تركيا تتخلى عن حماية الودائع لتقوية الليرة المنهارة

البنك المركزي يحث المستثمرين على اقتناص فرصة التغيرات الواسعة في السياسات النقدية.
الأربعاء 2024/01/03
عملة مترنحة في وضع قاتم

تخطط الحكومة التركية مع بداية العام الجديد للتخلي عن سياسة كانت قد اعتمدتها قبل عامين لدعم الليرة من خلال برنامج الودائع المحمية بالعملات الأجنبية، والذي أثار جدلا واسعا بين أوساط المال والأعمال وحتى المتداولين أملا في دفع الاقتصاد.

أنقرة - تنتظر الأوساط الاقتصادية والمالية في تركيا مع دخول 2024 تأثير التغييرات العميقة، التي تنفذها الحكومة للخروج من فخاخ الاضطرابات التي تسببت فيها إجراءات الرئيس رجب طيب أردوغان وسياسات البنك المركزي.

وسيكون الجميع الآن أمام تحول جديد يتمثل في إنهاء دعم ودائع الليرة عبر حمايتها بالعملات الأجنبية (كي.كي.أم)، وفق ما أفاد وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، وذلك في مسعى لتقوية العملة المحلية التي انحدرت قيمتها بشكل غير مسبوق.

وكتب شيمشك في تغريدة عبر حسابه في منصة إكس يقول إن “2024 تخطط الحكومة مع بداية العام الجديد للتخلي عن سياسة كانت قد اعتمدتها قبل عامين لدعم الليرة من خلال برنامج الودائع المحمية بالعملات الأجنبية”.

وفي إطار هذا التحول، يرغب البنك المركزي الآن في أن تحدد البنوك هدفا جديدا يتمثل في تحويل الودائع المحمية من تقلبات سعر الصرف إلى ودائع عادية بالليرة، وهو ما سيحدث بقدر ما عبر إثناء الشركات والأفراد عن تجديد الودائع المحمية القديمة.

محمد شيمشك: هذا العام سيشهد تعزيز أساس النمو المرتفع والمستدام
محمد شيمشك: هذا العام سيشهد تعزيز أساس النمو المرتفع والمستدام

وينظر المسؤولون إلى 2024 على أنه العام الذي يبدأ فيه التضخم السنوي في الانخفاض، وتزداد فيه كفاية الاحتياطيات، وينتهي نظام حماية النقد الأجنبي، ويبدأ التحسن الدائم في الحساب الجاري، وترسيخ الانضباط المالي.

وأضاف شيمشك المصرفي المخضرم، الذي تم تعينه العام الماضي عقب فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة “سيشهد العام الجديد تعزيز أساس النمو المرتفع والمستدام”.

وأطلقت الحكومة في ديسمبر 2021 هذا البرنامج الضخم بهدف مخالفة اتجاه الدولرة في الودائع، وتعزيز العملة التركية.

ويقول المسؤولون إنه صُمّم من أجل تشجيع المزيد من الادخار بالليرة، بدلا من العملات الأجنبية من خلال ضمان عوائد على ودائع الليرة التي تعوض أي خسائر في أسعار الصرف.

واستهلت العملة التركية العام الجديد على وقع تراجع إلى مستوى قياسي منخفض جديد عند أقل من 29.7 ليرة للدولار الثلاثاء، لتواصل سلسلة خسائر تسارعت قليلا في أواخر عام 2023 إذ أنهت العام منخفضة نحو 37 في المئة.

ومنذ فوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة في مايو الماضي، أجرت الحكومة تحولا جذريا في السياسة النقدية وتخلت عن سياسة أسعار الفائدة المنخفضة غير التقليدية لصالح التشديد النقدي.

وتراجعت الليرة بشكل حاد في الصيف الماضي مع تخفيف السلطات قبضتها على العملة، قبل أن تتباطأ الانخفاضات في الخريف.

وكان برنامج كي.كي.أم إحدى الأدوات المستخدمة لمحاولة دعم الليرة التركية عندما تعرضت لضغوط من تخفيضات الفائدة في بيئة تضخم مرتفعة، وهي سياسة نقدية شديدة التساهل كانت من بين الأفكار الاقتصادية غير التقليدية التي اتبعها أردوغان.

وعقب إعادة انتخابه، أقدم الرئيس التركي على تغيير فريقه الاقتصادي، حيث عيّن مصرفيين سابقين في وول ستريت، وهم شيمشك وزيرا للمالية، وحفيظة جاي إركان محافظة للبنك المركزي، في محاولة لجذب المستثمرين الأجانب إلى تركيا.

