الحكومة الأردنية أمام حتمية اعتماد نظام ضريبي أكثر شمولية

تتصاعد التحذيرات من أن الأردن قد يتعرض لضغوط مالية أكبر بسبب عدم اتخاذ خطوات عملية لمراجعة نظام الضرائب حتى يكون أكثر شمولية وكفاءة بما يعزز مبادئ العدالة ونمو الإيرادات وتنويع المصادر الجبائية، رغم ثقة المانحين في برنامج الإصلاح.
عمّان – تواجه الحكومة الأردنية تحديات كبيرة في طريق تحسين وتطوير النظام الضريبي ليكون متنوع المصادر وداعما لنمو الموارد بشكل مستدام مع تحقيق مبدأ العدالة حتى يتماشى مع برامج الإصلاح الاقتصادي.
وحث منتدى الإستراتيجيات الأردني السلطات على الإسراع في ترقية النظام حتى تجعله أكثر شمولية لتعزيز الملاءة المالية بما يتيح لها إدارة التزاماتها بشكل أفضل في السنوات المقبلة.
وفي سياق رؤية التحديث الاقتصادي، يسعى الأردن إلى توفير مليون فرصة عمل جديدة، وتحقيق الزيادة في دخل الفرد الحقيقي بنسبة 3 في المئة، واستقطاب استثمارات تقدر بنحو 41 مليار دينار (58.2 مليار دولار)، 72 في المئة منها من القطاع الخاص.
وقال المنتدى في تقريره السنوي الذي أوردته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إن الضرورة تقتضي “تبني نظام ضريبي معاصر قائم على العدالة والتصاعدية الكافية وتنوع المصادر”، ويجب أن يزود الحكومة بموارد مالية “كافية ومتنوعة”.
وشدد على ضرورة العمل على زيادة نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتخفيض نسبة ضريبة المبيعات المرتفعة نسبيا إلى إجمالي الإيرادات الضريبية.
وبالإضافة إلى ذلك، أوصى معدو التقرير بتحسين “تحصيل الضرائب” من فئة الأفراد المستثمرين لتوسيع القاعدة الضريبية، وتحصيل المزيد من الإيرادات، مع ضرورة الاستمرار في العمل على رفع كفاءة إدارة النفقات الضريبية، وتخفيضها أينما أمكن.
عوائد ضريبية متوقعة في 2024
- 461 مليون دولار إيرادات ضريبية على الدخل
- 405 ملايين دولار إيرادات ضريبية من المبيعات
وتقول المنظمات والجهات الدولية المانحة إنه يمكن لوضع نظام ضريبي عادل وتصاعدي تدعمه إرادة سياسية وقدرات مؤسسية قوية أن يؤدي إلى جمع الإيرادات اللازمة لمكافحة الفقر من دون فرض أعباء مالية إضافية.
ويرى صندوق النقد الدولي أن الأردن حقق معظم الأهداف المالية والنقدية منذ برنامجه السابق الذي بدأ في مارس 2020، وسد ثغرات في التهرب الضريبي ووسع القاعدة الضريبية وحافظ على بقاء احتياطي ملائم من العملة الأجنبية بلغ 18 مليار دولار.
وعزز الصندوق ثقته بالاقتصاد الأردني نتيجة إصلاحات الحكومة رغم التحديات، التي لا تزال قائمة لتعديل أوتار التوازنات المالية على النحو الذي لا يؤثر على معيشة الناس بعدما عانى البلد من الصدمات الخارجية منذ تفشي الوباء في 2020.
واتفق الشهر الماضي الجانبان على برنامج إصلاح جديد حجمه 1.2 مليار دولار على أربع سنوات، وهو ما من شأنه أن يبعث رسالة ثقة للمستثمرين ويساعد في حماية الاقتصاد من التأثير السلبي للصراع الإقليمي.
وتجادل الحكومة بأن الإصلاحات ستخفض التفاوتات الاجتماعية من خلال زيادة الضريبة على أصحاب المداخيل المرتفعة، بينما لن تمس إلى حد كبير موظفي القطاع العام من ذوي الدخل المنخفض.
