استئناف الحوار الوطني في مصر يخفف جزئيا هواجس المعارضة

تفاؤل حذر حيال الجولة المنتظرة من الحوار الوطني، مع أن بعض الأوساط السياسية ترى أن الأجواء الحالية إيجابية وهناك فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب.
الجمعة 2023/12/29
النظام يدخل الجولة الثانية للحوار الوطني من موقف قوة

القاهرة – عاد الحوار الوطني مرة أخرى ليتصدر المشهد السياسي في مصر بعد مضي أيام على فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية رئاسية ثالثة، وأعلنت بعض الأحزاب الانتهاء من إعداد أجندات عمل ستطرحها في الجولة الثانية من الحوار، والقضايا المفترض أن تحظى بأولوية وتتلاقى مع التحديات التي تواجهها البلاد.

وقال الناطق باسم الحركة المدنية خالد داوود في تصريحات لـ”العرب” إن “اجتماعا سيتم عقده غدا السبت بين أحزاب المعارضة لمناقشة مستقبل الواقع السياسي في مصر، وما يفرضه من إجراءات مطلوب اتخاذها”، لافتا إلى أنه لن يجري النقاش بشأن الحوار قبل تلقي دعوة رسمية إلى المشاركة، وما يمكن قوله إن الحركة لن تغير موقفها بشأن المطالب السياسية الملحة التي تنظر إليها كأساس منح المشروعية والقيمة للحوار الوطني.

وتنتظر قوى المعارضة الإعلان رسميا عن موعد تدشين المرحلة الثانية من الحوار الوطني بعد تعهد الرئيس السيسي، في خطاب ألقاه عقب فوزه بانتخابات الرئاسة، باستكمال الحوار وفتح نقاشات مع القوى الوطنية، باعتبار أن التشارك في الرؤى والقناعات والوقوف على أرضية مشتركة هما السبيل لنجاح الدولة في تجاوز التحديات.

خالد داوود: المعارضة لا ترغب في أن تكون الجولة الثانية نسخة مكررة من الأولى
خالد داوود: المعارضة لا ترغب في أن تكون الجولة الثانية نسخة مكررة من الأولى

ويريد النظام من استكمال الحوار الوطني تعزيز مصداقيته عقب تشكيك بعض قوى المعارضة بأن القاهرة استثمرت حالة الحوار سابقا للإيحاء بوجود حراك قبيل انتخابات الرئاسة، ولن تعود إلى نفس الجولة مجددا، لكن إعلان أحزاب قريبة من السلطة انتهاءها من إجراءات المشاركة في الجولة الثانية يدعم حسن نوايا النظام.

وأصبح الحديث عن الحوار محور اهتمام بعض وسائل الإعلام المحلية ونواب في البرلمان وقوى داعمة للحكومة الأيام الماضية، ما يوحي بوجود جهود تبذل لخلق اهتمام مجتمعي غاب عن الحوار في جولته الأولى، وانصب تركيز النخب السياسية على ما عرض من مشكلات وسط لامبالاة الرأي العام بتطوراته ونتائجه وأهميته.

ويسود تفاؤل حذر حيال الجولة المنتظرة من الحوار الوطني، مع أن بعض الأوساط السياسية ترى أن الأجواء الحالية إيجابية وهناك فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب، لكن لا تزال هناك قوى معارضة لا تخفي شعورها بالقلق في ظل استشعارها بأن الجولة المقبلة قد تكون نسخة من سابقتها لتوظيف الحوار في خدمة السلطة التي تواجه جملة من التحديات.

وأوضح خالد داوود لـ”العرب” أن “تأجيل الحوار الوطني إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية كان خطأ، والمعارضة لا ترغب في أن تكون الجولة الثانية نسخة مكررة من الأولى، لأن ذلك يفرغ الحوار من مضمونه ويجلب مكاسب للنظام فقط، في حين أن الشارع يترقب قرارات لتكريس الأمن والاستقرار وتحصين الجبهة الداخلية”.

وترى دوائر سياسية أن النظام المصري صار في موقف قوة بعد أن فاز السيسي في الانتخابات ورفع الضغوط السياسية التي ارتبطت بقلق الشارع من الاستحقاق الانتخابي، بالتالي يدخل الحوار الوطني دون أن يكون مدفوعا إلى التجاوب مع شروط المعارضة.

وتدرك قوى معارضة أن النظام يلج الجولة الثانية من الحوار وهو في موقف قوة، بعد أن نجح في ترتيب أوراقه السياسية، واستقرت الأوضاع بفوز السيسي، مع أنه وقت انطلاق الجولة السابقة من الحوار كان مدفوعا إلى التجاوب مع مطالب المعارضة المرتبطة بالإفراج عن سجناء سياسيين وتحمّل إملاءات المناوئين له على مضض.

الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واشتداد المعارك في السودان يضاعفا التحديات أمام مصر، ما يرجح تمسك النظام باستمرار الحوار ليظل المصريون، مؤيدين ومعارضين، كتلة واحدة

ويسعى النظام للحفاظ على أجواء الحوار لأطول فترة ممكنة، وعدم وضع عراقيل، حال التنصل من تعهداته بالانفتاح على القوى الوطنية، فذلك سيمثل فرصة ثمينة أمام قوى المعارضة للانسحاب وإحراج السلطة بالتأكيد على أن الهواجس التي تخوفت منها كانت حقيقية، وقرار الوقوف في وجه الحكومة كخصم مرتبط بأنها تستحق ذلك.

وأكد داوود أن المعارضة في مصر لا تملك جديدا لتقوله في المرحلة الثانية من جلسات الحوار الوطني، ومطالبها ثابتة ومعلنة وتحتاج إلى إرادة سياسية من النظام لتنفيذها، وترتبط باتخاذ إجراءات فعلية على الأرض لغلق ملف الحبس الاحتياطي وإقرار تشريعات تقوم بتهيئة المناخ العام وتعالج تشوهات قوانين الانتخابات وتتيح حرية العمل السياسي للأحزاب بلا قيود.

ويعتقد متابعون أن الأزمات التي أصبحت تحاصر الدولة، على رأسها المشكلة الاقتصادية، لا تحتمل المزيد من الصدام، فكل طرف (الحكومة والمعارضة) يعلم أن تعقد الأزمات مع الخلاف يجلب إلى الدولة تداعيات خطيرة قد تقود إلى قلق شعبي.

ويعي النظام المصري هذه الحقيقة ويؤمن بأن الحوار وسيلة جيدة لتخفيف نبرة الغضب في الشارع، والكف عن ترديد اتهامات للسلطة بالعناد عبر تمرير رؤى معينة في قضايا حيوية دون اكتراث بتوجهات الناس، كما أن التقارب مع المعارضة يضمن أنها ستكون قريبة من مجابهة التحديات والتعامل معها بحكمة وعقلانية.

ونجحت قوى معارضة في تقريب الحكومة من الأزمات المرتبطة بالشارع في الشقين الاقتصادي والاجتماعي، ورغم تركيزها على طرح رؤى سياسية لا تتوافق مع توجهات النظام، استفادت السلطة من الحوار في جولته الأولى بقراءة المشهد من خلال مطالب ملحة عرضتها وتمسكت بها لتعزيز تماسك الجبهة الداخلية.

الأزمات التي أصبحت تحاصر الدولة، على رأسها المشكلة الاقتصادية، لا تحتمل المزيد من الصدام، فكل طرف (الحكومة والمعارضة) يعلم أن تعقد الأزمات مع الخلاف يجلب إلى الدولة تداعيات خطيرة

ومن غير المعروف ما إذا كانت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم في عضويتها أحزابا وشخصيات عامة معارضة، ستعيد المشاركة في جلسات الحوار أم لا، لكن ما يعزز قبولها بالتواجد أنها أعلنت وقوفها خلف النظام في القضايا المرتبطة بالحفاظ على أمن الدولة في مواجهة الأزمات، وإن اختلفت مع السلطة حول ملفات داخلية.

ويتفق العديد من المراقبين على أن النظام المصري لم يكن ليسرّع من وتيرة الحديث عن قرب انطلاق المرحلة الثانية من الحوار الوطني إلا وهو مقتنع بجدوى الحراك، سياسيا واجتماعيا وشعبيا، لاسيما وأن الجولة الأولى تمخضت عنها بعض المقترحات التشريعية من خبراء ومتخصصين وأصحاب خبرة وكفاءة، لم يكن ليصل صوتهم ورؤاهم الصائبة إلا من خلال منبر مفتوح، كالحوار الوطني.

يضاف إلى ذلك وجود دوائر رسمية لها صوت وتأثير داخل النظام على قناعة بأن الدولة تعاني تحديات جمة ليس من السهل تفكيكها بعيدا عن النقاش مع مكونات سياسية مختلفة، كما أن إعادة انطلاق الحوار بعد توقفه سوف تخلق بيئة داعمة مهمة للسلطة لأنها قد لا تجد يد العون والمساندة التي حصلت عليها القاهرة من حلفائها سابقا.

وثمة توافق شبه عام بين دوائر النظام في مصر على أن المساندة الداخلية للحكومة ستظل دافعا قويا لإعادة ترتيب أوراقها المرتبطة بالتحديات الإقليمية، وقدرة الدولة على جذب الدعم من حلفائها في الإقليم والعالم تتوقف على قوتها وتماسك جبهتها الداخلية بما يمكنها من الحصول على المزيد من الدعم والمساندة الخارجية.

وأصبحت القاهرة محاطة بمجموعة من الأزمات الإقليمية التي لم تتعرض لها منذ قرون، ترتبط بتصاعد حدة الصراعات في كل من ليبيا وسوريا والعراق وفلسطين واليمن، وجاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واشتداد المعارك العسكرية في السودان مؤخرا ليضاعفا التحديات أمام مصر، ما يرجح تمسك النظام باستمرار الحوار ليظل المصريون، مؤيدين ومعارضين، كتلة واحدة.

2