تسريبات عن تورط سياسيين كبار ومتنفذين في شبكات مخدرات تحرج الأردن

تمثل شبكات تهريب المخدرات تحديا طارئا على الأردن في السنوات الأخيرة، حيث وفرت الأزمة السورية بيئة ملائمة لنشاطها وتجارتها، الموجهة في جزء كبير منها إلى السوق الأردنية، وهو أمر ما كان ليحصل لولا وجود ارتباطات بين تلك الشبكات وجهات داخل المملكة.
عمان - شكلت التسريبات الأمنية التي نقلها كتاب صحافيون عن تورط سياسيين كبار ومتنفذين في الدولة في شبكات تهريب المخدرات العابرة للحدود إحراجا للأردن، الذي حرص على حصر تلك الشبكات في جهات خارجية، في إشارة إلى إيران وأذرعها في سوريا.
ويخوض الأردن مواجهة مفتوحة مع عصابات تهريب المخدرات والأسلحة المتمركزة في الجنوب السوري، اشتدت وطأتها خلال الأشهر الأخيرة ووصلت إلى حد الاشتباك المسلح.
ولطالما اتهمت عمان قوى إقليمية (دون أن تسميها) بالوقوف خلف تلك العصابات بهدف النيل من المملكة ودول المنطقة. لكن الحكومة الأردنية كانت تغفل معطى تورط جهات داخلية في تلك الشبكات، والتي يرى خبراء أمنيون أنه ما كان لها أن تسجل نجاحات وأن تزدهر تجارتها في المملكة لولا وجود تواطؤ من الداخل.
ويقول الخبراء إن تجنب الأردن الإشارة إلى ضلوع أطراف داخلية في شبكات تهريب المخدرات المرتبطة بسوريا، أمر متوقع وقد يكون مرتبطا بعملية التسويق الجارية لعدو خارجي يتربص بالمملكة.
ويشير الخبراء إلى أن هذا ما يفسر مسارعة المؤسسة الأمنية في الأردن إلى نفي التسريبات عن ضلوع سياسيين وجهات متنفذة في تلك الشبكات.
ونقلت وكالة عمون المحلية عن مصدر أمني مأذون الأربعاء نفيه “ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن قرب كشف الأجهزة الأمنية عن سياسيين كبار وحيتان متورطين في عمليات شبكات المخدرات وتهريب الأسلحة من الخارج”.
وقال المصدر إنه “لا صحة لهذه الشائعة وأن من تم القبض عليهم ليسوا سياسيين أو متنفذين أصحاب قوة مؤثرة”، مضيفا أن كتابا روجوا للرواية حتى ظن البعض أنها صحيحة.
وكان الكاتب الأردني حسين الرواشدة أشار في مقال تحت عنوان “قريباً .. حيتان مخدرات كبار في القفص” نشرته صحيفة “الدستور” شبه الحكومية إلى أن شخصيات معروفة، بعضها يعمل في “البزنس السياسي”، متورطة في شبكات التهريب.
واستهل الكاتب مقاله بتساؤل أتبعه برد “هل توجد حواضن، في الداخل الأردني، لاستقبال المخدرات المهربة عبر حدودنا مع سوريا (375 كم)؟ أكيد نعم، حسب مصادر أمنية هنالك معلومات كاملة لارتباط عصابات التهريب القادمة من سوريا بمجموعات محلية، بهدف التجارة”.
وأضاف أن هذه المجموعات تحتاج إلى “أباطرة” يديرون عملية التجارة والتوزيع والترويج، ويحظون بالقوة والنفوذ، ولا يسمحون لأي منافس آخر بالدخول إلى بازارات احتكاراتهم.
وقال “لدي معلومات تشير إلى أن حملة أمنية بدأت، منذ ثلاثة أسابيع، وتمكنت من إلقاء القبض على شبكة مخدرات خطيرة، تديرها مجموعة من هؤلاء الأباطرة، تضم شخصيات معروفة، بعضها يعمل في مجال البزنس السياسي، وبعضها (الآخر) كانت له سوابق في التهريب على مستوى دولي، لكن لم يتم الإعلان عن أسماء هؤلاء المتورطين حتى الآن، ربما لعدم انتهاء التحقيقات معهم، وربما لأسباب أخرى”.
