الصهيونية العربية: التغلغل والتمكين

نبرة الخطاب الانهزامي تصاعدت خلال الحرب الأخيرة ولم تعد خافية أسماء الشخصيات المتصهينة حيث تنصب جهودها في تبرير الحرب على غزة وإدانة حق الفلسطينيين بحماية أنفسهم من العنف الإسرائيلي.
الجمعة 2024/01/05
المشروع الطائفي فشل في جانب ونجح في آخر

ما هي الظروف التي مكنت العدو الصهيوني من إنزال هذه الأطنان من المتفجرات على أهالي غزة وبهذا التواصل دون توقف؟ بينما بقيت ردة فعل العالم العربي تتحرك في حدود أنشودة “أنا دمي فلسطيني” و“الشعب العربي وين.. الغضب العربي وين؟”.

الإجابة باختصار، أنه تم خلال السنوات الماضية تهيئة الرأي العام العربي والإسلامي لتقبل مشروع تفريغ غزة من أهلها، وتركهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم، وتم التحرك وفق ثلاثة اتجاهات محددة لتحقيق هذا المطلب:

الأول: تغذية الساحة بالنزاعات المذهبية، عبر تحريك وسائل الإعلام بالحوارات الدينية الشائكة بين المسلمين، وزرع الخلافات العقائدية، وقد اشتركت في إنجاح هذا المشروع شخصيات دينية من كلا الطرفين، وقنوات رسمية وأهلية مدعومة من الخارج، ومنابر إسلامية عريقة، اتفقت جميعها على تأجيج نار الفتنة ونشر الكراهية.

◙ تيار يحمل طابع الثقافة الصهيونية بدأ يتشكل في الوسط العربي، وبدأ نشاطه المكشوف أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحرب 2006 على لبنان، ومن سمات هذا الخطاب أنه انهزامي

وكان القصد من ذلك تحقيق هدفين: إحداث شرخ بين الدول العربية ذات الأغلبية السنية وإيران ذات الأغلبية الشيعية، وعزل المكون الشيعي في العالم العربي عن نظرائه السنة، بحيث يتم تخفيف التعاطف حول القضايا المشتركة، وتشتيت العرب والمسلمين في خلافات وهمية، وتمكين إسرائيل من العبث بالمنطقة دون حسيب أو رقيب.

ويمكن القول إن هذا المشروع فشل في جانب ونجح في آخر، ونلحظ ذلك الفشل في بقاء تفاعل الساحة الشيعية مع نظيرتها السنية في قضية غزة، والتنسيق بين فصائل المقاومة في الحرب الدائرة متجاوزة السواتر المذهبية، وما أعلنه قادة المقاومة الفلسطينية من وجود تنسيق مع محور المقاومة خير برهان.

أما النجاح فنلاحظه في استمرار التغذية المذهبية المقيتة، وتخاذل بعض الجهات عن إبداء مواقف واضحة تليق بحجم المواجهة العسكرية في غزة لاعتبارات مذهبية، ولا تزال العديد من القنوات العربية متورطة في تشتيت الجهود بحجة الدفاع عن الهوية الدينية والمذهبية.

أما الاتجاه الثاني: فهو ربط أي فعل مقاوم بالإرهاب، وتحميل إيران مسؤولية أي أعمال تحرر تنطلق في العالم، وهذا الربط هدفه محاصرة أي مقاومة للمحتل الصهيوني، واتهامهم بالعمالة للخارج، والحق أن هذه المحاولات نجحت إلى حد ما، ووجدت أرضية خصبة للتفاعل في العالم العربي.

وقد انساقت النخبة السياسية والدينية مع مشروع شيطنة إيران ولبنان، ومن مظاهر نجاح هذا المشروع فوبيا إيران التي انتشرت على نطاق واسع في الإعلام، وبين الأوساط السياسية والدينية العربية، والتشكيك في كل الجهود التي تقدمها لنصرة الحق الفلسطيني، أو العمليات العسكرية المساندة التي تقوم بها المقاومة اللبنانية.

◙ تغذية الساحة بالنزاعات المذهبية، عبر تحريك وسائل الإعلام بالحوارات الدينية الشائكة بين المسلمين، وزرع الخلافات العقائدية، وقد اشتركت في إنجاح هذا المشروع شخصيات دينية من كلا الطرفين

أما الاتجاه الثالث: فهو الاختراق الثقافي وهو مشروع ممتد منذ سنوات يستهدف خلق فجوة بين الأمة وعمقها الديني والتاريخي، وقد ابتدأ هذا المشروع من مؤتمر كوبنهاغن الذي شاركت فيه وفود من إسرائيل ومصر والأردن وفلسطين والاتحاد الأوروبي، وتلت هذا المؤتمر لقاءات على مستوى كبير من الأهمية والتأثير.

وأشهرها لقاء شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي في 12 أكتوبر عام 1997، مع السفير الإسرائيلي في مصر تسيفي ميزئيل في مشيخة الأزهر، ثم التقى مع كبير حاخامات الطائفة الأشكنازية الإسرائيلية في 15 ديسمبر بالقاهرة من العام نفسه.

وكان الهدف المعلن لهذا اللقاء هو الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة، أما الأهداف الفعلية فكانت تستهدف تحقيق ثلاث مهام، الأولى: إلغاء الفتوى الخاصة بإباحة العمليات الفدائية في فلسطين، والثانية: إدانة أعمال المقاومة ضد المحتل، والثالثة: الترويج لسياسات الحكومة الإسرائيلية في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين بدأ يتشكل تيار يحمل طابع الثقافة الصهيونية في الوسط العربي، وبدأ نشاطه المكشوف أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحرب 2006 على لبنان، ومن سمات هذا الخطاب أنه انهزامي، يحاول أن يقلل من قيمة الانتصارات الفلسطينية واللبنانية، ويثبت خطأ خيار المقاومة.

وتصاعدت نبرة هذا الخطاب خلال الحرب الأخيرة، ولم تعد خافية أسماء الشخصيات الإعلامية والدينية والسياسية المتصهينة، ولم يعد لغزا اكتشافهم من لحن القول، حيث تنصب جهودهم في تبرير الحرب على غزة، وإدانة حق الفلسطينيين بحماية أنفسهم من العنف الإسرائيلي الوحشي، والسعي لخلق الفتنة بين محاور المقاومة.

9