انتخابات 18 ديسمبر في العراق.. ديجا فو مالكية وكونغ فو صدرية

الإطار التنسيقي يسعى لأن تلبس نتائج الانتخابات بنطال شارلستون ضيّقا شيعيا من الأعلى ومفتوحا دوليا من الأسفل.
الجمعة 2023/12/22
معركة كسر عظام

يسعى الإطار التنسيقي أن تلبس نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي عقدت في 18 ديسمبر بنطال شارلستون ضيَّقا شيعياً من الأعلى ومفتوحا دوليا من الأسفل. داخلياً أو ضمن ما يُعرف بـ"تحالف إدارة الدولة" نجح التنسيقي في تشذيب سَالِفيْ السُّنة والكُرد.

الرئيس النيابي السابق محمد الحلبوسي نُزِعت فروة شعار "الأمة" من رأسه السياسي، لتبدأ بذلك رحلة مراسيم تخفيضه من زعيمٍ سياسي إلى فردٍ في قبيلة "بيزنس مان". هذه القبيلة تبحث عن كلأ المشاريع وماء الصفقات في بلد الفساد المؤكسد بدجاجلة الدين والدنيا.

أحدُ أبرز المدافع البشرية للتيار الصدري على الفضائيات والسوشيال يوم الـ13 من ديسمبر نوَّه عن سعي الإطار التنسيقي بشكلٍ عام لتفريخ كائنات "البسبس" من مفاقس الانتخابات الديسمبرية، بديلا عن صوصٍ سياسي سُّني قد لا تتوفر في المستقبل سكاكين سياسية لذبحه على القبلة المذهبية.

نستطيع أن نقول إن ذلك ينطبق نوعاً ما على الشيعة أيضاً. ثورة تشرين 2019 هُرِست وفُتِّتت ليطبخ معظمها في تحالف سياسي أسمي بـ"الأساس". هذا التحالف الذي يعتبر الرئيس النيابي المؤقت محسن المندلاوي أحد أعمدته، يرجع نسبهُ السياسي إلى زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي رغم آبائه المتعددين إعلامياً.

◙ المالكي المولع بتقليد كُل شيء ناجح حتّى الألوان استعار اللون البرتقالي لحزب "تقدم" كلونٍ أساس لواجهتهِ المدنية أو بالأحرى كشاهدة فخمة على مقبرة تشرين

المالكي المولع بتقليد كُل شيء ناجح حتّى الألوان، استعار اللون البرتقالي لحزب "تقدم" كلونٍ أساس لواجهتهِ المدنية، أو بالأحرى كشاهدة فخمة على مقبرة تشرين. كُل ما يحدث الآن ديجا فو.. أي حياة عشناها سابقاً. هذه الحياة عاشها العراقيون في "حقبة المالكي الثمانية" على حدِّ تعبيرٍ للأكاديمي العراقي حيدر سعيد من 2006 - 2014.

المُختلف هو التقديم والتأخير، شاشة العرض، ونوعية المحروقات. الرئيس الحلبوسي طار بعد تنشيط اتفاقية الإطار الإستراتيجي مع واشنطن في فبراير الماضي، وتحالف عسكري وثيق معها في أغسطس 2023. وليس كما حلَّق نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي مبكراً، بعد رحيل القسم الأكبر من القوات الأميركية سنة 2011، مشفوعة بجولة تراخيص نفطية متواضعة الأثر بحسابات اليوم السياسية. أمّا نوعية المحروقات التي يحتاجها الإطار التنسيقي – المالكي الأداء – فهي زبيبة المدنية على جبهته الدولية.

رئيس الحكومة محمد شياع السوداني هو شاشة العرض التي تضمن عدم تركيزنا على الشارلستون. لكن الأيام الأخيرة شهدت إعلان الرئيس الشاشة عمّا يشبه "عصرونيات" انتخابية - طعام يؤكل ساعات العصر قبل وجبة العشاء غالباً ما يكون جُبناً وكعكاً بمعونةِ أقداحٍ عدَّة من الشاي منها قِدَم عسكري للضباط و المراتب، اعتبار من يستهدفون السفارة الأميركية إرهابيين - لخفض ضغط الصدريين الداعي إلى مقاطعة انتخابات 18 ديسمبر - وأمور أخرى تتعلق بمعاشات المتقاعدين ورواتب العاملين في مؤسسات الدولة العراقية. هكذا نجح الرئيس السوداني بأن يُجمِّد الوقت في سويعات العصر الديسمبرية.

الحِوار الشيعي مع الكُرد يُجرى إعادة ضبط المصنع لمصطلحاته برضى دولي مشروط على بغداد ومُقنّن على أربيل. طبعاً، الحزب الديمقراطي الكردستاني "البارتي" يُصر على اللثغة الأميركية في حِواره العابر للحدود مع بغداد. سلاح أربيل للنصر في معركتها ضد العاصمة هو أُذناها الأميركيتان. حتّى مسألة رواتب العراقيين الأكراد في أربيل لا تعدو كونها عِنَباً يعصرُه "البارتي"، ليخمِّره فوزاً انتخابياً ساحِقاً في انتخابات الإقليم المزمع إجراؤها في 2024.

