تونس تحتاج إلى إيقاظ مكامن إنتاج الأسمدة المهملة

مستثمرون صينيون يبدون اهتمامهم بمشروع استغلال منجم فوسفات سراورتان غرب البلاد.
السبت 2024/01/06
ثروة تضيع في متاهة التأخير

تتصدر اتجاهات زيادة إنتاج الفوسفات أولويات تونس بما في ذلك الأسمدة، لكن حجم الاستثمارات سواء المحلية أو الخارجية والدعم المطلوب للمشاريع الجديدة في القطاع لا يزال يشكل تحديا كبيرا لدولة تعاني من ضائقة مالية أثرت على اقتصادها.

تونس - تتطلع تونس في المرحلة المقبلة إلى تنشيط الإنتاج وخاصة في مجال الأسمدة الذي يظل عنصرا أساسيا في قطاع الزراعة في ظل النقص المسجل في السوق المحلية مع ارتفاع أسعاره بشكل كبير، وذلك من خلال تعزيز التعاون مع الصينيين.

وأبدت الشركة العربية – الصينية للأسمدة الكيميائية اهتمامها بمشروع منجم فوسفات سراورتان في ولاية (محافظة) الكاف غرب البلاد، في إطار الشراكة مع تونس اقتداء بالتجربة الناجحة مع المجمع الكيميائي التونسي المملوك للدولة.

وجاء ذلك خلال اجتماع عقدته رئيس ديوان وزارة الصناعة والمناجم والطاقة أحلام الباجي، بوفد عن الشركة يتقدمه نائب المدير العام وانغ جينمنغ، ممثل عن الشركة الأم شاينا بلو كيميكل لميتد الخميس الماضي.

الشركة العربية - الصينية للأسمدة الكيميائية تستكشف فرص الاستثمار في المنجم وتتباحث مع تونس حوله

ولم يرشح الكثير من المعطيات حول الاجتماع، لكن وزارة الطاقة قالت في بيان نشرته على حسابها في فيسبوك إن اللقاء شكل “فرصة للتباحث حول سبل تعزيز التعاون الثنائي بين الجانبين خصوصا في مجال الأسمدة والمناجم”.

ويدرك المسؤولون أهمية جذب المستثمرين الأجانب إلى القطاعات الإستراتيجية بهدف تطويرها لاسيما صناعة الأسمدة التي تشكل مجالا تنافسيا بين العديد من البلدان، حيث يسعى كبار المنتجين إلى السيطرة على السوق العالمية.

واعتبر خبراء أن منجم سراورتان يعد من بين الأكبر في العالم، حيث تشير التقديرات إلى أن احتياطاته تبلغ حوالي 10 مليارات طن من الفوسفات الخام، وفق ما جاء في وثيقة للمجمع الكيميائي المملوك للدولة قُدّمت سنة 2009 للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكن البيانات المنشورة على المنصة الإلكترونية لوزارة الطاقة تظهر أن المخزون في المنجم يبلغ 2.5 مليار طن، ويمكن أن تصل طاقة الإنتاج السنوية إلى نحو 5 ملايين طن مع توفير 4 آلاف فرصة عمل.

وبحسب الوزارة، فإن تكلفة المشروع تبلغ 3 مليارات دولار، وهو لا يزال في طور تحديد الإستراتيجية اللازمة لإطلاقه.

وهذا المشروع ليس الوحيد في رفوف الحكومة، فمنذ أن أعطت السلطات في 2018 الضوء الأخضر لدراسة العرض الصيني الوحيد الخاص بمنجم سراورتان، لم تظهر أي بوادر لمنح ترخيص لإطلاق مشاريع جديدة.

ويختزل مشروع شقطمة فوسفات جدليان بولاية القصرين، الذي استوفى كل الإجراءات والدراسات القانونية منذ 2010 ولا يزال ينتظر ترخيص استغلاله، تلك الوضعية، التي أضرت بالقطاع كثيرا.

وتأمل تونس في أن تستعيد مكانتها كأبرز المصدرين مستفيدة من ارتفاع أسعار الأسمدة بسبب الحرب في أوكرانيا، خاصة في ظل المنافسة مع جارتها المغرب التي يتوقع أن تكون لاعبا رئيسيا في هذه السوق في ظل عثرة روسيا أكبر منتج في العالم.

واللافت أن مصر بدأت منذ العام الماضي في توريد كميات من الأسمدة إلى أسواق أوروبا لتعويض الصادرات من روسيا التي تسهم بنحو 15 في المئة من الإنتاج العالمي بواقع 59 مليون طن سنويا، بحسب رابطة منتجي الأسمدة الروسية.

