تردد حكومي إزاء تعديل نظام الانتخابات في الكويت

مخاوف من تغول البرلمان وتحوله إلى مركز القرار الأول في البلاد.
السبت 2023/12/16
السعدون يريد وضع بصمته

تعديل النظام الانتخابي الذي يدفع نواب كويتيون لإجرائه تحت يافطة إنهاء التشتت في المشهد النيابي وإضفاء صبغة جماعية على العمل التشريعي، لا ينفصل عن مساع تبذلها قوى سياسية منذ فترة طويلة لرفد البرلمان بالمزيد من السلطات الكفيلة بجعله المركز الأول لصنع القرار في البلاد، الأمر الذي يفسر حذر السلطة التنفيذية إزاء التعديلات المقترحة.

الكويت - أبدت الحكومة الكويتية موقفا متحفّظا من مشروع تعديل نظام الانتخابات التشريعية، في خطوة قال نواب في مجلس الأمّة متحمّسون لتمرير التعديل إنّها تمثّل إخلافا لوعد حكومي سابق بمساندة المشروع، فيما عدّها مطّلعون على الشأن الكويتي ترجمة لموقف القيادة العليا من إقرار أيّ قوانين توسّع من سلطات البرلمان إلى درجة التغوّل وتنشئ دوائر جديدة للقرار تحدّ من سلطات أمير البلاد وتنازعه اختصاصاته.

وأقرّت وزارتا العدل والداخلية مبدأ تعديل النظام الانتخابي لكنهما طالبتا ضمن رأيهما المضمّن في تقرير اللجنة التشريعية البرلمانية بالمزيد من التريّث لدراسة المقترحات الواردة في مشروع التعديل.

وأظهرت مسوّدة تعديل النظام الانتخابي التي توافق بشأنها نواب مجلس الأمّة وتم مؤخّرا الكشف عن محتواها أنّه تمّ التخلي عن الفكرة الأصلية المتمثّلة في التحوّل بشكل كامل من نظام الصوت الواحد إلى نظام القوائم النسبية، والدفع بتصوّر يقوم على نظام هجين أساسه أن يكون للناخب الواحد صوتان أحدهما للقائمة والثاني لمرشّح منفرد.

نظام الصوت الواحد المستهدف بالتغيير يحيل على اتساع سلطات الأمير وحقه الدستوري في إصدار مراسيم لها قوة القانون

وتعتبر هذه الصيغة التي ساهم رئيس البرلمان أحمد السعدون في التوصّل إليها حلاّ وسطا يتيح التخلّص من نظام الصوت الواحد دون فتح الباب لإشهار الأحزاب السياسية التي سيقود إليها نظام القوائم الذي يتطلّب عادة وجود تشكيلات حزبية وهي فكرة تقف وراءها بشكل أساسي القوى الإسلامية الأكثر تنظيما وهيكلة والأوسع جماهيرية في الشارع الكويتي، لكن دوائر الحكم ترفضها بسبب ما ستخلقه من دوائر قرار موازية.

ويعتبر التخلّي عن نظام الصوت الواحد دافعا أساسيا لمبادرة تعديل النظام الانتخابي، وذلك بهدف إنهاء تشتّت المشهد النيابي وإضفاء الطابع الجماعي على العمل التشريعي، بحسب ما يعلنه المتحمسون للتعديل.

لكنّ الأمر لا يخلو بحسب متابعين للشأن الكويتي من خلفيات سياسية تستهدف رمزية نظام الصوت الواحد التي تحيل على سلطات أمير البلاد وما يتيحه له الدستور من أدوات تمكّنه من فرض قرارات وتشريعات لا تتفق بالضرورة مع رغبات نواب البرلمان رغم ما يمتلكونه من سلطات واسعة.

وكان النظام المذكور قد أقرّ سنة 2012 بموجب مرسوم أصدره أمير الكويت الرّاحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مستندا إلى المادة الحادية والسبعين من دستور البلاد والتي تجيز له أن يصدر مراسيم لها قوة القانون. وتمّ بفعل ذلك المرسوم تقليص عدد الأصوات التي يمكن للناخب الإدلاء بها في انتخابات مجلس الأمّة من أربعة أصوات إلى صوت واحد.

وأثار ذلك التعديل مخاوف القوى السياسية المعارضة من أن يؤدّي إلى تقليص حضورها في المجلس، ولذلك طعنت فيه لدى المحكمة الدستورية التي رفضت الطعن وحصّنت التعديل بحكم أصدرته في يونيو 2013.

ومنذ ذلك الحين تتالت المطالبات بإلغاء نظام الصوت الواحد، ويبدو أنّ الفرصة أصبحت اليوم متاحة أكثر من أيّ وقت مضى في ظل القوّة الكبيرة التي يتمتّع بها مجلس الأمّة قياسا بالحكومة التي تعاني الكثير من المشاكل والأزمات التي دفعتها لاتّباع أسلوب المرونة إزاء مطالب النواب ومشاريعهم.

ويقول مراقبون إنّ توجيه النظام الانتخابي في الكويت من الفردية إلى الجماعية مهما كان مستواها لا يخدم سوى مصلحة القوى السياسية والقبلية الأكثر تنظيما إذ يساعدها على تصدّر المشهد وتكريس هيمنتها على البرلمان وتشكيل كتل كبيرة داخله تتيح لها تمرير ما تراه من تشريعات وقوانين لا أحد يضمن أن تطال مستقبلا طبيعة النظام السياسي ذاته.

مسوّدة تعديل النظام الانتخابي أظهرت أنّه تمّ التخلي عن الفكرة الأصلية المتمثّلة في التحوّل بشكل كامل من نظام الصوت الواحد إلى نظام القوائم النسبية

وقالت وزارة العدل الكويتية في رأيها ضمن تقرير اللجنة التشريعية البرلمانية المدرج على جدول أعمال جلسة البرلمان المقررة للعشرين من الشهر الجاري بشأن تعديل الدوائر الانتخابية إنّ ثمة ضرورة لتغيير نظام الصوت الواحد باعتباره “لا يحقّق المصلحة العامة”، لكنّها استدركت مؤكّدة الحاجة إلى المزيد من دراسة الاقتراحات المقدمة.

كما أيّدت وزارة الداخلية موقف وزارة العدل، معتبرة أن تغيير الدوائر الانتخابية يحتاج مزيدا من التأني نظرا إلى وجود العديد من الأمور الفنية التي تحتاج إلى حسمٍ، مثل تزايد أعداد الناخبين وموقع المناطق الجديدة وآلية توزيعها على الدوائر، ومذكّرة بأنّ إعادة تقسيم الدوائر لا تتم إلّا بقانون يصدر عن مجلس الأمّة.

وفي سياق التحفظ الحكومي على تعديل النظام الانتخابي، تقول مصادر سياسية إنّ الحكومة تدرس خيار عدم المشاركة في التصويت على التعديل المقترح كونها لا تريد أن تكون طرفا مباشرا في تمريره، إلاّ أنها يستبعد أن تقوم بعرقلته نظرا لما يحظى به من دعم نيابي واسع، في وقت تسلك فيه حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح نهج المرونة والتوافق مع السلطة التشريعية حرصا على عدم إثارة المشاكل معها.

3