عقدة الاعتراف المتبادل بين حماس وإسرائيل قيد التفكيك

شكلت تصريحات القيادي في حركة حماس موسى أبومرزوق حول إمكانية الاعتراف بإسرائيل بمثابة بالون اختبار، وإشارة إلى إمكانية إقدام الحركة على هذه الخطوة، لكن الأمر يبقى رهين ما ستسفر عنه الحرب في غزة.
غزة - بالتوازي مع الحرب العسكرية على قطاع غزة، تدور مساومات سياسية لا تحظى بتسليط الضوء عليها، حيث بدأت الأدوار تأخذ شكلا عكسيا، وأرسلت حركة حماس أخيرا رسالة جس نبض بشأن إمكانية اعترافها بدولة إسرائيل والتعاطي مع منظمة التحرير الفلسطينية وفقا لمحددات وضعها المجتمع الدولي معها منذ ثلاثة عقود.
وبقدر ما عبرت رسالة حماس للاعتراف بإسرائيل عن تغير في خطابها بعد اندلاع الحرب، بقدر ما يصعب التوقع بمآلاته وقدرته في تفكيك عقدة الاعتراف المتبادل بين الحركة وإسرائيل، فالأخيرة التي اعترفت بالحركة ضمنيا عبر قبولها حكم غزة تشن حربا عليها الآن عنوانها الرئيسي اجتثاثها وإنهاء حكمها لغزة.
وجاءت إشارة التغير في سلوك حماس في غير أوانها عقب ترهل قدراتها العسكرية في الحرب، ومواجهة استنفار يضعف فكرة القبول بها، إذ منحت قوى عديدة صكا لإسرائيل بالإجهاز على الحركة والسعي لرؤية الأراضي الفلسطينية دون أثر لها.
وأصدرت حركة حماس بيانا مساء الخميس نوهت فيه إلى وجود إساءة فهم لتصريحات القيادي موسى أبومرزوق التي ألمح فيها للاعتراف بإسرائيل مستقبلا، مؤكدة أنها “لا تعترف بشرعية الاحتلال، ولا تقبل بالتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وأن المقاومة مستمرة إلى حين التحرير والعودة”.
الجناح السياسي في حماس يسعى للتعامل ببراغماتية مع المجتمع الدولي، والبحث عن حل لما يمكن وصفه بورطة غزة
وجاء بيان التراجع بعدما فسرت تصريحات أبومرزوق لموقع “مونيتور” الأميركي على أنها تنم عن تآكل في جسم الحركة وقدراتها القتالية بعد اندلاع الحرب، وتمنح إسرائيل فرصة لممارسة ضغوط مضاعفة لمنع ظهور الحركة في صورة المنتصر سياسيا.
وألمح موسى أبومرزوق في مقابلة مع موقع “مونيتور” إلى أن حماس يمكن أن تعترف بإسرائيل كخطوة نحو إنهاء الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية، واتباع الموقف الرسمي لمنظمة التحرير، وأن تصبح الحركة جزءا من المنظمة وتحترم مبادئها، والموقف الرسمي هو أن المنظمة اعترفت بدولة إسرائيل.
ويقول مراقبون إن الجناح السياسي في حركة حماس يسعى للتعامل ببراغماتية مع المجتمع الدولي الذي يميل نحو العمل بمبدأ حل الدولتين، والبحث عن حل لما يمكن وصفه بـ”ورطة غزة” بعد الحرب، حول تضارب الخيارات المطروحة إسرائيليا ودوليا، من دون وجود مكان لحماس في المشهد السياسي المقبل.
ويضيف المراقبون أن الحركة تدرك عجز السلطة الفلسطينية وعدم وجود بديل سياسي جاهز، ولا تريد أن تبدو خارج المعادلة الجديدة، ولم يكن أمامها سوى إبداء مرونة تحمل تغيرا في منهجها، ومن هنا أرسلت عبر أبومرزوق رسالة الاعتراف للتخلص من عقدة أصيلة في الصراع مع الحركة ذات الميول العقائدية، وإقناع المجتمع الدولي أنها يمكن أن تصبح عضوا نافعا في الترتيبات الجديدة.
انضمام حماس إلى منظمة التحرير يمثل ملاذا سياسيا جيدا بعد الحرب وتدمير الكثير من معداتها العسكرية وبنيتها التحتية
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان صرح الجمعة من تل أبيب بأنه ليس من الصواب أن تتولى إسرائيل إدارة القطاع على المدى الطويل، وأنه يجب أن تنتقل السيطرة على غزة وإدارتها وأمنها إلى الفلسطينيين، لكن يجب قبل ذلك إحداث تغيير في القيادة، في إشارة إلى الرئيس محمود عباس.