وأعلنت السلطات الأردنية في ديسمبر الماضي عن اعتقال 33 شخصا من المطلوبين والمشتبه بتورطهم في قضايا تهريب المواد المخدرة والاتجار بها، منهم أربع من المطلوبين الخطرين والرئيسيين ممن يرتبطون بعصابات إقليمية تنشط عبر الحدود لتهريب المخدرات والسلاح.
وتساءل الرواشدة في مقاله “هل سنكون عام 2024 أمام فضيحة مخدرات تشبه فضيحة الدخان 2018؟ لا أدري، لكن ما أعرفه هو أن التهريب جزء من منظومة الفساد، ولدى الدولة إرادة بمكافحة هذا الخطر والتصدي له، كما أن لديها مصلحة (الآن تحديدا) بكشف المتورطين فيه، ما أعرفه أيضا هو أن الجريمتين تنتظمان في شبكة واسعة من الأشخاص المحسوبين على خط النفوذ غير المشروع، والبزنس السياسي”.
وكان الأردن اهتز في عام 2018 لوقع فضيحة ما عُرف بـ”مصنع الدخان”، حينما تم الكشف عن مصنع يقوم بتصنيع الدخان دون رقابة وترخيص، ويستخدم علامات تجارية لأبرز شركات التبغ دون موافقات أو حقوق ملكية، ويبيع في السوق الأردنية الدخان بتهرب ضريبي كامل، وأكثر من ذلك يقوم بالتصدير إلى أسواق خارجية.
ولفت الرواشدة في مقاله، الذي أثار ضجة، إلى أن نسبة انتشار المخدرات في الأردن تصاعدت بنحو 500 في المئة خلال الأعوام الماضية، بمعدل جريمة مخدرات كل 26 دقيقة، ما يعني أن هذه التجارة أصبحت تحظى بمراكز قوى ودعم ونفوذ داخلية، تمكنها من الانتشار والازدهار.
وبحسب إحصائيات للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لعام 2022، فإن 22.000 شخص في المملكة تم ضبطهم يتعاطون المخدرات، ونحو 7730 شخصا تورطوا في الاتجار والترويج، ويتوزع المتعاطون على بيئات مختلفة؛ الجامعات 18 في المئة، والمدارس 13 في المئة، والأماكن العامة 34 في المئة.
السلطات الأردنية أعلنت في ديسمبر الماضي عن اعتقال 33 شخصا من المطلوبين والمشتبه بتورطهم في قضايا تهريب المواد المخدرة والاتجار بها
واعتبر الرواشدة أن “أفضل خبر يمكن أن يسمعه الأردنيون من الحكومة في العام الجديد 2024 هو إعلان القبض على رؤوس كبيرة لتجارة المخدرات وحيتانها، أهم إنجاز يمكن أن تبدأ به الحكومة هذا العام هو نبش أوكار هؤلاء الذين هددوا أمننا الوطني، وتاجروا بحياة أبنائنا، وأفسدوا مجتمعنا، ثم إحالتهم إلى قضائنا العادل، لينالوا نصيبهم المحكوم”.
وختم مقاله بالقول “هل ستفعلها الحكومة؟ لا أدري، لكن، إن حصل، ستكون ضربة معلم في أكثر من اتجاه داخلي وخارجي، لاسيما وأن الأسماء المشتبه بتورطها، حسب معلوماتي، لها صدى وامتدادات، وسيشكل الكشف عنها حالة ارتياح شعبي، كما أن كشفها سيعزز الإنجازات الكبيرة لأجهزتنا العسكرية والأمنية في حملتها المستمرة على حدودنا الشمالية، وفي الداخل، لمواجهة وردع عدوان المخدرات، وعصاباته الدولية والمحلية معا، هل وصلت الرسالة؟ قولوا: آمين”.
ويرى مراقبون أن الرواشدة ما كان ليقدم على كتابة المقال وما كان لصحيفة “الدستور” أن تنشره لو لم تكن لدى الكاتب معلومات موثقة ومن مصادر ذات مصداقية، خصوصا وأنه يدرك أن المعلومات الواردة في مقاله خطيرة جدا.
ويلفت المراقبون إلى أن نفي المصدر الأمني المأذون قد يكون في علاقة بالخشية من تأثير ذلك على مجريات التحقيق، أو أن المؤسسة الأمنية تريد أن تبقي المعركة موجهة مع الأطراف الخارجية لحسابات تتعلق بالسياسة الأردنية.