القاهرة تستعين بالمغتربين لإنقاذ سوق العقارات من الركود

شكوك حول نجاح مبادرة جذب تحويلات المصريين بالخارج إلى البنوك.
الثلاثاء 2023/12/12
السلامة وشروط التشييد أهم من الأموال

تعول مصر على أموال المغتربين لتحقيق رواج في سوق العقارات عبر توفير مبادرات لهذه الفئة بغية شراء منازل بالدولار، لاسيما مع أزمة النقد الأجنبي وتحول البعض من الأُسر المقيمة بالخارج إلى استبدال العملة الأميركية من السوق الموازية بدلا من البنوك الرسمية.

القاهرة – تتصاعد مطالب القطاع الخاص في مصر بزيادة الاستفادة من أموال المغتربين عبر مبادرة مشتركة بين الحكومة والمطورين العقاريين توفر بموجبها لهذه الشريحة وحدات سكنية بأسعار مغرية لمنع ركود القطاع وتدفق العملات الأجنبية عبر القنوات الرسمية.

وتأتي المبادرة الجديدة، على غرار مبادرة استيراد السيارات التي لم تحقق المرجو منها، إذ كانت تستهدف جمع 5 مليارات دولار من المغتربين، لكن توقعات لجنة الخطة والموازنة في البرلمان أشارت إلى تحصيل 1.5 مليار دولار فقط الفترة الماضية.

وأعلنت غرفة صناعة التطوير العقاري أن الشركات اقترحت إطلاق مبادرة تستهدف قيام المغتربين بدفع قيمة مشترياتهم من العقارات بالكامل نقدا مقدما على أن يكون سعر البيع مغريا، بخلاف البيع المحلي، مقابل وديعة بنكية معادلة للسعر، ويتم استردادها بعد عشر سنوات.

وتشهد الفترة الراهنة صياغة المبادرة استعدادا لإطلاقها خلال أسابيع لتشمل المغتربين والأجانب أيضا طالما أنهم يدفعون بالدولار، وهي عامل مهم لنمو مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة، ومثيلاتها من المدن الجديدة.

أحمد الشناوي: استهداف المغتربين يمثل 60 في المئة من تسويق الشركات
أحمد الشناوي: استهداف المغتربين يمثل 60 في المئة من تسويق الشركات

ومن المتوقع أن تحفز المبادرة الطلب على العقارات، وتحقق تدفقا دولاريا كبيرا في حال نجاحها، وتحدث انتعاشا في أحد أهم القطاعات التنموية.

وجاء الحديث عن المبادرة عقب إعلان شركة جونز لانج لاسال العالمية أن ارتفاع التكلفة سبب رئيسي في زيادة أسعار العقارات في مصر، وتوقعت استمرار صعود الأسعار بعد انخفاض سعر صرف العملة، بينما الأسعار لم ترتفع بنسبة موازية.

وأوضح عضو لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال المصريين أحمد الشناوي أن سوق العقارات يعوّل كثيرا على أموال المغتربين لتعويض التراجع في صفقات البيع والشراء محليا، بسبب ارتفاع الأسعار والتكاليف الباهظة على عمليات الإقراض.

وقال لـ”العرب” إن “الشركات تراهن على المصريين في الخارج لإنعاش المبيعات، وهم يمثلون نحو 60 في المئة من سياسة التسويق لدى المطورين، لذلك فوجود مبادرات محفزة خطوة مهمة لتعزيز المبيعات والحد من الركود”.

وتبدو الارتفاعات المتزايدة في أسعار مدخلات البناء التي ترتبت عليها قفزة في أسعار العقارات، منطقية لارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، وهو الذي يحكم التعاملات لعدم وفرته في البنوك.

ولفت الشناوي إلى أن القطاع الخاص يرغب في عودة الإسكان الاقتصادي وتوفير الوحدات ذات المساحات الصغيرة للشباب، فالوحدة التي يصل سعرها إلى 5 ملايين جنيه حاليا (نحو 100 ألف دولار بسعر السوق السوداء) هي التي تخاطب وتستهدف الفئة المتوسطة.

وأكد أن سعر الوحدات السكنية حتى 20 مليون جنيه (400 ألف دولار)، تعد فئة متوسطة حاليا، إذ أصبحت منقسمة إلى شرائح متعددة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ولذلك يصعب الرهان على السوق المحلية لتحفيز القطاع.

ويرى محللون أن القطاع سيشهد انتعاشا العام المقبل، رغم التوقعات بارتفاع أسعار العقارات، لكن اتجاه المغتربين إليه يعزز المبيعات، مع انخفاض سعر العملة المحلية وزيادة سعر الدولار.

