن له مقعدا في صناعات المستقبل، ويُعيد تعريف مكانته ودوره الإستراتيجي إقليميا ودوليا في ظل التركيز المحدود لانتشار تلك المعادن حول العالم وارتفاع الطلب عليها بشكل غير مسبوق.
لكنهم يرون أن ذلك مرهون بمعالم خارطة المخزون المحلي من تلك المعادن، واعتماد إستراتيجية شاملة لضمان وصول البلد إلى الريادة في قطاعات المناجم والمعادن، والتي تتطلب التغلب على العديد من التحديات المحلية والخارجية.
وقالوا في التحليل “إن من شأن الاستمرار في تحقيق تلك النتائج، ثم المضي قدما في استخراجها، أن يضع الأردن على خارطة التعدين العالمية ويساعده على تحقيق تنمية اقتصادية وتكنولوجية لعقود قادمة”.

وأضافوا أن “تلك العناصر اليوم مماثلة لحالة النفط قبل عقود مضت، تتسابق الدول لاستخراجها والتفوق في استخدامها”.
وتستحوذ الصين على 70 في المئة من إنتاج المناجم العالمية للعناصر الأرضية النادرة، تليها الولايات المتحدة وأستراليا وميانمار وتايلاند، حسبما تظهر بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
ويحظى قطاع الصناعات التعدينية بأهمية بالغة في الاقتصاد الأردني، حيث يعد أحد أبرز أعمدة الاقتصاد إذ تصل مساهمته المباشرة فيه إلى أكثر من 2.6 في المئة.
كما أن لديه مساهمات متنوعة أخرى وقدرته العالية على توفير فرص العمل المباشرة والتي وصلت إلى أكثر من 8.6 ألف عامل يعملون ضمن حوالي 97 منشأة في السوق المحلية.
وإلى جانب ذلك زيادة مساهمته في رفد الصادرات بنحو 10.5 في المئة لتصل إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2033.
وأكد رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمّان فتحي الجغبير أهمية منصة الفرص الاستثمارية في الثروات المعدنية والبترول والصخر الزيتي من خلال مساهمتها الفاعلة في جذب الاستثمارات الأجنبية.
وقال إن “المنصة تهدف إلى تعزيز دور الطاقة والمعادن في الاقتصاد والذي أكدته رؤية التحديث من وضع القطاع ضمن المجالات ذات الأولوية التي ركزت عليها بشكل جلي ضمن محرك الصناعات عالية القيمة لقدرته العالية على دفع عجلة الاقتصاد”.