قرار تعيين نائب للرئيس المصري يلوح في الأفق

قوى قلقة بشأن تسليم السلطة بعد السيسي تطالب بتعيين نائب مدني.
الجمعة 2023/12/22
المصريون لا يعرفون أحدا غير السيسي

القاهرة – عاد الحديث عن تعيين نائب لرئيس الجمهورية في مصر، عقب فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بفترة رئاسية ثالثة قبل أيام، تنتهي بعد ست سنوات. واستدعت عدةُ دوائر سياسية نصا دستوريا تمت إضافته منذ أربعة أعوام ضمن تعديلات منحت رئيس الدولة الحق في تعيين نائب له أو أكثر.

وناقشت وسائل إعلام محلية القضية في الأيام الماضية، وبدت كأنها تمهد لهذه الخطوة التي حظيت بتأييد واسع من قِبَل دوائر قريبة من الحكومة، ما يشي بإمكانية تجهيز المسرح السياسي لها قريبا، وسط غموض بشأن ما إذا كانت تمهد لتسليم سلس للسلطة مستقبلا أم تأتي ضمن خطوات تستهدف تجهيز كوادر سياسية لا تخلو أحيانا من جوانب دعائية.

وتوقع النائب البرلماني مصطفى بكري (قريب من الحكومة) في فيديو بثه على فيسبوك أن يختار الرئيس السيسي نائبًا له أو أكثر في الفترة المقبلة، وذهب باسل عادل رئيس كتلة الحوار إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث طالب بإدخال تعديل دستوري يلزم الرئيس الحالي بتعيين نائب لخلق جيل قادر على التمرس بإدارة الدولة.

إيهاب الخراط: هواجس البعض لها ما يبررها بحكم التجارب التاريخية
إيهاب الخراط: هواجس البعض لها ما يبررها بحكم التجارب التاريخية

وتنص المادة 150 من الدستور على أنه “لرئيس الجمهورية أن يعين نائبًا له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، وله أن يفوضهم فى بعض اختصاصاته، وأن يعفيهم من مناصبهم، وأن يقبل استقالاتهم، ويؤدي نواب رئيس الجمهورية قبل تولي مهام مناصبهم اليمين أمام رئيس الجمهورية”.

وقد يكون تفعيل النص الدستوري عملية إيجابية إذا كان الهدف إتاحة الفرصة أمام كوادر سياسية لتتواجد في منصب قريب من الرئيس، ويدعم ذلك مسألة الانتقال الناعم للسلطة بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي، مع أهمية توفير البيئة التي تجعل هناك نائبا تتوافر فيه شروط من بينها القدرة على الاضطلاع بمهام معينة يتم إسنادها له بعيدًا عن وضع غالبية السلطات التنفيذية بيد رأس الدولة وحده.

ويعد الإقدام على هذه الخطوة تحركا جيدا من جهة المخاوف السياسية التي تظهر بين الحين والآخر حول مستقبل الحكم في مصر، ويخشى البعض إمكانية أن توجد صعوبات في عملية الانتقال مستقبلا.

وتعول القوى السياسية التي تدعم هذا المقترح على الالتزام بنصوص الدستور التي حددت فترتين لرئيس الدولة وضرورة إيجاد مسارات لنقلها دون حدوث اختلال يؤثر على تماسك الدولة مع تزايد التحديات الداخلية والخارجية.

وقالت القيادية في حزب التجمع أمينة النقاش إن الدستور لم يلزم الرئيس باتخاذ هذه الخطوة التي حظيت بقدر واسع من النقاش خلال فترة الرئيس الراحل حسني مبارك (لم يعين نائبا له على مدار ثلاثين سنة قضّاها في السلطة)، وكان يرى أن تجربته تشير إلى أن هذا المنصب يدفع إلى تكوين جماعات ضغط أو “شلل” داخل مؤسسة الرئاسة، ويولّد لدى دوائر قريبة من السلطة الاقتناع بأن نائب الرئيس هو رئيس المستقبل.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “الواقع السياسي الحالي يفرز الحاجة إلى وجود نائب للرئيس، لأن الولاية الثالثة هي الأخيرة للسيسي، وهناك ضرورة لتمهيد يساعد على تسليم السلطة بسهولة وسد الباب أمام حدوث صراع حول هذا الموقع الحساس”، مضيفة أن “أحد أبرز سبل ضبط الدول المركزية هو تجهيز البديل خلال الفترة المقبلة”.

