تسليح المدنيين اعتراف من البرهان بإخفاقه عسكريا

الخرطوم- يضج الشارع السوداني ونخبه السياسية بخلافات واسعة عقب رواج تبني الجيش عملية تسليح المواطنين لمواجهة تقدم قوات الدعم السريع، حيث اعتبرها البعض خيارا لمنع فقدان المزيد من السيطرة على ولايات بدأت تتساقط وحداتها العسكرية من بين أصابع الجيش، بينما اعتبرها آخرون اعترافا بفشله في المواجهة.
وازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من إعلان قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في خطاب ألقاه بمنطقة “جبيت” العسكرية في ولاية البحر الأحمر، الجمعة، أكد فيه تسليح الجيش للمقاومة الشعبية، وعدم منعها من جلب أيّ سلاح.
وتعامل البعض مع الدعوة على أنها دليل على عمق التدهور العسكري الذي وصلت إليه المؤسسة العسكرية، واتساع نطاق التخبط الذي ضربها، إذ صوّرها قادتها أنها قوية وقادرة على حسم المعركة ضد الدعم السريع في غضون أيام، بينما مضى نحو تسعة أشهر وهي تتعثر ميدانيا وتنظيميا وتفقد السيطرة على المزيد من الولايات.
وعززت الدعوة العلاقة بين الجيش وأنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير الذين كانوا أول من لوّحوا بورقة المقاومة الشعبية وتعميم تسليح المواطنين والاستعانة بما يعرف بكتائب الظل التي أوجدها النظام السابق للدفاع عنه في اللحظات الحرجة، لأن الجيوش النظامية القوية ترفض الزج بالناس بطريقة عشوائية في حروبها القتالية.
وتشير رعاية قائد الجيش شخصيا لهذا النمط من الأدوات إلى تأثره بالعقيدة القتالية لذوي الميول الإسلامية، حيث يرون ضرورة تجييش المواطنين للدفاع عن أفكارهم ومشروعاتهم، بقطع النظر عن مدى مناسبتها لجموع الشعب السوداني.
وقال مستشار الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) هارون محمود مديخير في تصريحات إعلامية، السبت، إن “البرهان أدخل السودان وجيشه في مأزق بتعهده بتسليح المواطنين للمشاركة في الصراع”، وأضاف “أيّ شخص يتسلح ويقف في صف القوات المسلحة سيعتبر هدفا مشروعا بالنسبة إلى قوات الدعم السريع”.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن الدعوة لخيار تسليح المواطنين بالطريقة التي تحدث بها البرهان أمام ضباطه وجنوده تؤكد أن كافة التنظيمات التي شُكّلت منذ عهد البشير وظلت كامنة عقب سقوطه تحللت عسكريا أو أنهكت وفقدت قوتها، لأن الدعوة للاستعانة بها ظهرت منذ اندلاع شرارة الحرب منتصف أبريل الماضي.
◙ الدعوة لتسليح المواطنين تؤكد أن التنظيمات التي شُكّلت منذ عهد البشير وظلت كامنة عقب سقوطه أنهكت وفقدت قوتها
وأضافت المصادر ذاتها أن قوات الدعم السريع نجحت في تقويض الدور المعد سلفا للكثير من الميليشيات المسلحة واللجان الشعبية التي تدور في فلك الحركة الإسلامية، وأجهضت تطوير الاستعانة بها، ما دفع الجيش للتفكير في توسيع دائرة الاعتماد على المواطنين، وهي حيلة الغرض منها أن الناس مسؤولون عن حماية ممتلكاتهم.
ويريد قادة الجيش من وراء ذلك التنصل من مهمة حماية المواطنين والنأي عن التهم التي لاحقت بعض العناصر العسكرية بارتكاب تجاوزات، وابتعادها يضع العبء على عاتق قوات الدعم السريع وحدها وسط حملة متعمدة يرعاها أنصار النظام السابق لإلصاق كل الخروقات الإنسانية بها وحدها، لأجل تحقيق استنفار محلي والتصدي لقوة مهمة ومؤثرة وتتحكم في مفاصل الأمور، واستعداء المجتمع الدولي ضدها عندما يرى مشاهد دماء تراق بكثافة ويقال إن الدعم السريع ارتكبتها بمفردها.
