الشركات العائلية في المغرب تستعين بالبنك الدولي لحوكمة أعمالها

تحسين الأداء والإدارة يوسع الفرص أمام زيادة الطروحات بالبورصة.
السبت 2023/12/16
بوابة جديدة للاستثمار

يجمع خبراء على أن إصلاح أوضاع الشركات العائلية في المغرب يشكل عنصرا أساسيا لتحقيق الأهداف الرئيسية لتعزيز أعمالها لجعلها مساهما في الارتقاء بنشاط سوق المال مستقبلا، والذي تطمح إليه الحكومة للمساعدة في تجسيد خطط تنمية الاستثمار واقعيا.

الرباط - يتزايد اهتمام عدد من الشركات العائلية في المغرب بموضوع اعتماد إطار حوكمة يمكّنها من تفادي إمكانية حدوث خلافات داخلها، وإعداد الأجيال المقبلة لخلافة أسلافها بطريقة سلسة واغتنام الفرص لزيادة النمو ودعم الاقتصاد.

وبهدف تقديم الخبرة الفنية والمشورة للشركات العائلية بشأن مختلف الإشكاليات المرتبطة بقضية الحوكمة، دخل معهد المقاولة العائلية المغربية هذا الأسبوع في شراكة مع مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي لإنجاز المهمة.

والمعهد الذي تأسس في شهر يونيو الماضي هو عبارة عن جمعية تضم تحت مظلتها حوالي 30 شركة عائلية متوسطة وكبيرة، ومن المحتمل أعضاء جدد في حال كان نشاطها فاعلا من خلال تكوين جبهة ضغط مستقبلا لتحسين تنافسيتها.

معز مياوي: الإدارة التقليدية للشركات تعيقها عن التطور والنمو
معز مياوي: الإدارة التقليدية للشركات تعيقها عن التطور والنمو

ولا توجد أرقام حول نسبة الشركات العائلية من إجمالي الشركات في البلاد، لكن معز مياوي رئيس الاستشارات البيئية والاجتماعية والحوكمة لمنطقة شمال وغرب أفريقيا في مؤسسة التمويل الدولية أكد أنها تمثل حصة مهمة كما في أغلب اقتصادات العالم.

وقال مياوي لاقتصاد الشرق من بلومبرغ إن هذه الشركات غالبا ما تدير أعمالها بطريقة تقليدية عبر تبني أسلوب يركز على شخص أو شخصين، وبشكل عام يكون المساهم المؤسس والابن، “بما يعيقها بشكل عام عن اعتماد أساليب الإدارة الجديدة”.

وتعمل كبرى الشركات العائلية في المغرب بقطاعات اقتصادية متنوعة، مثل البناء والتشييد والزراعة والبنوك والصناعة والسياحة.

وأوضح رئيس معهد المقاولة العائلية قاسم بناني سميرس، الذي يرأس أيضا شركة عائلية متخصصة في زراعة وتصدير الخضراوات منذ أربعة عقود، أن الهدف من تأسيس الجمعية هو “ضمان الإدارة الجيدة للشركات العائلية للتطور مستقبلا”.

وتطرق سميرس إلى مسألة الحصول على تمويلات من مؤسسات دولية، مثل البنك الدولي، أو الإدراج في البورصة، أو استقطاب مستثمرين خارجيين، بما يساهم في تحقيق النمو واستمرارها للأجيال المقبلة.

ويتماشى اتجاه الشركات العائلية المحلية لاعتماد الحوكمة مع مساعي بورصة الدار البيضاء لزيادة إدراجات هذه الفئة من الشركات، حيث تعقد بشكل مستمر لقاءات مع مؤسسي الشركات العائلية لتقوية إطار الحوكمة داخلها.

وتسعى البورصة إلى جلب صناديق الاستثمار إليها مع الاستعداد لتبني فكرة طرح حصة من أسهمها في السوق المالية كوسيلة لتمويل نموها على المدى الطويل.

ويرى خبراء ومحللون أن ذلك المسار سيدعم طموح المغرب بغية رفع عدد الشركات المدرجة إلى أكثر من 300 شركة بحلول 2035 مقابل 75 شركة حاليا.

وفي أكتوبر الماضي أعلن كمال مقداد رئيس مجلس إدارة البورصة عن دخول 12 شركة على مسار طرح أسهمها في السوق المحلية بالبلاد، وذلك ضمن برنامج تتبناه البورصة لتشجيع الشركات على وجود أسهمها في السوق المالية.

