حقبة رئاسية جديدة للسيسي عنوانها مستقبل السلطة في مصر

القاهرة- أعلنت الهيئة القضائية المشرفة على انتخابات الرئاسة المصرية الاثنين فوز الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بفترة رئاسية جديدة تمتد إلى ست سنوات، وهي المدة الثالثة والأخيرة له وفقا للدستور، ما يجعل مستقبل الحكم قضية تشغل قطاعات شعبية وسياسية في السنوات المقبلة، في ظل مطالب بفتح المجال العام على نحو أكبر لإتاحة الفرصة أمام القوى المدنية لخوض منافسات انتخابية قوية مستقبلاً.
وحصل السيسي على نسبة أصوات بلغت 89.6 في المئة، وحصد أقرب منافسيه رئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر على نسبة 4.5 في المئة، وجاء المرشح المحسوب على المعارضة رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران في المركز الثالث بنسبة بلغت 4 في المئة، بينما حقق رئيس حزب الوفد الليبرالي عبدالسند يمامة 1.9 في المئة من أصوات الناخبين.
ومع أن هذه الانتخابات هي الأكثر مشاركة في تاريخ الاقتراعات الرئاسية المصرية وفقا لما أكدته اللجنة المشرفة عليها بنسبة بلغت 66.8 في المئة، إلا أنها افتقدت للسخونة السياسية، وبدت شبه محسومة لصالح السيسي قبل انطلاقها.
وتعرضت الحكومة المصرية لانتقادات بعدم إتاحة الفرصة أمام إجراء انتخابات تنافسية تشكل إعداداً جيداً للاقتراع الرئاسي المقبل، وأثيرت تساؤلات عديدة حول مستقبل الحكم في مصر مع نهاية فترة الولاية الثالثة للرئيس السيسي.
ويواجه المصريون مأزقا في عملية انتقال السلطة من رئيس إلى آخر، ولم يحدث في أيّ من المرات السابقة انتقال رئاسي سلس عبر الانتخابات، ما جعل الهاجس يتزايد انتظاراً لما سوف تسفر عنه الفترة القادمة التي قد تؤسس لإجراء انتخابات تتشارك فيها قوى تقدم نفسها إلى المواطنين، ليست منتمية للجيش أو جماعة الإخوان.
وزادت الهواجس مع التصعيد الحاصل في الأوضاع الإقليمية التي ربما يعرقل استمرارها فترة طويلة تحقيق انتقال مرن للسلطة من رئيس عسكري إلى آخر مدني.
ويعوّل سياسيون على استمرار الحوار الوطني وتوظيفه كقاطرة تقود لإصلاحات شاملة تتحقق بالتوافق بين السلطة والمعارضة تمثل أرضية مشتركة يمكن العمل على أساسها، انطلاقاً من انتخابات البرلمان المصري بعد نحو عام، وتحريك جمود قانون المحليات وإجراء انتخابات المجالس المحلية المعطلة منذ 12 عاماً، ما يسمح بإفراز جيل من السياسيين قادر على الاشتباك مع المشكلات التي يواجهها المواطنون وحلها.
وقال المحلل السياسي محمود العلايلي إن العملية الانتخابية قمة الممارسة الديمقراطية وتبدأ قبل الوصول إلى صندوق الاقتراع، وبعد إعلان النتيجة يقاس الأمر بمدى الرضاء عنه من جانب الأطراف المتنافسة، ثم يشرع الفائز في تنفيذ ما وعد به ويبذل مساعيه للحفاظ على ثقة من أدلوا بأصواتهم له، لذلك فالكرة في ملعب السيسي.
وأضاف العلايلي في تصريحات لـ”العرب” أن الدولة المصرية تعرضت، ولاتزال، لتحديات منذ ثورة 30 يونيو 2013، وارتضت القوى السياسية بالتضييق على ممارستها العمل السياسي وغلق المجال العام، وبعد تجاوز المخاطر المتعلقة بالإرهاب آن أوان فتح المجال العام أمام الممارسات السياسية المنضبطة كسلاح قوي لمواجهة التحديات الناعمة.