ويعتقد الشناوي أن الإسكان الفاخر تبدأ أسعار وحداته من 35 مليون جنيه (700 ألف دولار) فما فوق، متوقعا ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بمعدلات تتراوح بين 30 و35 في المئة العام المقبل.

18

مليار دولار حجم سوق الإسكان وسيبلغ 30.3 مليار بحلول 2028 وفق موردور أنتلجنس

وتتوقع شركة موردور أنتلجنس العالمية، أن ينمو حجم سوق العقارات السكنية في مصر من 18 مليار دولار هذا العام إلى 30.3 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.96 في المئة.

ووفق الشركة، هناك طلب متزايد على الوحدات السكنية في المدن الرئيسية، خاصة القاهرة، كما أن المبادرات الحكومية والمشاريع المستقبلية هي محركات رئيسية للسوق.

ويهدف إطلاق مبادرات عقارية للمغتربين إلى جذب الدولار إلى القنوات الرسمية والبنوك، لكن يتراجع تحقيق هذا الهدف مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية، ما يمنح فرصة للشراء بأسعار مقبولة وغير مقيدة بحبس الدولار في البنوك.

وكشف البنك المركزي المصري عن تراجع التحويلات في العام المالي الماضي لتبلغ نحو 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار بمقارنة سنوية.

وقال الخبير العقاري آدم زيان لـ”العرب” إن “الهبوط الكبير في سعر صرف الجنيه يدفع المغتربين إلى الاستفادة بفارق السعر عند تحويله إلى الدولار عبر السوق السوداء”.

وأضاف “يرى هؤلاء أنهم ليسوا بحاجة إلى مبادرات، لأن الشركات لن تخفض الأسعار بسعر جاذب مع ارتفاع مدخلات البناء”.

ورهن زيان نجاح المبادرة بتقديم تسهيلات كبيرة من الحكومة للشركات التي تعتزم المشاركة فيها، من حيث أسعار مواد البناء والضرائب، وأسعار الأراضي التي تمثل البند الأهم في نجاح المبادرة.

آدم زيان: ينبغي خفض أسعار الأراضي للشركات قبل إطلاق المبادرة
آدم زيان: ينبغي خفض أسعار الأراضي للشركات قبل إطلاق المبادرة

ومع ذلك، قلل الخبير من فرص نجاح المبادرة طالما استمر رواج سعر الدولار في السوق السوداء، لأنه يسبب عامل إغراء المغتربين، فهناك نسبة كبيرة منهم يتخوفون من أن ينخفض سعر الدولار حال إجراء وديعة بنكية يستحقها بعد عشر سنوات.

ورغم الخلفية الاقتصادية الصعبة، لكن يمكن أن تنمو جميع القطاعات العقارية المصرية الرئيسية، خاصة مع تسجيل سوق العقارات السكنية في القاهرة أكبر نمو في العام الماضي، حيث ارتفعت الإيجارات في بعض المناطق بنسبة 10 في المئة سنويا.

وأدى القلق من تراجع سعر صرف الجنيه إلى رفع أسعار العقارات السكنية، خاصة أنها إحدى أدوات الأفراد للتحوط ضد انخفاض سعر العملة، مثل الذهب.

ونمت الأسعار بنسب تراوحت بين 40 و45 في المئة هذا العام، وهي أعلى من نسبة التضخم المسجلة عند 35.8 في المئة الصادرة من جهاز الإحصاء.

وبحسب شركة جي.أل.أل العالمية، تعطي الأرقام المسجلة مؤشرا جيدا على أن العقارات من الأدوات الجيدة للتحوط ضد انخفاض العملة مستقبلا، وفق جي.أل.أل العالمية.

وأعلن مجلس العقار المصري أن أسعار العقارات ارتفعت بمعدل الضعف في بعض الأماكن، مثل الساحل الشمالي المطل على المتوسط نتيجة إقبال قوي من العملاء داخل مصر وخارجها لتحقيق عوائد استثمارية حقيقية من وحداتهم.

ويرجع الإقبال إلى أن المنطقة لا تزال سوقا جديدة تحتاج إلى الكثير من العقارات بمختلف أنواعها، ومن أفضل المناطق التي يمكن أن تساعد على بيعها للأجانب، لما يتوفر فيها من إمكانات وخصائص تناسب الزبون الأجنبي والعربي.

ونمت مساهمة صناعة العقارات في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من قرابة 13.1 في المئة في عام 2011 إلى نحو 18.6 في المئة بنهاية العام الماضي.

11