كيانات نقابية مستقلة تنشأ من رحم معاناة العمال في مصر

"اتحاد تضامن النقابات العمالية" يسعى إلى أن يكون أحد أركان القوى العمالية المؤثرة في الشكل الديمقراطي بالدولة.
السبت 2023/12/23
ظروف صعبة

القاهرة - تسبب تفاقم مشكلات العمال المصريين مع تزايد حدة الأزمات الاقتصادية والتوجه نحو تصفية الكثير من شركات الحكومة في إفراز حراك نقابي مستقل بدأت تظهر ملامحه أملا في استعادة زخم النشاط العمالي الذي تفاعل سابقا في خضم احتجاجات اجتماعية وسياسية قبل أن يتراجع في السنوات الماضية.

ودشنت نقابات مصرية مستقلة أخيرا ما يسمى بـ”اتحاد تضامن النقابات العمالية” بهدف مواجهة التحديات التي يتعرض لها الكثير من العاملين، وانضمت إلى الاتحاد نقابة عامة واحدة تتكون من 25 لجنة نقابية، فضلا عن 21 نقابة تشكل جميع قطاعات العمال وتحوي عمالة غير منتظمة في الحكومة والقطاع الخاص.

وأقدمت الحكومة المصرية في الفترة الماضية على تصفية عدد من المصانع والشركات، أبرزها شركة “الحديد والصلب” وشركة “النصر لصناعة الكوك والكيماويات”، ما فجر غضباً عماليًا سابقا، ولم يثن ذلك الحكومة عن المضي في خططها للتعامل مع الشركات الخاسرة من خلال التصفية أو البيع، ما أدى إلى طلب إعادة تنظيم صفوف العمال بغرض الحفاظ على حقوقهم.

ويريد الاتحاد الوليد أن يكون أحد أركان القوى العمالية المؤثرة في الشكل الديمقراطي بالدولة، ويتبنى مطالبها المتمثلة أساسا في حرية التنظيم والتعبير عن الرأي وفتح المجال العام للحوار وتأكيد سيادة القانون حفاظا على السلم المجتمعي.

زهدي الشامي: هناك حاجة إلى ظهير اجتماعي يدافع عن العمال
زهدي الشامي: هناك حاجة إلى ظهير اجتماعي يدافع عن العمال

ويعد وجود اتحاد يدافع عن قضايا العمال تطورا مهما في أبجديات الحركة العمالية بمصر، ويتوقف نجاحه على إتاحة المساحة أمامه للحركة والضغط نحو تحقيق حد أدنى من الحقوق لفئات معظمها يقبع تحت خط الفقر مع تراجع قيمة العملة المحلية، ويضع نصب عينيه القطاعات الأكثر تضرراً من الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وقال المنسق العام لدار الخدمات النقابية والعمالية (مستقلة) كمال عباس إن الأضرار الواقعة على العمال بحاجة إلى اتحاد مستقل يتحدث باسمهم عن المشكلات التي تواجههم، لأن “اتحاد نقابات عمال مصر” كيان حكومي يتحدث بلسان الجهات الرسمية في أغلب الأحيان، ويضبط بوصلته على رؤية النظام الحاكم في التعامل مع قضايا العمال.

وأشار عباس في تصريح لـ”العرب” إلى أن المكسب الذي حققه العمال بإصدار قانون النقابات العمالية وتعديلاته اللاحقة منح العمال حق إنشاء نقابات مستقلة، غير أنها واجهت تعنتاً من جانب وزارة القوى العاملة في تنفيذ القانون، ما جعل الكثير من النقابات غير قادرة على التواجد لعدم حصولها على موافقات من الجهة الحكومية المعنية، وهو ما دفع إلى التفكير في تجميع النقابات في اتحاد واحد يشكل أداة ضغط مهمة.

وأكد عباس، وهو من مؤسسي الاتحاد الجديد، أنه يطمح إلى أن يكون صوتاً للعمال ويعلي وجهة نظرهم لدعم حقوقهم في علاقات العمل والدفاع عمن يتعرضون للفصل التعسفي، والخطوة المقبلة السعي لتأكيد وجوده على الأرض من خلال تبني قضايا وهموم العمال.