ولفت إلى أن سيطرة القبضة الأمنية الفترة الماضية في حاجة إلى المراجعة وإحداث تغيير سياسي في الخارطة الحزبية وإتاحة الفرصة لظهور قوى سياسية ثابتة على الأرض تستطيع التعبير عن نفسها، ينضم إليها المواطنون المقتنعون بما تقدمه من برامج وحلول للتعامل مع القضايا الوطنية.
ويبدو الكثيرون في مصر على قناعة بأن معادلة التنافس على السلطة بين المرشحين المحسوبين على الجيش أو الإخوان يجب أن يتم إدخال تعديلات عليها عبر مشاركة قوى مدنية كطرف أصيل لخلق توازن في قمة السلطة الفترة المقبلة.
وبغض النظر عن قدرة الأحزاب على الفوز في الانتخابات من عدمه، لكنها من المهم أن تظهر تواجداً قوياً يسهم في ملء الفراغ السياسي الذي خدم التنظيمات المتشددة، وقد تجد الأحزاب السياسية فرصة للاستفاقة حال سنحت لها الأجواء.
وشدد العلايلي في حديثه لـ”العرب” على أن معادلة الإخوان والجيش مؤقتة ولا يستقيم الاعتماد عليها لتحديد مستقبل الدولة، والمعادلة الحقيقية في أيّ بلد يتسم بالديمقراطية تكمن في وجود قوى تتنافس على نيل ثقة المواطنين تؤدي إلى انتقال ديمقراطي سلس.
ويصعب الرهان على المعارضة المصرية بصورتها الحالية لشغل الفراغ كما أن المواطنين الذين همّهم الشاغل هو تحسين أوضاعهم المعيشية غير متوقع أن يغيروا سلوكهم وينخرطوا في ممارسة سياسية انعكاساً لتاريخ طويل ظلت في الأحزاب أمام حالة قطيعة شعبية، ما يدعم الاستمرار على نفس الوتيرة التي تتواجد فيها مجموعة من الكيانات لها حضور سياسي شكلي.
وأكد المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة تضم 10 أحزاب وشخصيات العامة) خالد داوود أن التعامل مع الدستور المصري على أنه وثيقة مكتوبة بالنوايا الحسنة يعزز المخاوف بشأن إدخال تعديلات جديدة عليه، ليس من المستبعد أن تطال فترات الرئاسة أو مددها، والمطلب الرئيسي الذي تتقدم به المعارضة للرئيس السيسي أن يعلن التزامه بالدستور الحالي من دون تعديلات جديدة عليه.
وأدخل البرلمان المصري تعديلات على الدستور عام 2019، سمحت أن تصبح مدة الرئاسة ست سنوات، بدلاً من أربع، على أن تمتد إلى فترتين متتاليتين، وهو ما أتاح الفرصة أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي الترشح لدورة ثالثة.
وأوضح داوود في تصريح لـ”العرب” أن الحوار الوطني هدفه فتح المجال العام وحقق ذلك بنسبة لا بأس بها قبل انطلاق الانتخابات، وإن كانت المعارضة استهدفت الانتهاء منه قبل السباق الانتخابي الرئاسي، خاصة بعد الانتهاء من غالبية الملفات التي جرى النقاش بشأنها، ومصر في حاجة إلى تنفيذ ما جاء من توصيات خلال الفترة الرئاسية الحالية في ظل قلق في أوساط المعارضة أن تُلقى أحداث الحرب في غزة بظلالها، وتتمخض عنها تأثيرات مضرة للأمن القومي المصري.
وأكد أن الرئيس السيسي تعهد بالمزيد من الإصلاح السياسي، وهو ما ظهرت ملامحه الأشهر الماضية، لكن تبقى مجموعة المطالب الرئيسية التي تدعم استمرار الإصلاح، وبينها توسيع مجال الحريات العامة، والإفراج عمّا تبقّى من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وتعديل قانون الانتخابات التشريعية وتجرى بالقائمة النسبية، إلى جانب إعادة النظر في بعض التوجهات الاقتصادية وأولويات الإنفاق القومي.