أيام التشكيل السوري بين الهوية والتجديد

دمشق - تحتضن العاصمة السورية الموسم السادس من أيام الفن التشكيلي السوري، التي تقيمها مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة بعنوان هوية وتجديد، وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون "أوبرا دمشق".
هذه التظاهرة استطاعت في سنوات قليلة أن تصبح قبلة الفنانين ومحبي الفن التشكيلي في سوريا، وهي تهدف إلى الارتقاء وتعزيز الإبداعات والمهارات وتكريم المبدعين الراحلين والأحياء. وتمتد فعالياتها على مدى الجغرافية السورية، إذ تقام معارض بالصالات الخاصة والعامة، منها صالة مصطفى علي، وملتقيات فكرية وفنية منها ملتقى عمر حمدي للفن التشكيلي في الحسكة.
وتقام كذلك ندوات بحثية في كلية الفنون الجميلة، منها ندوة "حول الهوية في الفن التشكيلي السوري"، دعما للحركة البحثية والنقدية التشكيلية، أما الحدث الأبرز لهذا العام فهو افتتاح صالة العرض في المتحف الوطني السوري من جديد لتستضيف فعاليات المعرض السنوي.
كما تتضمن فعالية أيام الفن التشكيلي السوري التي تستمر إلى غاية الحادي والعشرين من ديسمبر الجاري أيضا ملتقى النحت على الخشب في قلعة دمشق ومعرض فلسطين في غاليري دمشق، ومعرضا للفنانين المحتفى بهم وآخر لمجموعة من الشباب.
وانطلقت فعاليات الدورة السادسة من بهو قاعة الدراما بمعرض ضم ثماني لوحات للفنانين التشكيليين اللذين تحتفي أيام الفن التشكيلي السوري بهما العام الحالي وتحيي ذكرى مرور مئة عام على ولادة كل من التشكيليين الراحلين أدهم إسماعيل (1922-1963) ومحمود حماد (1923-1988) بوصفهما من أبرز الوجوه الرائدة لجيل المؤسسين للحركة الفنية التشكيلية.
وتعكس اللوحات المعروضة غنى تجربة إسماعيل وتعدّد رؤاه الفنية خلال مسيرته القصيرة نسبيا والتي قاربت العقدين فقط باعتباره فنانا رائدا ومجددا وباحثا في الفن التشكيلي السوري بشكل خاص والعربي بشكل عام، أما تجربة حماد فقد غلبت عليها الرصانة في بناء العمل الفني والشاعرية اللونية فأحكم وزن العناصر التشكيلية وألم بأساليب الفن الحديث المعاصر.
وتضمنت الاحتفالية معرضا جمع 15 لوحة و3 منحوتات للفنانين المكرمين وهم المصورة سوسن الزعبي، والنحات جميل قاشا، وفي مجال الغرافيك الفنان علي سليم الخالد، والفنانون المكرمة ذكراهم في الاحتفالية هم الراحلون سهيل معتوق، ومحمد الوهيبي وأحمد مادون.
وبدأ الحفل بفيلم تسجيلي تحية للفنانين إسماعيل وحماد في مئوية ولادتهما إلى جانب عرض بصري سماعي لمقطوعات موسيقية من ذاكرة الأيام التشكيلية التي استعادت من خلالها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية ثلاثة من الأعمال التي ألفها المايسترو عدنان فتح الله على مدار السنوات الثلاث الماضية خصيصا للاحتفاء بأيام الفن التشكيلي السوري وهي "حكاية لوحة" المستوحاة من أعمال الفنان التشكيلي السوري نصير شورى، و"تفاصيل" المستوحاة من أعمال التشكيلي جلال محمود. أما لوحة "المدرس" فسردت تجربة التشكيلي السوري فاتح المدرس.
وقدمت وزيرة الثقافة لبانة مشوّح مع رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا عرفان أبوالشامات ووسيم عبدالحميد مدير مديرية الفنون الجميلة خلال الحفل شهادات تقدير لذوي الفنانين الراحلين وللمكرمين الثلاثة.
وفي كلمة لها بينت مشوّح أن هذه الاحتفالية مناسبة “لنفسح المجال أمام طلاب معاهدنا العليا بمختلف اختصاصاتهم والمعاهد التقانية الفنية، ليبرزوا مواهبهم ويخوضوا تجربة مواجهة الجمهور بكل ما فيها من تعزيز لثقتهم بأنفسهم وتطوير لمهاراتهم"، مثمنة جهود القائمين على هذه التظاهرة الوطنية في تنفيذ مشروع ضخم يقوم على حفظ وتوثيق وترميم مقتنيات الوزارة من الأعمال التشكيلية.
وأوضحت أنه تم إيقاف كل المظاهر الاحتفالية احتراما لأرواح الشهداء وتقديسا لكل قطرة دم سفكت، مؤكدة أن عجلة الثقافة لا يجوز أن تتوقف عن الدوران، فإذا كان قدرنا أن نواجه أبشع آلة إجرام وقتل عرفتها البشرية فقدرنا أيضا أن نحمل شعلة الحضارة وأن نبقي عليها متقدة تحرض على العمل والتأثير والإبداع.
وأشار مدير مديرية الفنون الجميلة وسيم عبدالحميد إلى الصدى الكبير الذي تأخذه فعاليات أيام الفن التشكيلي السوري عاما بعد عام على امتداد الجغرافيا السورية على مستوى الساحة التشكيلية المحلية، مشيرا إلى أن ما يميز فعاليات الموسم السادس، الاحتفال بعودة صالة العرض في المتحف الوطني بدمشق من خلال إقامة المعرض السنوي فيها والذي يجمع الاختصاصات التشكيلية.
ولم تغب القضية الفلسطينية عن ناظري فنان الغرافيك علي سليم الخالد أحد مكرمي الاحتفالية الذي أهدى التكريم للأبطال المرابطين في مواجهة العدو الإسرائيلي في غزة، وقال إن "تكريم الفنان داخل وطنه شعور لا يوصف ليكون بمثابة تاج يكلل مسيرته الفنية". وعبرت الفنانة التشكيلية سوسن الزعبي عن سعادتها وامتنانها للتكريم الذي يحمل طابعا مميزا و"يضع قلادة فخر على السنوات التي يمضيها المبدع في خط مسار فني خاص به".
أما النحات السوري جميل قاشا فبين أن الاحتفاء بالفن والجماليات "دليل قاطع على أن الوطن في مرحلة تعاف، لاسيما أن الفنان يجسد قيم الإنسانية وتطلعاتها منذ ظهور البشرية وتبقى أعماله الفنية تروي تاريخه وخبرته".