وأشارت النقاش إلى أن الوضع الآن يختلف عما كان عليه أثناء فترة مبارك الذي كان لديه ظهير حزبي محدد (الحزب الوطني الديمقراطي) وكان الوضع يسير في شكل ترتيبات منحازة إلى إعداد قيادات لجنة السياسات التي ترأّسها ابنه جمال مبارك.

تنشيط الحياة الحزبية ورفع القيود المفروضة عليها
تنشيط الحياة الحزبية ورفع القيود المفروضة عليها 

وذكرت لـ”العرب” أنه لا يوجد الآن حزب للرئيس ويصعب القول إن هناك “شلة” أو مجموعة ضغط تحيط بالرئيس، وعندما يختار السيسي نائبا له فذلك يعني أنه يختار بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية المؤثرة في حكم البلاد منذ أكثر من سبعين عاما.

ودعم نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط فكرة تعيين نائب للرئيس الآن، واعتبرها أداة لطمأنة السياسيين والمواطنين المنشغلين بتسليم السلطة في المستقبل، وإرسال إشارات مفادها أن هناك حالة مؤسساتية تتم في إطارها عملية الانتقال السلس، وأن الحكم كله لا يعتمد على فرد واحد.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “هواجس البعض لها ما يبررها بحكم التجارب التاريخية، وحال اتخذ الرئيس السيسي قرارا يقضي بتعيين نائب ليست له خلفية عسكرية فهذا يشكل مكسبا مهما لقوى مدنية بحاجة إلى المزيد من الدعم والتدريب لشغل هذا المنصب المهم، وفي هذه الحالة يمكن القول إن القرار يدعم الانتقال المدني، لأن النائب سوف تكون لديه فرصة مهمة حال ترشح في الانتخابات المقبلة”.

من الضروري أن يتمتع النائب الذي يقع عليه الاختيار بالكفاءة والمهارة والحنكة، مع ضرورة البحث عن كوادر شابة وتدريبها لتتواجد في هذا المنصب

ويقول متابعون إن تعيين نائب للرئيس لا بد أن يقترن بدعم الحياة الحزبية وتنشيطها ورفع القيود المفروضة عليها لتكون هناك منافسة قوية في الانتخابات المقبلة، وحتى لا يتحول الأمر إلى تسكين للمنصب بلا عملية ديمقراطية.

ويشير المتابعون إلى أهمية أن يتمتع النائب الذي يقع عليه الاختيار بالكفاءة والمهارة والحنكة، مع ضرورة البحث عن كوادر شابة وتدريبها لتتواجد في هذا المنصب.

ووافق الرئيس الراحل حسني مبارك، تحت ضغط احتجاجات شعبية بمصر اندلعت في الخامس والعشرين من يناير 2011، على تعيين رئيس جهاز الاستخبارات في ذلك الوقت اللواء عمر سليمان نائبا له عقب ثلاثة أيام فقط من المظاهرات بعد أن ظل كرسي نائب الرئيس شاغرا بسبب إصراره على إبقاء هذا المنصب على هذه الحالة، في إشارة فُهم منها آنذاك أنه الرئيس المنتظر، إلا أن التطورات مضت في طريق آخر، وأسقطت ثورة يناير كل رموز نظام مبارك، ومهدت الطريق لانتخابات تعددية.

وكان أول نص دستوري صريح ورد بهذا الشأن في الدستور المؤقت عام 1958 خلال عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وشهدت مؤسسة الرئاسة تعيين عدد من نواب الرئيس، حيث قرر عبدالناصر في السابع من مارس عام 1958 تعيين نائبين هما وزير الدفاع عبدالحكيم عامر وعضو مجلس قيادة الثورة عبداللطيف البغدادي الذي تم تعيينه نائبا لشؤون الإنتاج، وجاء في المنصب ذاته خمسة من النواب الآخرين، من بينهم محمد أنور السادات الذي خلف عبدالناصر في الحكم.

وقَصَر الرئيس السادات هذا المنصب على نائبين، هما محمد فوزي الذي ظل فيه مدة عامين ونصف العام فقط، وفي أبريل 1975 تم اختيار مبارك نائبًا له، وتقلد السلطة عقب اغتيال السادات في أكتوبر 1981.

1