وقال وزير المالية محمد العسعس في جلسة أمام نواب البرلمان الأربعاء الماضي إن ميزانية البلاد لعام 2024 “تتوقع ارتفاع إيرادات الضريبة على الدخل بواقع 325 مليون دينار (461 مليون دولار)”.
وتوقع أيضا ارتفاع إيرادات ضريبة للمبيعات في العام المقبل بنحو 286 مليون دينار (405 ملايين دولار) أو ما نسبته 6.4 في المئة على أساس سنوي.
وأشار العسعس إلى تفعيل الحكومة إجراءات توسيع القاعدة الضريبة وترشيد الإعفاءات وذلك مقابل تعزيز الحوافز والمزايا وتوفير البيئة الجاذبة للمستثمرين.
وترجح الميزانية الجديدة جني إيرادات بواقع 13.6 مليار دولار وهي زيادة بمقدار تسعة في المئة بمقارنة سنوية مع منح أجنبية قيمتها 724 مليون دولار، في تراجع طفيف عن 752 مليونا هذا العام.
وبالنسبة للنفقات فتقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار، بما يعني تسجيل الميزانية الجديدة عجزا بحوالي 1.42 مليار دولار، وبالتالي يحتاج الأردن الذي يعد من أكثر الدول العربية اعتمادا على المساعدات الخارجية إلى تأمين الفرق عبر الاقتراض.
وأقرت الحكومة ميزانية عام 2023 متوقعة أن يبلغ العجز بعد المنح الخارجية 2.5 مليار دولار، وأن يبلغ التضخم 3.8 في المئة، وبمعدل نمو حقيقي يبلغ 2.7 في المئة.
وجاء إقرار الميزانية الحالية مع تفجر الاحتجاجات نهاية العام الماضي للمطالبة بتقليص الضرائب وتحسين المستوى المعيشي.
ويعاني الاقتصاد من تضخم في الأسعار حاولت الحكومة امتصاصه من خلال رفع أسعار الفوائد على القروض، ما أصاب قطاعات تجارية بحالة ركود.
وكانت الحكومة قد واجهت انتقادات حادة بسبب ارتفاع الأسعار وإخفاق السياسات الاقتصادية، وتطورت إلى احتجاجات في العديد من المحافظات للمطالبة بتخفيض أسعار المشتقات النفطية.
وشهد الأردن على إثرها إضراب الشاحنات ووسائل النقل العام عن العمل لارتفاع الكلف التشغيلية، وكاد يخرج عن الطابع السلمي.
وأكد المنتدى أن ارتفاع الإنفاق يعد من أبرز المشاكل في الميزانية. وقال إن “إجمالي الإنفاق العام شهد ارتفاعا بزيادات سنوية وصلت إلى 8.3 في المئة في عام 2023. ومن المتوقع أن تكون نسب هذه الزيادات 9.1 في المئة في 2024 و3.4 في المئة خلال العام التالي”.
وشدد في ورقته على أهمية رسم خارطة طريق لتطوير السياسة المالية العامة التي تتبنى الخصائص الحقيقية للميزانيات الجيدة، والتي تستند إلى التخطيط طويل الأمد لآثار السياسة المالية التي ينعكس أثرها على تعزيز النمو وتحقيق التنمية على المدى الطويل.
وأشار المنتدى إلى ثلاث خصائص يجب أن تتميز بها الميزانية أو السياسة المالية الجيدة، وهي قدرتها على تحفيز النشاط الاقتصادي الذي يعزز من النمو الاقتصادي الحقيقي ويحد من الفقر وعدم المساواة في الدخل والفرص.
أما العامل الثاني فيتعلق بالقدرة على تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي بالحفاظ على معدلات نمو اقتصادي مستقرة ومعدلات تضخم متدنية ومسارات مستدامة لمستويات العجز المالي والدين كي لا يصبح الدين العام مصدرا رئيسيا لعدم الاستقرار الاقتصادي.
وتتعلق الميزة الثالثة بالقدرة على تحسين كفاءة تخصيص وإنفاق الموارد بشكل كاف وفعال لتوفير السلع الأساسية وتقديم الخدمات العامة.
وأكدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في نوفمبر الماضي أن النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني للأردن مستقرة، وهو ما قال عنه العسعس إنه “شهادة على قوة المملكة على الرغم من انعدام الاستقرار في المنطقة”.