تلويح نتنياهو بالسيطرة على محور فيلادلفيا يوتر العلاقة مع مصر

التزمت القاهرة الصمت حيال تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسيطرة على الشريط الحدودي الذي يفصل بين مصر وقطاع غزة، لكن محللين يرون أن القاهرة لن تسمح بمثل هذه الخطوة التي تتنافى مع ما جاء في الملحق العسكري لاتفاقية السلام بين البلدين.
القاهرة - لوح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسيطرة على محور فيلادلفيا، وهو شريط حدودي يفصل بين مصر وغزة، في خطوة من شأنها أن توتر العلاقة بين تل أبيب والقاهرة، خاصة أن التمركز الإسرائيلي في هذا المحور سيعني أن الاحتلال سيبقى لفترة طويلة.
وقال نتنياهو إن “محور فيلادلفيا، أو بعبارة أدق نقطة التوقف الجنوبية (في غزة)، يجب أن يكون تحت سيطرتنا، يجب إغلاقه، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه”.
ويشير رئيس الوزراء الإسرائيلي بذلك إلى الأنفاق، وأن أي اتفاق تهدئة جديد لا يتضمن سيطرة الجيش الإسرائيلي على هذه المنطقة المهمة سيعني السماح باستمرار تدفق الصواريخ والأسلحة إلى غزة وتمكين حركة حماس من عناصر القوة التي تساعدها على الاستمرار في الحرب لأشهر أخرى، ولاحقا تهديد أمن إسرائيل بهجمات شبيهة بهجوم السابع من أكتوبر الماضي أو أكثر حدة.
ويتضمّن تلويح نتنياهو بالسيطرة على الشريط الفاصل بين مصر وغزة اتهاما مبطنا لمصر بالتقصير والتغافل عما تقوم به حماس والتساهل مع حركة التهريب عبر الأنفاق التي تقوم بها حماس وغيرها من الفصائل. كما يخفي رغبة في الحد من تأثير مصر في الملف الفلسطيني من بوابة غزة، وهو تأثير تراهن عليه القاهرة لتثبيت نفسها كطرف مؤثر في عملية السلام ويحفظ لها علاقات مميزة مع الولايات المتحدة ويضمن استمرار تدفق المساعدات العسكرية والمالية الأميركية.
ويمتد محور فيلادلفيا، ويُعرف فلسطينيا باسم “محور صلاح الدين”، 14 كيلومترا من البحر المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبوسالم جنوبا.
ولم تعلق مصر بشكل رسمي على كلام نتنياهو لمنع أي توتر في العلاقة مع إسرائيل، وهي تعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في حالة استنفار ويمكن أن يفهم التصعيد الكلامي المصري على أنه انحياز إلى حماس؛ إذ يرجح مراقبون أن تتعامل مع هذا الموقف الطارئ من خلال القنوات الدبلوماسية بعيدا عن الأضواء، مراهنة على موقف واشنطن في التخفيف من حدة الموقف الإسرائيلي.
وقال اللواء حمدي بخيت، الخبير الإستراتيجي ومستشار أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية التابعة للجيش المصري، إن القاهرة “لن تسمح لإسرائيل بالسيطرة على محور صلاح الدين تحت أي ظرف”، مبررا الصمت على تصريحات نتنياهو بأن مصر “مقتنعة تمام الاقتناع بمحاولته الهروب إلى الأمام والبحث عن شماعة لتبرير فشل حكومته، لكنه على الأرض لا يستطيع احتلال المحور لأنه بذلك يدخل في صدام مع مصر”.
وأضاف بخيت في تصريح لـ”العرب” أن “نتنياهو يحاول بشتى الطرق إقناع الداخل الإسرائيلي بأن الفشل في الحرب على قطاع غزة مرتبط بأبعاد خارجية، كأن يُلقي بمسؤولية وجود أسلحة تعبر من أسفل محور صلاح الدين، وهكذا، وهو ما تُدركه مصر ولا ترد عليه، ولا ترغب في الانجرار إلى معركة يبحث نتنياهو من ورائها عن تحقيق مكاسب سياسية”.
وأوضح الخبير العسكري المصري أن موقف بلاده من رفض احتلال المحور لا جدال فيه، ولن تقبل بعزل غزة ومنع الاتصال بالقطاع، لأن ذلك يتنافى مع ما جاء في الملحق العسكري لاتفاقية السلام بين البلدين، وأي تغيير في بنود الاتفافية يجب أن يكون لعذر معين أو حدث طارئ، لكن “لا تُوجد أعذار منطقية لإسرائيل تسمح لها باحتلال المحور، بالتالي فأي عبث به سوف يهدد الاستقرار على الحدود مع مصر، وهذا في حد ذاته مغامرة غير محسوبة العواقب بالنسبة إلى إسرائيل”.
القاهرة تعلم أن محاولة احتلال المحور جزء من مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما رفضته مصر وتصر على عدم قبوله
وبموجب معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية لعام 1979 كان هذا المحور منطقة عازلة خاضعة لسيطرة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة “فك الارتباط”.
وفي العام نفسه وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولًا سُمي “بروتوكول فيلادلفيا”، لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، لكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جنديا على امتداد الحدود مع غزة، وهم لا يمثلون قوة عسكرية بل قوة شُرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.
وتعلم القاهرة أن محاولة احتلال المحور جزء من مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما رفضته مصر وتصر على عدم قبوله، ونتنياهو يعرف أنه في حال قيام قواته باحتلال المحور سيكون هناك رد فعل سريع من مصر، خاصة أن القوات الإسرائيلية منهكة حاليا، وليس من صالح نتنياهو استفزاز القاهرة في هذا التوقيت، كما أن الولايات المتحدة كجهة راعية لاتفاقية السلام لن تدعم أي خطوة أحادية من شأنها إحداث توترات أمنية بين مصر وإسرائيل.
وذكر الخبير العسكري المصري اللواء عادل العمدة أن “حديث نتنياهو خرق واضح لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ولن يجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة تجاه المحور الذي يعد عدم السيطرة عليه أحد أبرز بنود اتفاقية كامب ديفيد”.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على “أن القاهرة أدخلت تعديلات على اتفاقية السلام بموافقة إسرائيل، وإدخال قوات عسكرية مصرية إلى سيناء وفي مناطق قريبة من الحدود مع إسرائيل جاء ضمن تفاهمات مشتركة حول القضاء على الإرهاب، ومصر لم يسبق لها أن أخلّت ببنود اتفاقية السلام”.
ولفت إلى أن “الوضع بالنسبة إلى احتلال محور صلاح الدين مغاير لأنه لا يتوافق مع الموقف المصري، وهناك قناعة بأن نتنياهو لا يملك القدرة على اتخاذ مثل هذه الخطوة، وتصريحاته تُفهم في سياق رسائله المتباينة للداخل الإسرائيلي مع تصاعد الانتقادات الموجهة إليه في ظل فشله في تحقيق أهداف الحرب المعلنة”.