اقرأ أيضا:
واقتبست دعوة البرهان الخاصة بالزج بالمواطنين في أتون الحرب جزءا من خيالها من قوى الثورة السودانية التي لعبت دورا في حماية المكتسبات التي تحققت بعد سقوط نظام البشير ومنع أنصاره من تخريب المرحلة الانتقالية، وقد وجد هؤلاء الآن فراغا ثوريا يمكن ملؤه، حيث تلاشت عناصر عديدة من قوى الثورة وأجهضت فكرتها.
ويعتقد أنصار النظام السابق أن تقنين أوضاعهم وصهرها داخل قوى مسلحة غير نظامية قد يكون كفيلا بضبط حركة الشارع، وتوجيه ضربات لعناصر الدعم السريع، وتم اختيار عنوان جذاب “المقاومة الشعبية” للإيحاء بأنهم يحاربون خصما غير سوداني، وهي دعاية سوداء تتسق مع ما روّجه قادة عسكريون بأن أحد أسباب تقدم الدعم السريع هو استعانتها بمرتزقة وعناصر خارجية لإهانة ما حققته من انتصارات.
وأصدرت المقاومة الشعبية بيانًا بشأن تصريحات البرهان رحبت فيه بتسليح المقاومة الشعبية في كل الولايات، داعية “كل كتائبها وأبطالها في الولايات بإحكام التنسيق مع قادة المناطق العسكرية وفرق الجيش والعمل بروح واحدة مع القوات النظامية”.
ويقول مراقبون إن ما يتم التجهيز له هو روشتة أو وصفة لإشعال حرب أهلية، ووضع المواطنين في مواجهة إخوانهم بعد أن فشلت تحركات سابقة عقب اندلاع شرارة الحرب في الوصول إلى هذه النقطة في إقليم دارفور، وجرى كبت مكونات إعادة إنتاج الحرب الأهلية السابقة في هذا الإقليم، وتمكنت حكمة قيادة الدعم السريع من التوصل إلى تفاهمات مع الحركات المسلحة والقيادات الأهلية لحفظ الأمن.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن وصفة الحرب الأهلية التي يشرف عليها أنصار البشير لن تفلح في تحقيق أغراضها، لأن التجاوب مع حمل السلاح لن يكون كبيرا، حيث تدرك فئة من المواطنين مخاطر الفخ الذي سوف يقود إلى خسائر فادحة، وأن نسبة التجاوب قد تكون منحصرة في ولايات شرق السودان التي حرّضت قيادات أهلية داخلها على حمل السلاح منذ فترة، باعتبارها المحطة المقبلة لقوات الدعم السريع.
ويتعامل من يدعمون ما يُسمّى بـ”المقاومة الشعبية” أن هناك استجابة واسعة معها، وأن قوات الدعم السريع ستنجرّ إلى ما تحمله من فتنة واقتتال، وأن المجتمعين الدولي والإقليمي لن يحركا ساكنا حيالها، وهي قراءة متعسفة لمجمل النتائج التي توصلت إليها جهات مراقبة لتطورات الحرب، خلاصتها أن أنصار البشير لهم الذراع الطولى في تغذية الحرب واتخاذ كافة الذرائع التي تمنع وقف إطلاق النار.
ولذلك تفقد دعوة تسليح المواطنين والزج بهم في الحرب حجج قائد الجيش في التفاوض ووقف الحرب والسعي نحو السلام، ما يعرّضه لضغوط خارجية، ربما تصل حد فرض عقوبات قاسية على عدد من القيادات التي ترعى هذه الدعوة.
كما تؤدي إلى رفع الوساطة السعودية – الأميركية يديها عن المفاوضات، وتدفع الاتحاد الأفريقي وهيئة إيغاد لرعاية مقاربة خشنة خوفا من تحول توزيع السلاح على المواطنين إلى عدوى تنتشر في منطقة لا تجد سبيلا ناجحا لتقويض الوفرة الحالية.