انتشار الخطاب الديني السام

الخطاب الديني الذي انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي والذي قاده عدد من رجال الدين، والموجه بالدرجة الأولى ضد المقاومة الفلسطينية ومحاولة نزع الشرعية عنها، أو الخطاب الديني الذي ينتقص من مكانة ودور حركات التحرر المتضامنة مع الفلسطينيين، واتهامهم في نواياهم، أصبح عبئا على المجتمع.
خلال الأيام الماضية تابعت سلسلة الخطب والكتابات والنقاشات الدائرة في بعض الأوساط الدينية، ولاحظت كمية المغالطات وغياب المنطق السليم، وتصدي السفهاء للمنابر والتوجيه الديني، بهدف تثبيط المجاهدين عن الدفاع عن النفس، وتحريف الدين عن أهدافه وقيمه العليا، وتشويه فكرة الجهاد الدفاعي.
ومن جملة المغالطات التي تكررت أن حركة المقاومة قلة لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن عملها يصنف ضمن أعمال العنف والإرهاب، وأن المجاهدين يتحملون مسؤولية إزهاق الأرواح البريئة في غزة. ويقول هؤلاء الدعاة أن الإسلام لا يسمح بالدفاع عن النفس في حال خشية الضرر، وأن منهج الاستسلام للواقع هو الحل الشرعي الوحيد.
ولا يتردد بعض “شيوخ الدين” الآخرين من اتهام المجاهدين في فلسطين بأنهم “حفنة عملاء” ينفذون أجندات سياسية للخارج، فهم في بعض الخطابات ينتمون إلى الفكر التكفيري وهدفهم تشويه صورة الإسلام، وفي خطابات أخرى رائجة يتهمون بأنهم عملاء لإيران، وهي محاولة للضرب على الوتر الطائفي والعرقي.
الدفاع عن الأرض والنفس هو فطرة بشرية. فالمقاومة الفلسطينية ليست بدعة عن حركات التحرر في التاريخ البشري، وإنما هذا ديدن كل الأحرار في العالم
ولا يهمنا هنا رد التهم أو تفنيد هذه المغالطات، وإنما ما أود التنبيه إليه أن تكرار مثل هذه المغالطات والتحريض ضد المجاهدين لن يأتي بالنتيجة المرجوّة، لعدة أسباب موضوعية، من أبرزها أن الدفاع عن الأرض والنفس هو فطرة بشرية. فالمقاومة الفلسطينية ليست بدعة عن حركات التحرر في التاريخ البشري، وإنما هذا ديدن كل الأحرار في العالم.
في التاريخ الحديث نتحدث عن ثورة السود وهي من أبرز ثورات التحرر والتمرد على نظام العبودية، وقد أنجزت هدفها في التحرر، وهي من التجارب التي تحظى بإشادة واسعة وتأييد كبير لأنها تنسجم مع فطرة الإنسان، وهي رد فعل بشري مطلوب، وقد خُلق الإنسان حرا ولا يجوز لأيّ سلطة أن تهينه أو تنتقص من حقوقه.
الأمر الآخر وفرة النصوص الدينية التي تدعم فكرة الدفاع عن الأرض والعرض، وحجم القصص الإسلامية التي تكتنز العشرات من البطولات في الدفاع المشروع عن النفس، فهذه جزء لا يتجزأ من المنهج الإسلامي الأصيل والذي ينطلق من قوله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.
وعليه فإن تكاثر نماذج “شيوخ الدين” المشككة في شرعية المقاومة، وشرعية الدفاع عن النفس، سوف تطرح سؤالا على درجة كبيرة من الخطورة وهو: كيف يمكن للإنسان أن يقبل بالانتماء إلى دين يحثه على التنازل عن الحقوق والمكتسبات؟
وكيف يستمعون إلى رجال دين يجرّمون أصحاب الأرض عند الدفاع عن الأرض والعرض؟ وكيف يمكن الاستماع إلى علماء يذمون أصحاب الكرامة ويمتدحون طلاب الذل والإهانة؟
إن انتشار “الخطاب الديني السام” في وسائل الإعلام سيؤدي إلى ردة فعل توازي الثورة الفكرية في المجتمع، ترفض التدين الشكلي وترفض الهذيان المتواصل باسم الدين. ولا شك أن هذه الثورة ستضعنا أمام استحقاقات مهمة وربما عاصفة في هذا الملف خلال المرحلة القادمة.