حميدتي يحرج البرهان بقبوله مقترح إيغاد

وافقت قوات الدعم السريع على مقترح الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية في أفريقيا (إيغاد) القاضي بعقد اجتماع بين الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي والجنرال عبدالفتاح البرهان بصفته قائدا للجيش وليس رئيسا لمجلس السيادة الذي لم تعد له شرعية، بعد خروج العديد من أعضائه.
الخرطوم - وضعت قوات الدعم السريع الكرة في ملعب قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان عندما أكدت التزامها بقبول قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) بمقترح الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية في أفريقيا (إيغاد) في بيانها الأخير بشأن الاجتماع بين القائدين.
وأحرج بيان أصدرته قوات الدعم السريع الخميس وزارة الخارجية السودانية التي أعلنت منذ أيام عن شروط تعجيزية لعقد الاجتماع بين الرجلين، ما أثار غضبا في أوساط قادة إيغاد ومسؤولين دوليين وإقليميين كانوا شهودا على بيان قمتها الـ41 الطارئة في جيبوتي، إذ وضعت الخطوط العريضة للبيان بتوافق المجتمعين.
وأرجع متابعون صدور بيان وزارة الخارجية، بما خالف تفاهمات قمة إيغاد، إلى وجود لوبي داخلها لا يريد للبرهان الاجتماع مع حميدتي ووقف الحرب في السودان المستمرة منذ منتصف أبريل الماضي، ويتعمد فلول النظام السابق إحراج قائد الجيش الذي أصبح ميالا إلى ترميم القطيعة مع قوات الدعم السريع التي حققت تقدما ميدانيا لافتا في ولايات عديدة، أبرزها ولايات إقليم دارفور وأجزاء معتبرة من الخرطوم.
وقطع بيان الدعم السريع الطريق على تفسيرات ترددت عبر منصات التواصل الاجتماعي من قبل عناصر محسوبة على النظام السابق لتخفيف وطأة بيان الخارجية بعدما أثار سخرية واسعة وتهكما من نخب سودانية، وعزز قناعات بأن اللوبي الإسلامي يتحكم في مفاصل السياسة الخارجية وهو الذي يحدد مصير الجيش وتوجهات قائده الجنرال البرهان.
وروجت عناصر إسلامية على منصات التواصل أن القائد الثاني للدعم السريع الفريق عبدالرحيم حمدان دقلو هو من سيلتقي البرهان، للتغطية على تنصل وزارة الخارجية من التزامات قمة إيغاد التي أشارت إلى أن اللقاء المنتظر سيعقد في غضون أسبوعين ومع الجنرال حميدتي.
ووضعت الخارجية السودانية شرطا تسبب في الكثير من اللغط وهو أن يعقد اللقاء بعد إقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد وخروج قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم وتجميعها في مناطق خارجها، بينما الواقع يؤكد أن اليد الطولى في ميادين المعارك لم تعد أبدا في صالح الجيش.
وشددت قوات الدعم السريع على أن حميدتي وافق على مبدأ الاجتماع مع البرهان شرط أن يأتي الأخير للاجتماع المقترح بصفته "قائدا للجيش وليس رئيساً لمجلس السيادة".
وقال المحلل السياسي السوداني عادل إبراهيم حمد لـ"العرب" إن “مسألة اللقاء بين البرهان وحميدتي ليست هي العقبة الرئيسية، ففي كل الحروب التي مرت بها البلاد يجلس الخصوم مقابل أن تتوقف الحرب نهائيا ثم يتم المضي في طريق السلام، ولا يوجد ما يمنع من جلوس الرجلين معا”. وعلى الرغم من ضراوة الخلاف بينهما أكدت قوات الدعم السريع موافقة قائدها الأول، كما أن البرهان عندما ذهب إلى قمة جيبوتي كان يعلم بتفاصيل خارطة إيغاد والمكونات التي تستند إليها لوقف الحرب، وأجرى زيارات مهمة لكل من إثيوبيا وجنوب السودان وكينيا وجيبوتي قبلها.
وأضاف إبراهيم حمد في تصريحات لـ”العرب” أن "براغماتية البرهان ستقوده بسهولة إلى لقاء حميدتي، حيث يعلم أن الواقع العسكري يميل لصالح قوات الأخير، وأن الدعم السريع أحدثت واقعا جديدا وهي قوة عسكرية موجودة على الأرض بعيدا عن المسميات والاتهامات المختلفة لها والحديث عن جذورها في دارفور، ويعلم قائد الجيش أنه لا وقف للحرب دون حوار".
والتقى وفدان من الجيش والدعم السريع بصورة غير مباشرة في جدة خلال الجولات السابقة التي عقدت بوساطة سعودية – أميركية، وهو إقرار بالاعتراف المتبادل ويسقط أية شروط لاحقة من قبل رفاق البرهان، وسواء أكان راضيا عن تصرفاتهم أم رافضا لها عليه إظهار تقديره لقادة إيغاد وعدم ترك الأمر في يد وزارة الخارجية السودانية تتلاعب به، فقد أساء بيانها له شخصيا، وأوحى بأن تحركاته مقيدة سياسيا.
وفي الوقت الذي بدت فيه شروط الخارجية لعقد اللقاء مع حميدتي منافية للواقع، بدا شرط الدعم السريع منطقيا، فلقاءات جدة عقدت مع وفد الجيش وليس مجلس السيادة الذي لم يعد مكتملا بعد خروج عدد من أعضائه بالاستقالة والإقالة وفقدانه شرعيته السياسية بسبب الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021، وعدم تقيد رئيس المجلس بضوابط الوثيقة الدستورية التي حددت خارطة المرحلة الانتقالية.
ويعزز تمسك البرهان بلقب رئيس مجلس السيادة استمرار طموحه في السلطة وتمسكه بها في المرحلة القادمة، وأنه وافق على الدخول في مفاوضات مع الدعم السريع تحت ضغوط إقليمية ودولية كبيرة، وخسائر عسكرية فادحة، وهذه نقطة تجعل الوسطاء أشد حذرا في التعامل معه، وربما إذا قبل شرط الدعم السريع ودخل لقاء حميدتي كقائد للجيش يقلل من هاجس عدم التزامه بتطبيق ما سيتم الاتفاق عليه لاحقا. وأصبح البرهان أمام خيارات ضيقة، فإما أن يظهر حسما في التعامل مع فلول النظام السابق التي كبلته سياسيا وعسكريا، أو يخسر إيغاد.