وقال حينها إن “البورصة لديها آليات لتحفيز الشركات على الإدراج، ومنها برنامج ‘إليت’، الذي يتيح للشركات الاستثمارية شراء حصص بهذه الشركات تمهيدا لطرحها بالبورصة الرئيسية”.

وأوضح أن مئة شركة استفادت من هذا البرنامج، 12 منها قامت ببيع حصص لشركات الاستثمار، وواحدة تم إدراجها في السوق، وهي شركة تكنولوجيز عام 2022.

ولدى مجتمع المال قناعة بأن الشركات العائلية في السوق المحلية يمكنها أن تساهم في تنشيط الطروحات، وإدراجها يساعدها أيضا في اعتماد تدابير الحوكمة والتوسع في أنشطتها خارج البلاد.

الشركات غالبا ما تدير أعمالها بطريقة تقليدية

وطالب مقداد الحكومة مرارا بجعل نشاط البورصة أولوية عبر إدراج الشركات المملوكة للدولة لبث ديناميكية في السوق بشكل أكبر ولجذب التمويلات للمساهمة في التنمية الاقتصادية.

وخلصت دراسة أجرتها البورصة المغربية مع مؤسسة التمويل الدولية، إلى أن ثمة تأثيرات إيجابية جدا لإدراج الشركات الحكومية.

وأشارت إلى أن الطروحات تدعم تحسين الحوكمة، وتحديث التدبير، وتقليل الاعتماد على الدولة من حيث التمويل، والتأثير إيجابيا على المنظومة التي تشتغل فيها، وبالتالي المساهمة في النمو الاقتصادي.

وتعمل مؤسسة التمويل الدولية، التي تُعتبر ذراع البنك الدولي المعنية بدعم القطاع الخاص، في المغرب منذ 1962 وبلغت استثماراتها أكثر من 3.5 مليار دولار حتى الآن.

وساهمت المؤسسة في دعم مشاريع مع أكثر من 100 شركة متخصصة في الصناعات الغذائية وتطوير البنية التحتية والقطاع المالي وغيرها.

ويُقدر متوسط عمر الشركات العائلية في العالم بأقل من جيل واحد، وفق معطيات مبنية على دراسة قدّمها مياوي، بينما لا تتجاوز حصة تلك التي تستمر تحت سيطرة العائلة المؤسسة إلى الجيل الثالث نسبة 10 في المئة.

قاسم بناني سميرس: استمرار الشركات في النمو أمر بالغ الأهمية للاقتصاد
قاسم بناني سميرس: استمرار الشركات في النمو أمر بالغ الأهمية للاقتصاد

وقال مياوي إن هذا التمشي يؤكد صحة مقولة متداولة تعتبر أن “الجيل الأول يبني الشركة والجيل الثاني يطورها والجيل الثالث يهدمها”.

وتوصي مؤسسة التمويل الدولية الشركات العائلية بضرورة تبنّي حوكمة جيدة تقوم على فصل الملكية عن الإدارة التنفيذية، أو تأسيس مجلس إدارة مهمته التخطيط الإستراتيجي والرقابة.

وبجانب ذلك تأسيس مجلس للعائلة يُناط به دور التداول في كافة الخلافات التي قد تواجهها الشركة في مراحل تطورها وخصوصا في حالة وفاة مؤسسها.

ويشير مياوي إلى أن الحوكمة يجب أن تكون أولوية قصوى للشركات العائلية، مع ضرورة وضع هياكل لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات بين العائلة والمساهمين وإدارة الشركة، فضلاً عن نشر قواعد صارمة تتعلق بتوظيف أفراد العائلة.

ووفق معطيات مؤسسة التمويل، فإن 90 في المئة من الشركات في أميركا الشمالية عائلية، وتمثل في الولايات المتحدة نحو 64 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتظهر تلك المعطيات أيضا أن نسبة الشركات العائلية من إجمالي عدد الشركات في دول أوروبا تتراوح بين 55 و90 في المئة.

ويؤكد سميرس لبلومبرغ الشرق أن استمرار الشركات العائلية في النمو أمر بالغ الأهمية للاقتصاد المغربي.

وقال إن هذا الهدف “يتحقق من خلال اعتماد إطار حوكمة متقدم يعالج مختلف التحديات المتمثلة في التواصل والخلافة وانتقال المسؤولية بين الأجيال، لأن تجاهل كل ذلك يخلق خلافات داخل الشركات وبالتالي يهدد استمرارها”.

11