الراديو نافذة أهل غزة على العالم الخارجي في غياب الإنترنت والكهرباء

لم يعد أمام سكان غزة سوى محطات الإذاعة لمعرفة الأخبار وما يدور حولهم في ظل انقطاع الإنترنت وغياب الكهرباء، ومتابعة كل ما تلتقطه أجهزتهم حتى من الجانب الإسرائيلي لمعرفة جانبهم من القصة.
غزة - الراديو في غزة مثل مختلف مناطق العالم أحد مصادر المعلومات في ظل الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون من أحداث ميدانية متتابعة ومتتالية، لكنه تحول أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة إلى المصدر الأول للمعلومات والأخبار بغياب الكهرباء والإنترنت والاتصالات.
ويقول محمود الداوودي إنه ما كان يتصور أن ينفد مخزونه من أجهزة الراديو بالكامل منذ بدء الحرب قبل أكثر من شهرين، مع إقبال متجدد ومكثف عليها في قطاع غزة، وذلك في ظل انقطاعات الكهرباء المألوفة أساسا في يوميات سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة، لكنها استحالت انقطاعا تاما منذ فرضت إسرائيل حصارا مطبقا على القطاع مع بدء الحرب في أكتوبر الماضي، مانعة خصوصا دخول الوقود إليه.
ويحول ذلك دون إمكان تشغيل أجهزة التلفزيون والكمبيوترات أو شحن الهواتف النقالة وتصفح الإنترنت للحصول على معلومات إلا في حال وجود ألواح للطاقة الشمسية أو مولدات كهرباء وهو ترف لا يملكه أغلب السكان في القطاع الخاضع لقصف إسرائيلي كثيف ومتواصل. فبات جهاز الراديو الذي يعمل بالبطاريات الوسيلة الوحيدة لمتابعة الأخبار.
الكثير من سكان غزة اختاروا شراء هواتف قديمة تملك خاصية الراديو والإنارة لاستخدامها في الإضاءة وسماع الأخبار
وتتعاظم أهمية أجهزة الراديو خلال الحروب في كل زمان ومكان وتستغلها الجيوش لإيصال الرسائل في الوقت المطلوب وهو ما كان في أحيان كثيرة سببا في ترجيح كفة طرف على حساب آخر، لكن الراديو بالنسبة إلى الجمهور هو وسيلة تواصل مع العالم الخارجي كما هو الحال في غزة اليوم.
ويعد البث الإذاعي من أكثر وسائل الاتصال التي يسهل الوصول إليها والتي تتمتع بالشمولية لنشر المعلومات. وتسمح الأجهزة اللاسلكية منخفضة الكلفة، جنباً إلى جنب مع التغطية الواسعة للإشارات الراديوية، بالوصول إلى السكان.
ويملك الداوودي البالغ 33 عاما محلا لبيع الهواتف النقالة والإلكترونيات في رفح جنوب القطاع. ويؤكد أنه “منذ الأسبوع الأول من بداية الحرب نفدت لدينا كل أجهزة الراديو في فروعنا الثلاثة، وفي المخازن كانت لدينا كمية كبيرة نفدت جميعها”.
ويشير إلى أن “الراديو هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأخبار وما يدور حولنا في ظل انقطاع الإنترنت والاتصالات، كما أنه خيار مثالي بالنسبة إلى الناس في ظل أزمة الكهرباء”، موضحا أن “البطاريات تدوم مدة طويلة”. وأضاف أن سعر جهاز الراديو كان 25 شيكلا (6.8 دولار) قبل الحرب، وأصبح حاليا مع زيادة الطلب عليه 60 شيكلا (16.4 دولار).
وبعد أكثر من شهرين من انطلاق عمليات القصف والاشتباكات العنيفة نزح أغلب سكان القطاع وهم يعانون من نقص كبير جدا في المواد الغذائية والمياه والأدوية والوقود.
ويقول الداوودي “حتى الأجهزة التي تم إرجاعها بسبب وجود عطل فيها بيعت ونفدت، حتى الهواتف النقالة لدينا (نفدت)”، موضحا أن الكثيرين اختاروا شراء هواتف قديمة تملك خاصية الراديو والإنارة لاستخدامها في إضاءة الخيام وسماع الأخبار.
