قيس سعيد يرجع المشاركة المتدنية في الانتخابات المحلية لرفض فكرة البرلمان

تونس - أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، أنّ سبب عزوف مواطنيه عن مراكز الاقتراع في انتخابات المجالس المحلية الأحد، هو "نتاج رفض عامة التونسيين لفكرة البرلمان"، بينما أرجع مختص في علم الاجتماع ومسؤول في هيئة الانتخابات ذلك إلى عوامل اجتماعية ومناطقية.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت مساء الأحد عن نتائج انتخابات المجالس المحلية والتي بدت فيها نسبة الإقبال ضعيفة قريبة من نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية، مما دفع المعارضة إلى اعتبارها تعكس رفض التونسيين لمسار 25 يوليو في محاولة جديدة لضرب استقرار البلاد.
ووفق فيديو نشرته الرئاسة التونسية، خلال زيارة أجراها لمؤسسة الفولاذ في مدينة منزل بورقيبة بمحافظة بنزرت شمالي تونس قال سعيد إنّ "هذا الرفض كان بسبب البرلمانات التي كانت صورية قبل 2011، ثم البرلمانات التي كانت تتحكّم فيها المافيات بعد 2011".
وأضاف أنه "لا بد من وقت كي يستعيد التونسي ثقته في من يتولى أمره".
وتابع "أن تكون نتيجة الانتخابات حقيقية أفضل من 99 بالمئة مزيفة"، في إشارة للاستحقاقات الانتخابية التي أجريت قبل إجراءات 25 يوليو 2021 (تاريخ تجميد عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي ورفع الحصانة عن النوّاب).
وجرت الأحد أوّل انتخابات محلية بتاريخ تونس، تنافس فيها 7 آلاف و205 مرشحين من الأحزاب الداعمة للرئيس التونسي قيس سعيد والمستقلين، للفوز بألفين و155 مقعداً من أجل تشكيل 279 مجلساً محلياً.
وأعلنت هيئة الانتخابات في تونس، مساء الأحد، أنّ نسبة المشاركة في انتخابات المجالس المحلية بلغت 11.66 بالمئة من مجموع الناخبين، بعد انتهاء عملية التصويت وإغلاق مراكز الاقتراع.
وتعد هذه الانتخابات آخر حلقة في سلسلة تشكيل مؤسسات الحكم وفقاً لإجراءات سعيد الاستثنائية، بعد الاستفتاء على دستور جديد في 25 يوليو 2022، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر 2022.
وتشير تقارير إعلامية إلى وجود تفاوت في نسب التصويت بين المناطق الداخلية ذات الطابع الريفي والمناطق الحضرية على غرار العاصمة والمدن الكبرى، لاختلاف التطلعات والآمال.
وفسر أستاذ علم الاجتماع سامي بن نصر، هذا التفاوت في نسب الإقبال على التصويت بالاختلافات القديمة المتجددة بين الجهوي والمركزي ومدى تمّتع المواطنين بنسبة أمل في هذه الانتخابات ذات البعد المحّلي الجهوي اللصيق بمشاغل المواطنين.
وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية التونسية الثلاثاء "مواطنو الجهات يحدوهم الأمل في أن تتحّسن الأوضاع وأن يرد لهم الاعتبار أكثر من مواطني المركز".
وأوضح أن "لوسائل التواصل الاجتماعي دور في التأثير سلبا على الناخبين، فهي تصيب مستخدميها بمشاعر الإحباط واليأس القتامة، وهو ما يتعارض مع العالم الحقيقي الذي يحاول الناس دائما في ظله زيادة مشاعرهم الإيجابية إلى أقصى حد ممكن".
وتابع "ذلك يفسر العزوف عن المشاركة في الانتخابات كنتيجة حتمية لتأثير العالم الافتراضي".
وأضاف في هذا الخصوص "أن مضار وسائل التواصل الاجتماعي محدودة في الأرياف، وهو ما يفسر كذلك ارتفاع نسبة الأمل في التغيير وبالتالي الإقبال على الانتخابات".
وكشف بن نصر عن عوامل اجتماعية وراء العزوف عن المشاركة في الانتخابات خاصة من بين الشباب قائلا "الوضع الاجتماعي في البلاد أثر بدوره على نسبة الاقبال الضعيفة على الانتخابات".