هل يمكن زيادة تعزيز التعاون مع الصين
هل يمكن زيادة تعزيز التعاون مع الصين

ويحمّل خبراء تونسيون التأخر في استثمار احتياطات الفوسفات المنسية في المناجم المنتشرة في وسط وغرب البلاد إلى البيروقراطية المكبلة لمناخ الأعمال في هذا القطاع الإستراتيجي.

ورغم ترسانة التشريعات المواكبة لهذه الصناعة من حيث الإيرادات وتأثيرها على الميزان التجاري الخارجي، لا يزال القطاع يعاني من ضعف الحوكمة وغياب السياسات القادرة على إيقاظ فرص تصنيع الخامات التعدينية وتطويرها.

وكانت الحكومة قد أعلنت في يناير 2023 أنها تريد مضاعفة إنتاج الفوسفات في غضون ثلاث سنوات بعدما شهد القطاع تعافيا ملحوظا في 2022 بفضل عودة النشاط رغم التحديات التي لا تزال تعترضه.

وقالت وزيرة الطاقة السابقة حينها أثناء عرض المخطط التنموي للفترة بين 2023 و2025 إن بلادها “تسعى لزيادة إنتاج الفوسفات من 3.7 مليون طن في العام الماضي إلى 12 مليونا في 2025”.

ولم تتمكن حكومة يوسف الشاهد من تنفيذ خططها التي أعلنت عنها في 2017 لتطوير القطاع بهدف بلوغ الإنتاج نحو 15 مليون طن بحلول 2025 سوى إطلاق مشروع بمنطقة المكناسي بولاية (محافظة) سيدي بوزيد، بدأ في 2019 بإنتاج 600 ألف طن سنويا.

وتهاوى الإنتاج من 8.2 مليون طن سنويا إلى أقل من النصف منذ عام 2011 بسبب الإضرابات العمّالية والمطالب المرتبطة بتوفير فرص عمل والتنمية وارتباك تسع حكومات متعاقبة في معالجة أزمة القطاع.

منجم سراورتان

- 5 ملايين طن يمكن استخراجها سنويا
- 4 آلاف فرصة عمل سيوفرها المشروع
- 3 مليارات دولار تكلفة الاستثمار في المشروع
- 2.5 مليار طن احتياطي الفوسفات في المنجم

وتوقعت شركة فوسفات قفصة أن يصل الإنتاج في 2023 إلى 5.6 مليون، وهو يعد تقدما بفضل إجراءات الرئيس قيس سعيد منذ صيف 2021 مع تحقيق حجم إنتاج شهري يبلغ 400 ألف طن في مراكز الإنتاج الرئيسية بالحوض المنجمي جنوب غرب البلاد.

لكن الإنتاج خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي بلغ نحو 2.8 مليون طن فقط.

وحتى عام 2010، تمت معالجة قرابة 85 في المئة من الفوسفات لإنتاج حمض الفوسفوريك والأسمدة. وتم تصدير الكميات المتبقية للمعالجة الكيميائية أو كسماد طبيعي.

وبالنظر إلى غياب أرقام رسمية دقيقة، فقد قدّر البنك المركزي خسائر النقص في إنتاج الفوسفات ومشتقاته بنحو 40 مليون طن منذ 2011، بينما تجاوزت الخسائر المالية 7 مليارات دولار، لكن المحللين يرون أن الأرقام قد تتجاوز ما يتم الإعلان عنه رسميا.

وتشكل ندرة الأسمدة من بين أبرز التحديات التي تقف أمام وزارة الفلاحة لتنمية الزراعة التي تضررت من موجة الجفاف وتداعيات تراكم الأزمات منذ 2011، ما أدى إلى تهاوي إنتاج الفوسفات بشكل كبير وأبعد تونس من دائرة أبرز المصدرين في العالم.

ويواجه المزارعون التونسيون عثرات في طريق مليء بالمطبات لإنعاش نشاطهم جراء التكاليف وعجز السلطات عن توفير الأسمدة بأسعار تفضيلية بسبب الإنتاج المحلي الضعيف، كونها تمثل مادة أساسية في عمليات الإنتاج.

وأكد الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة المزارعين) الشهر الماضي أنه تمت الموافقة على زراعة 1.2 مليون هكتار، وهي تحتاج إلى قرابة 250 ألف طن من سماد الأمونيتر.

لكن المزارعين يواجهون الموسم الحالي بإمكانيات ذاتية عبر القروض أو الحصول على المواد اللازمة من المزودين.

10