1.9
مليون من سكان غزة نزحوا بسبب الحرب، نصفهم من الأطفال، وفق إحصائيات الأمم المتحدة
ويرى حسين أبوهاشم الذي يعمل في متجر آخر أن “أجهزة الراديو كانت تملأ السوق، ولكن منذ بدء الحرب لم يعد هناك شيء”، مشيرا إلى ارتفاع أسعار هذه الأجهزة من كثرة الطلب عليها.
ويضيف “الناس يريدون معرفة الأخبار ومكان القصف والاطمئنان على أهاليهم. ولا توجد شبكة إنترنت ولا اتصال ولا كهرباء. أجهزة الراديو أغلبها تعمل بالبطاريات، وبعضها يعمل بالطاقة الشمسية”، ولفت إلى أنها بيعت كلها.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 1.9 مليون من سكان غزة (من مجموع 2.4 مليون نسمة) نزحوا بسبب الحرب، نصفهم من الأطفال. وأطلق عدد من القنوات، من بينها الجزيرة القطرية وبي.بي.سي العربية، بثا مخصصا لسكان قطاع غزة من أجل معرفة آخر التطورات.
ويقول أحمد البواب (35 عاما)، الذي نزح من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة إلى خيمة في رفح، “نتابع الأخبار عبر الراديو، لا توجد خيارات أخرى”. ويضيف “كنت أتابع إذاعات محلية كالأقصى والقدس لكنها توقفت، أتابع الجزيرة والعربية وأي إذاعة صوتها واضح، جميع المحطات تتكلم عن غزة”.
من جهتها تؤكد أم إبراهيم، التي نزحت من خان يونس، أنها تسمع الأخبار يوميا “لأعرف ماذا يحدث حولنا. أين القصف والبيوت المستهدفة ومن تم هدم بيته ومن بقي وأسماء الشهداء”، موضحة “نتلهف على أي خبر من غزة أو من منطقتنا أو من أي مكان في القطاع”.
وتقول “أتجول بين الخيام لأسمع الأخبار عبر أجهزة الراديو الأخرى حين تنفد البطارية من الراديو والهاتف النقال” الخاصيْن بها. أما محمد حسونة (75 عاما) الذي نزح من مدينة غزة إلى رفح فيتابع الإذاعات الإسرائيلية لكونه يتقن اللغة العبرية. ويقول “أسمع القنوات الإسرائيلية، وأنقلها (الأخبار الواردة من القنوات الإسرائيلية) إلى أبنائي وجيراني. أحرص على ذلك لأنها تنقل الأخبار من الجانب الإسرائيلي”.
ونزح صلاح زعرب (37 عاما) من شرق خان يونس إلى رفح جنوبا، موضحا أنه يتابع الإذاعات طوال الوقت. ويقول أمام خيمته “العالم يتقدم في مجال التكنولوجيا ونحن نتراجع في غزة. سيصلون بنا إلى العصر الحجري. نقوم بإشعال الحطب ونجلس أمام الخيام لإعداد الشاي ونسمع الأخبار عبر الراديو لحظة بلحظة”.
وحتى قبل الحرب الحالية شكلت الإذاعة المحلية في غزة وعي الكثير من الجمهور الفلسطيني باعتبارها الوسيلة الأبرز للحصول على المعلومة في ظل الأزمات التي يمر بها القطاع الساحلي، لاسيما الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
وعلى الرغم من التطور التكنولوجي وتميز وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الأخبار والأحداث إلا أن الإذاعة مازالت هي المحور الرئيسي للحصول على المعلومات وتشكيل الوعي، وقد استخدمت مؤسسات الأمم المتحدة الإذاعات المحلية في نشر المعلومات وتشكيل وعي مجتمعي تجاه قضايا محددة.
ويقول الصحافيون إن شمولية المعلومات التي يحصل عليها المواطن تظهر بتنوع البرامج والمضامين الإذاعية التي تكون باتجاه عدة فئات، والمشكلة الرئيسية التي تواجهها الإذاعات المحلية في قطاع غزة هي انقطاع الكهرباء. وهناك فئات تحب متابعة أخبار الطقس، وتجدها في الإذاعة، وهناك فئات أخرى تتابع الأخبار العاجلة والوضع الميداني وتتابع الإذاعة، كما أن المباريات موجودة بشكل خاص على بعض الإذاعات وتحديداً الإذاعات المتخصصة؛ أي يمكن للمستمع أن يجد كل مبتغاه بالاستماع إلى الإذاعة ومتابعة الأخبار.