ولا يحمل الاتحاد الجديد صفة قانونية ويحتاج أن تنضم إليه سبع نقابات عمالية عامة، بينما يضم حاليا نقابة واحدة، ويشكل ذلك عائقًا أمام القيام بأدواره إذا لم يحظ برضاء حكومي للدفاع عن حقوق العمال.

ويرى متابعون أن الالتفاف حول كيان قوي يشي بوجود ظهير يضم تكتلا من اللجان النقابية العمالية قد يدفع نحو تصعيد شكاوى العمال واتخاذ مواقف جماعية قوية.

ويصطدم الاتحاد الجديد بتوجهات الحكومة الساعية لتهدئة الأوضاع في سوق العمل بوجه عام ضمن خططها لطرح شركات وهيئات حكومية للبيع قريبا، ما يثير تساؤلات حول حجم الدور الذي يمكن أن يقوم به الاتحاد في مواجهة رجال الأعمال وأصحاب الشركات الذين يواجهون أصلا مشكلات في توفير العملات الصعبة ويتأثرون بالحالة الاقتصادية غير المستقرة ويدفعون نحو تخفيض العمالة بشكل مستمر.

الاتحاد الجديد لا يحمل صفة قانونية ويحتاج أن تنضم إليه سبع نقابات عمالية عامة، بينما يضم حاليا نقابة واحدة

وشدد كمال عباس في حديثه لـ”العرب” على أن الاتحاد ظهر في فترة مهمة يحتاج فيها العمال إلى الدعم مع تراجع الآمان الوظيفي وتوالي المشكلات التي يتعرض لها العمال، في ظل تقديرات تتحدث عن وجود أكثر من 29 مليون عامل في قطاعات مختلفة، و40 في المئة من العمالة في القطاع غير الرسمي الذي به عدد كبير في التحالف الوليد.

وتشير إحصاءات اتحاد النقابات العمالية الحكومي إلى أنه يضم فقط 3.5 مليون عامل من العمالة المصرية، لأن عضوية النقابات العمالية اختيارية وفقاً لقانونها، أصبحت غير إجبارية منذ صدور القانون 1 لسنة 1981، بموجب المادة رقم 3 التي تنص على أنه “للعامل حرية الانضمام إلى المنظمة النقابية أو الانسحاب منها”.

ويؤكد تقرير لدار الخدمات العمالية عن أوضاع العمال في العام الماضي أنهم واجهوا “تعسفا”من أصحاب العمل الذين يضربون عرض الحائط بمعايير العمل الأساسية وقانون العمل المصري ذاته، “وتتراخى الأجهزة الحكومية وربما تتواطأ على مخالفة القانون وإهدار حقوق العمال”.

وذكر زهدي الشامي نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (معارض) أن تباطؤ الإصلاح السياسي جعل الحراك العمالي يواجه صعوبات عدة، لكن هناك إشارات إيجابية عقب الانتخابات الرئاسية (فاز بها الرئيس عبدالفتاح السيسي) بشأن التوجه نحو إحراز المزيد من التقدم في مجال الحقوق والحريات قد يوجد فرصة للتعبير عن أوجاع العمال، لافتاً إلى أن النقابات العمالية في الكثير من دول العالم تتصدر نشاط منظمات المجتمع المدني في ظل تراجع أدوار الأحزاب بشكل عام.

وشدد الشامي في تصريح لـ”العرب” على ضرورة وجود ظهير اجتماعي يدافع عن العمال لا يتبع أي جهة حكومية، حيث أن هناك حالة من عدم الرضا بين قطاعات العمل مع احتكار اتحاد عمال مصر للتحدث باسمهم، ويعتبرون أن تواجد هيئة تتبع الحكومة للدفاع عنهم أمر لا يتفق مع القواعد الدستورية الصحيحة، خاصة مع الشكاوى العديدة التي تشكك في نزاهة انتخابات هذا الاتحاد.

وحقق انضمام الملايين من العمال إلى كيانات تدافع عن حقوقهم نتائج جيدة من قبل في مصر؛ فقد نجح المناضل العمالي الراحل البدري فرغلي، الذي أسس اتحاد أصحاب المعاشات، في تحقيق مكاسب عديدة بفعل الحراك المنظم الذي قاده منذ سنوات وتسلح فيه بعوامل قانونية جعلته أحد أبرز أوجه تفعيل نشاط العمال المجتمعي.

2