88.3

مليار دولار قيمة الودائع الموجودة في الحسابات البنكية المحمية بالعملات الأجنبية

وشرع المسؤولون في الفريق الاقتصادي الجديد في عملية تطبيع السياسة من خلال إلغاء بعض القواعد التنظيمية القديمة، ورفع سعر الفائدة الرئيسي، بما مجموعه 3400 نقطة أساس إلى 42.5 في المئة.

ومنتصف الشهر الماضي قالت إركان إن “دورة التشديد النقدي تقترب من نهايتها”، ودعت الأجانب إلى الاستثمار في السندات الحكومية المقومة بالليرة بالعائدات المؤاتية الحالية.

وتجنب المستثمرون الأجانب السندات المقومة بالليرة خلال معظم العقد السابق، إذ فرض المسؤولون في أنقرة سلسلة من الإجراءات الاقتصادية غير التقليدية التي تهدف إلى تثبيط بيع الليرة على المكشوف.

وأوضحت إركان، في مقابلة مع صحيفة “حرييت” التركية السبت الماضي، أن “السياسة النقدية المتشددة بدأت تؤثر على أسعار المستهلك، لكن التضخم لن يصل إلى خانة الآحاد قبل 2026”.

وأشارت إلى أن “في هذا الوقت من العام المقبل، سنكون في بيئة أكثر اعتدالا من حيث التضخم والتشديد النقدي.. أنصح المستثمرين الأجانب باقتناص الفرصة الآن لأن العوائد ستكون أقل بعد هذا الوقت”.

وألمحت إركان إلى الطلب المتزايد من المستثمرين الأجانب على السندات الحكومية في الأسابيع الأربعة الماضية، خاصة من الولايات المتحدة. وقالت “لا نريد أن يستثمر الأجانب من خلال عقود المبادلة لأنها ليس لها أي تأثير على الاحتياطات”.

وكان الخفض التدريجي في الحسابات المحمية بالعملات الأجنبية أحد أهداف الفريق الجديد.

وذكرت وكالة بلومبرغ في يوليو الماضي أن تركيا تتطلع إلى إنهاء البرنامج لأنه يفرز ضغطا على الليرة واحتياطيات البنك المركزي إذا اختار عدد كبير من المدخرين الانسحاب منها والتحول إلى الدولار مجددا.

Thumbnail

وفي نوفمبر الماضي، صرح شيمشك لبلومبرغ بأن الخروج من برنامج كي.كي.أم يمكن تحقيقه دون الحاجة إلى أي حوافز، نظرا لتطبيع السياسة النقدية.

وقال حينها إن “أكبر حافز لهذه الحسابات هو الإعفاء الضريبي”، مضيفا “سنجري تقييما لهذا الوضع في العام المقبل ولذلك فإن عملية الخروج من البرنامج مستمرة بنجاح”.

وذكرت وكالة الأناضول الجمعة الماضي، أن البنوك التركية لن تقدم حسابات ودائع بالليرة محمية بالعملات الأجنبية للمدخرات الموجودة في حسابات الليرة العادية اعتبارا من الأول من يناير.

وأشارت إلى أن القطاع المصرفي سيواصل تقديم حسابات محمية بالعملات الأجنبية للودائع بالعملات الأجنبية.

وانخفض إجمالي الودائع في الحسابات المحمية بالعملات الأجنبية في تركيا بمقدار 30.4 مليار ليرة (نحو مليار دولار) ليبلغ 2.65 تريليون ليرة (88.3 مليار دولار) في الأسبوع المنتهي في الثاني والعشرين من ديسمبر الماضي، وفقا للجهات التنظيمية المصرفية.

وكشفت لجنة السياسة النقدية الشهر الماضي أن دورة التشديد النقدي ستتباطأ، على أن تنتهي خلال فترة زمنية قصيرة.

وأوضحت إركان أن زيادات أسعار المنتجات تراجعت، بما في ذلك السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث، لكن الأمر سيستغرق المزيد من الوقت في مجالات مثل النقل والمواد الغذائية.

ومن المقرر أن يعلن البنك المركزي في وقت لاحق هذا الشهر عن معدل التضخم والذي من المتوقع أن يبلغ بنهاية ديسمبر الماضي 65 في المئة صعودا من 62 في المئة خلال الشهر السابق على أن يبلغ 36 في المئة بنهاية 2024.

11