مسقط تحث الخطى لتجنب القائمة الرمادية لغسل الأموال

يشكل تجنب مسقط دخول القائمة الرمادية لغسل الأموال أحد أكبر التحديات التي تواجهها في تقييمات مجموعة العمل المالي بالنظر إلى علاقتها الوطيدة مع إيران المعاقبة أميركيا وفي ظل تدفق الاستثمار الروسي إلى سوقها كملاذ من الحظر الغربي.
مسقط - تستعد سلطنة عمان، البلد الخليجي المعروف بحياده وعلاقاته الوثيقة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، لمراجعة رئيسية من هيئة رقابية عالمية على الأموال القذرة، على أمل تجنب مصير دولة الإمارات المجاورة.
ومن المقرر أن يقوم وفد من مجموعة العمل المالي (فاتف)، ومقرها باريس، بزيارة إلى مسقط في أواخر يناير المقبل، مما يمهد الطريق لمراجعة في وقت لاحق من عام 2024.
وبعد أن جرى خفض تصنيف الإمارات وإدراجها على القائمة الرمادية في مارس العام الماضي عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، بدأ المسؤولون العمانيون في التحرك لتفادي الوصول إلى النتيجة ذاتها.
وعلى عكس الإمارات التي اعتمدت سياسات صديقة للعملات المشفرة، ولديها سوق عقارات فاخرة مزدهرة ومفتوحة أمام المستثمرين الدوليين، فإن الاقتصاد العماني أصغر حجما وأكثر تحفظا.
وإلى جانب إجراءات الرقابة الأخيرة، فإن مسقط تعد في وضع جيد لتجنب إدراجها على القائمة الرمادية، وفقا لمصادر مطلعة على نشاط مجموعة أشخاص مطلعين على إجراءات فاتف.
ومع ذلك يعترف المسؤولون العمانيون بالمخاوف بشأن علاقات بلدهم مع إيران، وهي الدولة التي تواجه عقوبات أميركية قاسية منذ سنوات بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.
وقال رئيس البنك المركزي العماني طاهر العامري في مقابلة نادرة مع وكالة بلومبرغ من مكتبه في مسقط إن “أكبر نقطة ضعف هي موقعنا. هذا هو الخطر الرئيسي. وهذا بسبب العلاقة مع إيران”.
واستفادت القيادة العُمانية من علاقاتها الوثيقة مع واشنطن وطهران خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، حيث استضافت اتصالات دبلوماسية مهمة مهّدت الطريق في نهاية المطاف للاتفاق النووي لعام 2015.
والآن، مع احتدام الصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، يُنتظر أن يوضع حياد مسقط الجيوسياسي تحت المجهر.
وأوضح العامري أن البنك المركزي قام بترخيص لبنكين إيرانيين، لم يسمهما، وشهد أيضا بعض التدفقات من الأموال الروسية.
وحافظت السلطات العمانية على علاقاتها مع إيران رغم الاستقطاب الشديد في الخليج العربي، فبينما اتخذت السعودية والبحرين والإمارات والكويت موقفا واضحا تجاه التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، تركت مسقط النافذة مفتوحة تجاه طهران.
وهناك خطوط ربط كثيرة بين البلدين سواء عن طريق رحلات الطيران المباشرة مع مدن إيرانية مثل طهران وشيراز وقشم وكيش ومشهد، أو عن طريق الموانئ البحرية مثل بندر عباس وشاهبهار وخوران شاه والأحواز وغيرها.
وأكد العامري أن الحكومة العمانية تتخذ نهجاً دقيقا، وتتابع عن كثب العقوبات الأحادية ومتعددة الأطراف من الخارج، مع الاعتراف بوجود العديد من “الأشخاص الشرعيين” من الدول الخاضعة للعقوبات.
مسقط وضعت مؤخرا قائمة عقوبات خاصة بها، وضعت عليها أفرادا من أفغانستان وسوريا ونيجيريا
وقال “إذا كانت لديك أموال إيرانية تأتي عبر التجارة، فهل نقول إن كل شخص يحمل جواز سفر أو لديه عمل مرتبط بإيران يخضع للعقوبات؟ الولايات المتحدة لا تقول ذلك. لا ينبغي أن يكون تدفق الأموال الفعلي من المحرمات أو العقوبات، حتى مع روسيا”.
وأشار إلى أن بريان نيلسون، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، زار مسقط أواخر الشهر الماضي لمناقشة التعاون الثنائي بشأن تدفقات الأموال المرتبطة بإيران وروسيا.
وقبل أسابيع فرضت إدارة الرئيس جو بايدن عقوبات على مجموعة من الشركات، بما في ذلك مجموعة تداول المالية، وهي شركة استثمار خاص، ومقرها مسقط، والتي قالت السلطات إنها “استُخدمت لتلقي وإدارة أصول روسية غير مشروعة”.