أمّا شريكهُ المزمن في إدارة الإقليم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني "اليكتي" فهو الآخر يقوم بضبط مصنعه السياسي بروح القمصان السوداء لرئيسه الشاب بافل، ابن الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني. لا أحد سوى بغداد قادرة على منع وفاته السياسية وإيقاف إعلان وراثة “اليكتي” من بعضٍ في رفقة أبيه القديمة كالرئيس العراقي السابق برهم صالح، الممتلئ وجههُ السياسي بتجاعيد طالباني والخالي رأسهُ الحزبي من أيّ شعر أيديولوجي. مذكرات الرئيس الراحل سجَّلت صالح كوريثٍ بارز وإن كان قد أتى في الترتيب بعد نوشيروان مصطفى زعيم حركة التغيير "كوران".

زعيم "البارتي" مسعود بارزاني لن يتفق مع بغداد أبداً فهو يؤمِن بأن "النبلاء فقط من يستطيعون حكم الدول". بحسب ما نقله عنه الصحافي التركي جنكيز تشاندار. ابنهُ و رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني دعا القناصل وسفراء العراق في الأيام الماضية كي يعينوه على بغداد. العراق حالياً وباختصار يشبهُ مصفى بيجي كُلُّه براغ وسياسيوه مِفكات.

تبقى لنا أن نرسم لوحة بالألوان الزيتية عن "الإطار التنسيقي" المالكي الأداء و التيار الصدري على قِماشة انتخابات 18 ديسمبر.

أبرز حركة سياسية للتيار الصدري كانت بانسحاب نوَّابه الثلاث والسبعين. نستطيعُ نسب هذه الحركة إلى الفن القتالي الكونغ فو الذي يعني الوقت والجهد. مع الأسف فإنَّ هذه الحركة كانت جهداً عائماً لأنها افتقدت حساب الوقت اللازم كي تنجح.. أي هل كان من المفترض أن تستمر لانتخابات 18 ديسمبر أم إلى حين الانتخابات النيابية؟ أكان داخلاً في حساباتها أن ترضى بخسارة مناصب المدراء العامين والمحافظين التابعين للتيار والتي ستتسع بعد الانتخابات؟

◙ زعيم "البارتي" مسعود بارزاني لن يتفق مع بغداد أبداً فهو يؤمِن بأن "النبلاء فقط من يستطيعون حكم الدول". بحسب ما نقله عنه الصحافي التركي جنكيز تشاندار

الانتخابات النيابية والتي بات من شبه المؤكد أنها لن تجرى إلا بعد انتهاء ولاية الرئاسة الحكومية للسوداني؛ ستدفعُ المالكي إلى القيام بصولة فرسان جديدة مع التيار الصدري في مؤسسات الدولة، وليس مع ميليشيا التيار التي كانت تُعرف بـ”جيش المهدي” كما حدث في 2008. الفرق الوحيد هو معرفة إن كان ذلك سيجري ببطء أم بسرعة.

الجنرال الأميركي أوديرنو لن يكون موجوداً ليحقق حسماً سريعاً لصالح "الإطار التنسيقي" كما جرى ذلك لحساب المالكي قبل عقدٍ ونصف العقد من الزمن فالجميع حريص على ألاّ يشوِّه زبيبته المدنية أمام العالم. سلوك الصدريين في معقلِهم الانتخابي الأبرز "مدينة الصدر" في التعاطي مع عصائب أهل الحق التي تمتلك ما يشبهُ جُزُراً منعزلة فيها، سيكون مؤشِّراً على “العصرونيات” التي يُحضِّرها التنسيقي للتيار. أداء العصائب الانتخابي في هذه المدينة سيكتفي بنغز الخاصرة الصدرية بسرعة كي يعلم إن كان المالكي سيكتفي بمشاهدة ضرب الرأسين لبعضهما، وحضوره فيما بعد جنازة الصلح.. أي تقليم أظافر حظوظهما النيابية أم..

بُندقية المال السياسي التي يجيد المالكي استخدامها ستملأ الفضاء الصدري من أجل إصابة تماسكه الحزبي. هذه اللعبة مريحة للمالكي، إلا إن عاد الحاضر الغائب رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي لضمان عدم إفراغ خزائن الرصيد الدولي المتواضع للصدريين، في معركة الاستنزاف السياسية القادمة. أمّا موقف بعض الشخصيات مثل رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي و رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم سيكون وسطاً.. أي لا غالب ولا مغلوب.

آخرُ ضربة فُرشاة تتعلَّق بالرئيس النيابي البديل عن الحلبوسي أنهُ سيكون قاطع تذاكر نفوذ سياسي أو ربّما رئيس وزراء تحت قيادة رئيس جمهورية شيعي ورئيس برلمان كردي، لتنفيذ نُسخة مُحدَّثة من قانون السلامة الوطني الذي كان يريد المالكي تطبيقه بسبب طوارئ داعش سنة 2014.. والله وخضر الصفقات السُّنية غالب الشابندر أعلم.

6