وتابع "لو كان الوضع الاجتماعي في تونس اليوم سليما لكانت الانتخابات المحلية تسجل أرقام مشاركة قياسية، نظرا إلى أن التعامل المباشر مع الناخبين يعطي شعورا بالثقة والأمل فضلا عن أن المواطنين يراهنون على الأشخاص الذين يعرفونهم معرفة شخصية".
ولئن اعتبر بن نصر أن نسبة المشاركة العامة في الانتخابات بالضعيفة بالنظر إلى خصوصيتها، فإنه شدد على أن ضعف نسبة المشاركة ليس مقاطعة دعما للمعارضة بل العكس تماما قائلا "لو قامت المعارضة بحملات مكثفة وواسعة للدعوة لمقاطعة الانتخابات لربما كانت النتيجة عكسية وأقبل المواطنون على الانتخابات نكاية فيها بسبب تواصل رفضهم للمعارضة بوجوهها المعروفة".
ومن جانبه، فسر عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أيمن بوغطاس، في تصريح سابق لوكالة الانباء الرسمية التونسية بأن تسجيل الولايات الداخلية أو ذات الطابع الريفي لأعلى نسب إقبال على التصويت في انتخابات المجالس المحلية، بأنها "انتخابات تهتم أساسا بالتنمية"، وهي مسألة قال إنها تطغى دائما على اهتمام مواطني المناطق الداخلية الريفية.
وأضاف أن هذه انتخابات تنطلق من العمادات موضحا ان "العمادة تعد أصغر تقسيم جغرافي في البلاد في مناطق ربما يرى مواطنوها أنفسهم يعيشون في ظل النسيان مما يعني فرصة لهم ليكونوا ممثلين في مجالس محلية تهتم بالتنمية وتصبح أصواتهم مسموعة مقارنة بالمدن الكبرى والعاصمة أو المناطق الحضرية حيث تختلف نوعية المشاغل والاهتمامات".
وذكّر بأن أعلى نسبة مشاركة كانت في ولايات زغوان وسليانة والقصرين وسيدي بوزيد بنسبة تفوق 20 بالمائة، ملاحظا أن أقّل نسبة مشاركة سّجلتها ولايات تونس الكبرى رغم أّنها الخّزان الانتخابي الأكثر عددا.
وبّين أّن هذه الانتخابات تمتاز بخصوصية تمّيزها عن جميع المحطات الانتخابية الّسابقة سواء في الشكل أو في الجوهر،
ولاحظ أنها أول انتخابات محّلية في تونس وهي تعتمد على التصويت على الأفراد وليس على القائمات، وأغلب مترشحوها ينتمون إلى المجتمع المدني وليس وراءهم أحزاب أو تنظيمات كبرى تدعمهم، وما يحسب لهم أنهم لم يقعوا في مخالفات ترتقي إلى مستوى الجرائم.
والاثنين، شكك أحمد نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وهي المظلة السياسية لحركة النهضة الإسلامية، في نتائج انتخابات الأحد، معتبراً أن تدنّي نسبة المشاركة فيها دليل على رفض الشعب لمسار الرئيس قيس سعيد.
وقالت حركة النهضة الإسلامية في بيان "أثبتت النتائج الرسمية المعلنة أن نسبة المشاركة تقارب عُشر الناخبين، وأنّ تسعة أعشار الشعب التونسي كانوا مقاطعين أو لا مبالين، وهو ما صدّق توقّعاتنا بأنّ هذه الانتخابات لا تمثّل حدَثاً، وأنّ شعبنا لا يعقد عليها أملاً، وأنّه سيواجهها بالتجاهل واللامبالاة".
واعتبرت النهضة أن "النتائج المصرّح بها إثبات لعدم شرعية هذه المجالس وعدم تمثيلها إرادة الغالبية العظمى من الشعب التونسي، وفشل ذريع في تعبئة الرأي العام لصالح المشروع السياسي للسلطة".
كما اعتبرت أن" إعراض المواطنين عن الانتخابات ومقاطعتها بالنسبة العالية المعلنَة رفضاً للانخراط في المسار السياسي للسلطة الذي لم يعدْ يحظى بالتأييد حتى من قِبل جزءٍ ممّن كانوا محسوبين على الموالاة، ورفضاً من أبناء وبنات شعبنا للتورّط في شهادة زور، وإعطاء شرعية لمَن لا يستحقّها".