وتستند حماس في جرأة طرح نفسها كعنصر فاعل لاحقا على تزايد شعبيتها مقارنة بحركة فتح، منافستها السابقة، وأن الحرب التي خسرت فيها جزءا معتبرا من هياكلها العسكرية قد تُكسبها مكانة سياسية تعرقل تقزيمها، فهناك أصوات ترى تدجين الحركة أفضل من مواصلة الحرب معها، حيث يوفر لها الصراع قاعدة جماهيرية تقلل من فرص تجفيف منابعها تماما.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت رسميا بإسرائيل عام 1993 في مسعاها لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، كما قبلت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، لكنّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي تحفظتا على انضمامهما للمنظمة ورفضتا الاعتراف بإسرائيل.
ورفضت حماس إقامة دولة على حدود يونيو 1967 منذ ظهورها، ثم تغير خطابها وأدخلت تعديلات على ميثاقها ولوحت بقبولها بدولة فلسطينية دون اعتراف بإسرائيل.
ويمثل انضمام حماس إلى منظمة التحرير ملاذا سياسيا جيدا بعد حرب إسرائيل على غزة وتدمير الكثير من معداتها العسكرية وبنيتها التحتية، ويمكنها الالتحاق بالمنظمة من فرض كلمتها مع الترهل الذي تعاني منه فتح وتآكل قوتها في الشارع الفلسطيني.
حماس تدرك عجز السلطة الفلسطينية وعدم وجود بديل سياسي جاهز، ولا تريد أن تبدو خارج المعادلة الجديدة
وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الخميس أن الحركة منفتحة على مناقشة أيّ مبادرات تؤدي إلى وقف الحرب على غزة قائلا “أيّ رهان على ترتيبات في غزة أو القضية الفلسطينية دون فصائل المقاومة، وهْم وسراب”.
وفُهم تصريح إسماعيل هنية على أن الحركة تميل إلى علاج الانقسام وإعادة التأهيل والسعي لإنجاز مصالحة سريعة، تشمل تفعيل عملية الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وتعظيم دور السلطة الوطنية تمهيدا لحكم غزة بعد انتهاء الحرب.
ودارت خلافات عميقة بين حركتي فتح وحماس السنوات الماضية على آليات دخول الثانية منظمة التحرير وحول برنامجها والتزاماتها وضرورة إصلاحها، ونسبة تمثيل كل فصيل فيها، وكيفية إتمام مصالحة شاملة تمنح المنظمة زخما سياسيا.
وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية أحمد فؤاد أنور إن الوضع العسكري والسياسي الذي تمر به حماس لا يمكّنها من وضع تصورات نهائية، والتي تتأثر حتما بالنتيجة التي ستصل إليها الحرب، وما يتبقى للحركة من قدرات عسكرية تمكنها من أن تصبح لاعبا مهما.
وأضاف فؤاد أنور في تصريحات لـ”العرب” أن الغموض الذي يكتنف مصير القطاع وطرق إدارته والجهة المسؤولة عنه مرهونة بالحالة الحمساوية بعد وقف الحرب، فخروج الحركة متماسكة يساعد على عدم التخلص منها، والعكس صحيح، وبالتالي ما طرحه أبومرزوق الهدف منه الإشارة إلى أن الحركة تتغير سياسيا، والتراجع عن تصريحاته ينطوي على أن أيّ تغير لن يكون من منطلق ضعف أو يخضع لإملاءات من أيّ جهة.
وشدد المحلل المصري على أهمية التريث عند قياس أبعاد الصورة التي يبدو عليها قطاع غزة والقضية الفلسطينية عموما، فالخطاب السائد من جانب إسرائيل عدواني ومتغطرس وخاضع لحسابات الحرب ولا يسمح بالقراءة الدقيقة، والخطاب الذي تبثه الولايات المتحدة حول حلم الدولة الفلسطينية كوسيلة لحل الصراع عاطفي ومدفوع بمشاهد التقتيل في صفوف المدنيين ولا يساعد على التوصل إلى استنتاجات دقيقة.
وتراهن قوى عدة على أهمية التسوية السياسية وتحاول تخفيض سقف المعادلة الصفرية بين المقاومة وإسرائيل، فاستمرار التوجه نحو رغبة كل طرف في القضاء على الآخر يؤدي إلى وقف جولة من الصراع استعدادا لجولة أخرى، وما لم يتم التوصل إلى نقطة وسط لحل أزمة الاعتراف المتبادل سوف تتواصل حلقات الكر والفر في المنطقة.