اقتصاد تونس العليل يطارد فرص توسيع نطاق الشمول المالي

تونس - شكل إقرار البنك المركزي التونسي بأهمية توسيع نطاق الشمول المالي كونه يشكل حجرا أساسيا في بناء الاقتصاد العليل دليلا آخر على القصور في السياسات النقدية المتبعة رغم محاولات جعلها تتماشى مع الوضع الراهن.
واعتبر الخبراء أن مطاردة الفرص غير المستغلة تفتح الباب أمام تطوير النظام المالي، وضم الذين لا يملكون القدرة على التعامل مع البنوك، بما في ذلك اقتصاد الظل، عبر تحسين الإجراءات وتذليل العراقيل أمام حركة الأموال رغم النقائص التي تعتريها.
وأكد محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال رئاسته لمجلس مرصد الاندماج المالي، الذي عقد اجتماعه الثالث الخميس الماضي، على الأهمية القصوى للشمول المالي من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة لتحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة.
ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى العباسي قوله إن التقييم الدوري لوضعية الشمول المالي في تونس “يتطلب إحداث نظام قياس يعتمد على جمع المعطيات وبلورة مؤشرات تعكس واقع الاندماج المالي”.
وشدد بمناسبة المصادقة على البرنامج الوطني للتثقيف المالي من قبل مجلس المرصد، على ضرورة تطوير التعليم المالي كوسيلة لنقل المعلومات المالية البسيطة والقابلة للفهم، حتى تسهّل وصول المواطنين إلى الخدمات المالية.
وأوصى المجلس بتقديم البرنامج إلى الحكومة للمصادقة عليه باعتباره وثيقة تحدد السياسة العامة في مسائل التعليم المالي التي تتطلب تدخل مختلف الهياكل العمومية والخاصة.
ويقدر عدد الحسابات البنكية بالبلاد دون اعتبار حسابات الادخار بحوالي 4.36 مليون حساب، وهي تدر عمولات كبرى على القطاع ككل بينما تبلغ حصة القطاع البنكي العمومي منها 30.2 في المئة.
وينشط في السوق المحلية 23 بنكا مقيما و7 بنوك غير مقيمة، إضافة إلى مؤسسات مالية أخرى، ولديها فروع يتجاوز عددها أكثر من 1860 فرعا منتشرة في كل ولايات (محافظات) البلاد.
ورغم هذا العدد الكبير من البنوك، مقارنة بدول مجاورة مثل الجزائر والمغرب، فإن مرصد الاندماج المالي التابع للبنك المركزي أكد في الكثير من المرات والتقارير أن الانطباع العام بين التونسيين هو أن الخدمات البنكية والمالية ليست جيدة.
ويمكن أن يقوم الشمول المالي بدور مهم في الحد من الاقتصاد الموازي من خلال تعزيز إدماجه في الاقتصاد الرسمي.
ونصف اليد العاملة بالبلاد تنشط في القطاع الموازي، وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن 43.9 في المئة من العاملين بالقطاع الخاص يعملون في السوق السوداء، وأنه من بين 2.8 مليون مشتغل يعمل 1.55 مليون في القطاع غير المهيكل.
وكان المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية قد نشر دراسة بعنوان “الاندماج المالي ودوره في الحد من الاقتصاد غير المنظم في تونس” في يونيو الماضي أشار فيها إلى أن الشمول المالي للمؤسسات وخاصة الأفراد يعد محفزا للاندماج الاجتماعي.
وقال مؤلف الدراسة الأستاذ الجامعي سامي مولاي إن الشمول المالي “يمكن أن يشكل آلية رئيسية لتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير مستقبل أفضل للسكان، لاسيما التونسيين ذوي الدخل المنخفض”.
كما أكد أن الإصلاحات والتدابير الشاملة ستتيح ضمان وصول أفضل إلى مصادر التمويل المصرفي وغيرها عبر إدماج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المنظم.
ومع ذلك، فإنه رغم الجهود المبذولة لتعزيز الوصول إلى الخدمات المالية، فإن تحليل معايير الشمول البنكي والمالي في تونس يبرز أنه لا يزال أقل من المعدلات المقارنة الدولية والإقليمية.
وتتحمل أغلب الأنظمة المصرفية في العالم مسؤولياتها في دفع عجلات اقتصادات الدول كونها تسهم بقسط وافر من النمو طالما مولت الاستثمارات وسهلت الوصول إلى القروض، لكن في تونس يبدو الوضع مختلفا.
وأدى غياب دور البنوك في النهوض بالاقتصاد التونسي، في ظل السياسات النقدية القائمة، بما في ذلك رفع الفائدة لتطويق التضخم، إلى استمرار معظمها وخاصة الخاصة منها في تحقيق المزيد من الإيرادات وحصنت نفسها أكثر من الأزمات.
37
في المئة من التونسيين يتعاملون مع البنوك وهو أقل من المعدل العربي بحسب فاندكس
ووفقا لمنصة غلوبال فاندكس، التابعة للبنك الدولي، والتي تركز بشكل أساسي على الأفراد، فإن 37 في المئة فقط يتعاملون مع البنوك في تونس البالغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، مقارنة بمعدل 43 في المئة في المنطقة العربية.
وفضلا عن الأفراد، فإن الشمول المالي يتضمن أيضا، الشركات ويتعلق الأمر، أساسا، بالمشاريع متناهية الصغر، التي يمكن أن تشكل فرص نمو هامّة ومصدرا لتوفير فرص العمل.
وأشارت دراسة المعهد الإستراتيجي إلى ما اعتبرتها عقبات أمام الشمول المالي في تونس، من ذلك عجز السيولة العام في النظام البنكي والقيود المالية للاقتصاد بالإضافة إلى إجراءات أسعار الفائدة والإمكانات غير المستغلة في التمويل الرقمي.
وأوصى معدو الدراسة بوضع سياسة وطنية لتعزيز المعاملات غير النقدية لمعالجة مسألة إلغاء التعامل نقدا وذلك بتعزيز التنسيق لدعم تنفيذ الإستراتيجية الخاصة بهذه المعاملات، التي وضعها البنك المركزي التونسي.
وقالوا إن مؤسسة البريد التونسي يمكن أن تلعب دورا مهما في العديد من المشاريع المطروحة، بما في ذلك الشمول المالي.