ضبابية السياسات النقدية تختبر قناعات المستثمرين في 2024

رهانات خفض الفائدة ستكون بعيدة عن طموحات أصحاب الأعمال.
الأربعاء 2024/01/03
الآفاق ليست واضحة

يراقب المستثمرون باهتمام اقتراب البنوك المركزية الغربية الكبرى من التحول الذي طال انتظاره، من رفع الفائدة إلى خفضها، لكن عام 2024 قد يحمل مفاجآت حيث يتكيف العالم مع نظام اقتصادي، فالأموال ليست رخيصة حتى تحفز على الأعمال.

لندن- يرجح المحللون أن يتم على مدار العام الحالي اختبار قناعات المستثمرين، حيث سيتعين على كل المتعاملين مع الأسواق ومن لديه مشاريع قادمة معرفة كيفية التعايش مع أسعار الفائدة المرتفعة.

وصعدت الأسهم العالمية وانخفضت عائدات السندات الحكومية في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من تحذير محافظي البنوك المركزية من الرهانات المحورية.

ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، أصبح المستثمرون الآن في وضع يسمح لهم بفعالية بتوجيه الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الاقتصاد نحو الهبوط المثالي، وخفض التضخم من دون التسبب في الركود.

وتأتي قناعة السوق بعد أن فاجأ الاقتصاد الأميركي الناس بمرونته. وقد تم تخفيف ذلك جزئيا من خلال مدخرات المستهلكين في ظل الجائحة وجاذبية أميركا كميناء آمن للاستثمارات في عالم تتزايد فيه الفوضى.

ستيفن سايكس: عندما تحاول فعل شيء فكأنك تدور في حلقة مفرغة
ستيفن سايكس: عندما تحاول فعل شيء فكأنك تدور في حلقة مفرغة

وقد يكونون على حق، حيث أكد خبير اقتصادي معروف ومسؤول سابق في الاحتياطي الفيدرالي، لم تذكر رويترز هويته، أن البنك المركزي تمكن من إدارة عمليات الهبوط الناعم في الكثير من الأحيان أكثر مما يُعتقد بشكل عام.

لكن العديد من المستثمرين والمدراء التنفيذيين يعتقدون أن الاحتمال منخفض، إذ أن مدخرات عصر الوباء تُستنزف، وتتجمع أمام الكثير منهم آفاق ضبابية خاصة مع ما يبدو أنه انتخابات أميركية مثيرة للجدل.

ويراهن المستثمرون على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يخفض الفائدة بما يصل إلى 1.5 في المئة بحلول نهاية 2024، لكن هذا سيترك الأسعار عند مستوى قريب من 4 في المئة، وهو أعلى مما كان عليه طوال معظم العقدين الماضيين.

وعند هذا المستوى، ستظل السياسة النقدية تشكل عائقا أمام النمو لأنها ستكون أعلى مما يسمى المعدل المحايد الذي لا يتوسع الاقتصاد ولا ينكمش عنده.

وأضف إلى ذلك مجموعة من المخاطر التي تهدد التوقعات هذا العام من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة التي وضعت العولمة في الاتجاه المعاكس بقوة، والانتخابات في العديد من البلدان التي يمكن أن تغير النظام العالمي بشكل جذري بطرق غير متوقعة.

وتدعم أسعار الفائدة كل شيء، من النمو الاقتصادي إلى أسعار الأصول المالية وتكلفة الاقتراض لشراء سيارة أو منزل.

وهناك القليل من الضمانات بأن السندات التي يُنظر إليها على أنها جزء أكثر رزانة من العالم المالي ستولّد نفس المستوى من حماسة المستثمرين مثل الأسهم، التي تسببت تقلباتها الشديدة في السنوات الأخيرة في إيجاد جيل من المتداولين عبر الإنترنت.

