كذب المنجمون

بعد عام من التوقعات وبجرد حساب بسيط يمكن أن نكتشف أن صاحبها كذب في 99 في المئة منها فيما تحقق 1 في المئة من باب الصدفة ليس إلا.
الأحد 2024/01/07
منجمة تناقض نفسها

ليس غريبا ما أقدمت عليه العرافة اللبنانية ليلى عبداللطيف من طرحها على الشاشات التي استضافتها بمناسبة العام الجديد، أسوأ التوقعات لتونس بعد أن كانت تنبأت لها منذ سنوات قليلة بأن تصبح مثل دبي، وهي بذلك تناقض نفسها، ولكن وفق معايير حرفتها التي تحولت في جزء منها إلى خطاب سياسي لمخاطبة من يقدر على الدفع أكثر من غيره وخاصة في مثل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة العربية.

يمكن لمحترف العرافة والتنجيم أن يطرح عشرات أو حتى مئات التوقعات مع إطلالة العام الجديد، وأن يزعم التنبؤ بما سيجري في هذا العالم من الكوريتين واليابان والصين وتايوان إلى بلاد الأميركان مرورا بالروس والأوكران والهند وباكستان وتركيا واليونان والعراق وإيران وليبيا والسودان وغير ذلك من البلدان والأوطان، وأن يتكهن بحروب ونزاعات ومعارك وانفجارات وانقلابات واغتيالات وزلازل وفيضانات وأوبئة ومجاعات وحتى باختراعات واكتشافات، وطبيعي أن يذيع كل ذلك على شاشات الإذاعة والتلفزيون وأن ينشرها في الصحف والمجلات وعلى مواقع الإنترنت بمناسبة حلول العام الجديد، وكأنه بالفعل يمتلك مفاتيح الغيب، أو أنه اطلع على كتاب المستقبل وجاء بتفاصيل الأحداث قبل وقوعها.

طبعا لا ينسى هذا العراف أو ذاك أن يتحدث عن حاكم عربي وفنان كبير سيغادران الحياة، دون أن يذكر اسميهما، ليس من باب الاحترام والتقدير أو خشية الملاحقة القانونية، وإنما لأنه لا يعرفهما وإنما رمى تلك الإشارة عسى أن يتوفى ملك أو رئيس أو ممثل أو مطرب في سياقات الوفيات التي تحدث في كل مكان وزمان، ليخرج على الناس زاعما أنه صاحب سبق في التنبؤ بذلك.

بعد عام كامل من تلك التوقعات، وبجرد حساب بسيط، يمكن أن نكتشف أن صاحبها كذب في 99 في المئة منها، فيما تحقق 1 في المئة من باب الصدفة ليس إلا، وعندئذ لن يتحدث الناس عن التنبؤات الكاذبة وإنما سيتمسكون بالتنبؤ الوحيد الذي صادف أن وافق حدثا حصل بالفعل، وسينظرون لصاحبه على أنه عراف أو منجم أو فلكي روحاني مقتدر وعلى بركة عظيمة وأنه يمتلك طاقات استثنائية في قراءة المستقبل وفي الاطلاع على ما تخفيه الأقدار.

وأذكر أن عرافا تونسيا شهيرا اسمه الطالب عمار، كان قبل وفاته في العام 1985، مقصد سياسيين كبار من بينهم الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الذي كان يزوره في مدينة نفطة، جنوب غرب البلاد، أيام تطلعه لمنصب كبير في بلاده، وفي يوم من الأيام زاره أحد الجنرالات الأفارقة الساعين للانقلاب من أجل الحكم في بلدانهم وألح عليه في طلب المشورة قبل الذهاب لبلاده للانقلاب على الرئيس المنقلب بدوره على رئيس سبقه، فرد عليه الطالب عمار: "اذهب ونفذ فإنك الزعيم لا محالة"، ولما سأله المقربون منه: "لماذا دفعت بالرجل إلى الهاوية؟"

أجاب: "ببساطة لأنه أزعجني بأسئلته التي لا تنتهي، وعموما، فإن أمامه خيارين: إما أن ينجح ويصبح رئيسا ويعود لي بهدية ثمينة، أو أن يفشل ويلقى عليه القبض ويعدم فأستريح من إلحاحه".

18