وذكر العامري أن عمليات الشركة قيد المراجعة. وقال “أينما توجد ثغرات، فإننا نتأكد من إصلاحها”.
وخلص تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن القائمة الرمادية من قبل مجموعة فاتف قد تؤدي إلى “انخفاض كبير ومهم إحصائياً في تدفقات رأس المال”.
وقدّر المقرض الدولي أن تدفقات المحافظ والاستثمار الأجنبي المباشر انخفضت في المتوسط بنحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة.
ورغم أن الاقتصاد الإماراتي يبلغ حجمه 509 مليارات دولار إلا أنه نجح في تجاوز تصنيفه بشكل أفضل من معظم الدول.
وبينما تستعد الإمارات للخروج من القائمة مطلع 2024 فإن سلطنة عمان البالغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 108 مليارات دولار، وتعتمد بشكل كبير على صادرات الوقود الأحفوري، غير مستعدة للمخاطرة.
ووضعت مسقط مؤخرا قائمة عقوبات خاصة بها، وضعت عليها أفرادا من أفغانستان وسوريا ونيجيريا. وتعتبر هذه الخطوة جزءا من مجموعة من الإصلاحات التي تضمنت أيضاً إرشادات بشأن الأصول الافتراضية والمالكين المستفيدين وتسجيل الشركات.
وتطرق العامري في حديثه مع بلومبرغ أيضا إلى خطط بلاده لتنويع احتياطاتها الأجنبية البالغة 15 مليار دولار تقريبا.
وقال إن البلاد “تهدف إلى خفض حيازاتها من الدولار إلى نحو 65 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة من 80 في المئة حاليا، مع زيادة تعرضها لليورو والجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي”.
ومع ذلك، أكد العامري مجدداً أن الدولة الخليجية ملتزمة بربط عملتها الريال بالدولار، أسوة بما تقوم به باقي دول الخليج العربي.
المسؤولون العمانيون يعترفون بالمخاوف بشأن علاقات بلدهم مع إيران، وهي الدولة التي تواجه عقوبات أميركية قاسية منذ سنوات بسبب برنامجها النووي
وتحافظ البنوك المركزية الخليجية على رفع الفائدة، اتساقا مع أهدافها بالمحافظة على الاستقرار النقدي والمالي، وفي ضوء التطورات المحلية والعالمية.
ويفسر خبراء انسياق دول الخليج المنتجة للنفط وراء صناع القرار النقدي في الولايات المتحدة بارتباطها اللصيق بالعملة الأميركية في تسوية العقود الآجلة للنفط مما يستدعي تماشيها مع نفس قرار الفيدرالي سواء رفع أو خفض الفائدة تفاديا لوجود فروق في العملة.
يأتي ذلك على الرغم من العلاقات المتنامية مع الصين التي يذهب إليها الجزء الأكبر من النفط والغاز الطبيعي العماني.
وتقول السعودية، أكبر اقتصاد عربي، إنها منفتحة على إمكانية تسوية بعض التجارة مع بكين باليوان، رغم أن مسؤوليها قللوا من احتمال حدوث ذلك على نطاق واسع.
وأضاف العامري “لقد خدمنا الربط بشكل جيد وأعتقد أن ذلك سيستمر في المستقبل”، وأضاف أن “الأمر الذي قد يجعل الربط غير ذي فاعلية، هو حدوث تحول عالمي أكبر، وهذا ما لا نتوقع أن يحدث قريبا”.
وساهمت وتيرة الإصلاحات مدفوعة بارتفاع أسعار النفط في تحسين مركز المالية العامة والمركز الخارجي للبلاد، مما ساعد بشكل ملموس على الحد من مستوى الدين العام مع إتاحة الحّيز اللازم لتقوية شبكة الأمان الاجتماعي.
وفي الشهر الماضي أبدى صندوق النقد تفاؤلا في أحدث تقييم عن حالة الاقتصاد العماني، بينما يظل فيه مستوى التضخم تحت السيطرة بدعم من أسعار النفط المواتية والإصلاح المستمر.
وقال في بيان حينها إن “التوقعات الاقتصادية لا تزال مواتية” لنمو الناتج المحلي الإجمالي للبلد الخليجي.
وأوضح أنه بينما من المتوقع أن يتباطأ النمو هذا العام إلى 1.3 في المئة بسبب تخفيضات إنتاج النفط المرتبطة بأوبك+، يتجه النمو الاقتصادي إلى الانتعاش بدءا من عام 2024، مدعوما بارتفاع إنتاج النفط والغاز ونمو أقوى في القطاع غير النفطي.