ومع ذلك، فإن هذا التطور هو مثال آخر على الكيفية التي تعمل بها أسعار الفائدة المرتفعة على تغيير المشهد الاستثماري وإثارة المزيد من اهتمام التجزئة بالمنتجات ذات الدخل الثابت، والتي كانت تاريخيا أكثر تعقيدا وتكلفة بالنسبة إلى المستثمرين الهواة للتداول. وقال ستيفن سايكس الرئيس التنفيذي للعمليات في بنك بابليك “عندما تحاول أن تفعل أيّ شيء في عالم السندات أو الدخل الثابت فيبدو كأننا ندور في حلقة مفرغة”.

وتؤدي المعدلات المرتفعة للفائدة إلى جعل الأصول ذات المخاطر العالية، مثل أسهم التكنولوجيا والعملات المشفرة، أقل جاذبية، حيث يمكن للمستثمرين الحصول على عائد لائق دون الاضطرار إلى تحمل الكثير من المخاطر. وتتوقع الأسواق الآن بنسبة 86 في المئة خفض المركزي الأميركي لأسعار الفائدة بدءا من مارس المقبل، وفقا لأداة فيد ووتش التابعة لمؤسسة سي.أم.إي، مع توقع الخفض بأكثر من 150 نقطة أساس هذا العام.

ومع مستهل العام الجديد ارتفع الدولار في أول يوم تداول في العام الجديد مع تحول الاهتمام إلى بيانات اقتصادية تصدر هذا الأسبوع من المحتمل أن توفر دلالات على التحركات المقبلة للاحتياطي الفيدرالي. وشهد عام 2023 تراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل ستة عملات منافسة، اثنين في المئة منهيا مكاسب استمرت لعامين.

الأسواق تتوقع بنسبة 86 في المئة خفض أسعار الفائدة بدءا من مارس المقبل
الأسواق تتوقع بنسبة 86 في المئة خفض أسعار الفائدة بدءا من مارس المقبل

وفي خضم ذلك بدأ عالم العملات المشفرة العام بقفزة قوية، إذ لامست البيتكوين أعلى مستوى من أبريل 2022 عند 45.5 ألف دولار وسط توقعات متزايدة بأن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ستوافق قريبا على إدراج صناديق تداول فوري للبيتكوين.

ومع صعوبة الحصول على الأموال، يمكن أن تفشل الرهانات الأكثر خطورة وتنفجر الفقاعات، مما يؤدي إلى أحداث مثل الأزمة المصرفية الإقليمية في الولايات المتحدة في مارس الماضي.

وبينما تكافح الشركات، فإنها تلجأ إلى تقليص نفقاتها، وبات ذلك واضح من خلال سياساتها، حيث يفقد الناس وظائفهم وتصبح الوظائف الجديدة نادرة.

وفي حين ظل المركزي الأميركي، وغيره من البنوك، يرفع أسعار الفائدة لأكثر من عام، فإن العالم لم يكمل بعد التحول من الوقت الذي كانت فيه الأموال مجانية إلى الفترة التي لم تعد فيها كذلك.

ومن المرجح أن يكون 2024 هو العام الذي تظهر فيه آثار هذا التحول بشكل أكثر وضوحا. وهذا يعني أن الشركات، وفي بعض الحالات بلدان بأكملها، سوف تضطر إلى إعادة هيكلة التزامات ديونها، لأنها لم تعد قادرة على تحمل دفع الفوائد.

وأصبح بعض ذلك واضحا بالفعل في مفاوضات ديون الأسواق الناشئة وحالات إفلاس الشركات المتزايدة. حيث وصلت طلبات إفلاس الشركات الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2020. ومن المرجح أن يلوح المزيد في الأفق. وفي الاقتصاد، ستشهد قطاعات مثل العقارات التجارية، حيث تضررت بعض أسواق المكاتب بشدة بسبب طرق العمل الجديدة بعد الوباء، المزيد من الألم.

ومن المرجح أن يضطر المزيد من أصحاب العقارات إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية والتخلي عن مفاتيح المباني، مع تدفق الخسائر إلى البنوك والمستثمرين كما يحدث الآن مع شركة العقارات الأوروبية المفلسة سيجنا. وبالنسبة إلى المستهلكين، فرغم أن المدخرات قد تدر عائدات أكبر، فإن تكاليف الاقتراض المرتفعة سوف تتطلب التعديل.

10