شركات ناشئة تحاول كسر سيطرة الصين على تكرير الأتربة النادرة

تتسابق شركات ناشئة لتغيير الطريقة التي يتم بها تكرير المعادن النادرة للتحول إلى الطاقة النظيفة، وهي دفعة تهدف إلى تحفيز توسع الغرب في القطاع المتخصص الذي تدعمه مليارات الأجهزة الإلكترونية في وجه الهيمنة الصينية على هذا المجال الإستراتيجي.
لويزيانا (الولايات المتحدة) - تحاول مجموعة من الشركات الغربية الناشئة تبَنّي تكنولوجيا تمهد لها الطريق نحو امتلاك أدوات تكرير الأتربة النادرة، وبالتالي منافسة الصين.
ويعد المعيار الحالي لتنقية المعادن الإستراتيجية، والمعروف باسم “الاستخلاص بالمذيبات”، عملية مكلفة مضت الصين خلال العقود الثلاثة الماضية في إتقانها. وكافحت شركات مثل أم.بي ماتيريالز وليناس رار إيرثز وغيرهما في بعض الأحيان لنشرها بسبب التعقيدات التقنية ومخاوف التلوث.
والأتربة النادرة هي مجموعة مكونة من 17 معدنا تستخدم في صنع المغناطيس، الذي يحول الطاقة إلى حركة للسيارات الكهربائية والهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الأخرى.
ولئن ساعد الخبراء الأميركيون في تطوير عملية استخلاص المعادن النادرة بالمذيبات في خمسينات القرن الماضي، فإن النفايات المشعة الناتجة عن هذه العملية جعلتها غير شعبية في الولايات المتحدة.
ولكن الصين بدأت في التوسع بسرعة في الصناعة بدءا من الثمانينات، وهي تسيطر على 87 في المئة من طاقة تكرير المعادن النادرة في العالم، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وقد ساعدت هذه البراعة في دفع اقتصاد البلاد إلى أن يصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويقدم المنافسون الغربيون الناشئون الآن فرصة مثيرة لمعالجة المعادن بطرق أسرع وأنظف وأرخص، إذا تمكنوا من إطلاقها بنجاح.
وقالت إيزابيل بارتون، أستاذة التعدين والهندسة الجيولوجية في جامعة أريزونا، لرويترز إن “عملية التكرير الحالية تمثل كابوسا”. وأضافت “لهذا السبب هناك الكثير من الشركات التي تعد بأساليب جديدة، لأننا بحاجة إلى أساليب جديدة”.
ويرى مستشارون في الصناعة وأكاديميون ومديرون تنفيذيون أنه إذا نجحت واحدة أو أكثر من تقنيات المعالجة الجديدة كما هو مأمول بحلول 2025، فإنها يمكن أن تقلل الاعتماد على التكنولوجيا الصينية ومنتجاتها الثانوية السامة.
كما ستدعم أيضا خطط الشركات الغربية في تقويض الأسعار المرتفعة التي تفرضها الصين على المعادن الإستراتيجية. ورغم أن أيا منها لم يتم إطلاقها تجاريا ويتساءل بعض مستشاري ومحللي الصناعة ما إذا كانت ستتمكن من القيام بذلك قريبا، فإن كادرا من الشركات يمضي قدما في تنفيذ خطط تنمية جريئة.
وفي قاعدة سابقة للقوات الجوية الأميركية في لويزيانا تهدف شركة يوكور رار ماتريالز إلى معالجة المعادن النادرة بحلول منتصف عام 2025، وذلك باستخدام تقنية “رابيدز إكس”.
وتقول الشركة التي تأسست عام 2006 إن “هذه التقنية أسرع بثلاث مرات على الأقل من استخلاص المذيبات، ولا تنتج نفايات كيميائية خطرة، وتتطلب فقط ثلث المساحة المادية”.
وقال مايكل شريدر، الرئيس التنفيذي للعمليات في يوكور، لرويترز “هدفنا هو إعادة إنشاء سلسلة توريد للمعادن الأرضية النادرة في أميركا الشمالية”.
وكانت يوكور تخطط في البداية لاستخراج رواسب العناصر النادرة في ألاسكا، لكن الشركة غيرت مسارها في العام الماضي للتركيز على التكرير، وليس التعدين.
وولد هذا التمشي محورا قال عنه اثنان من المديرين التنفيذيين إنه “عيب في إستراتيجية الغرب لإضعاف هيمنة الصين على المعادن عبر محاولة إتقان الخطوتين في وقت واحد”.
وتجري يوكور، التي كانت تختبر عمليتها بتمويل من البنتاغون، محادثات مع 17 شركة تعدين لشراء إمدادات معالجة هذه المعادن والمعروفة باسم “المركزات”.
وتتوقع الشركة أن تبدأ عمليات الشحن في ميناء نيو أورليانز قريبا، وستشرع في تجهيز مستودع بتقنية رابيد إكس بداية من يناير المقبل.
ويؤكد عمال مناجم المعادن النادرة بشكل متزايد أنهم راضون بالتركيز على استخراج الصخور، بدلا من مضاعفة عملياتهم بخطوة المعالجة الإضافية.
وقالت لويزا مورينو، رئيسة ديفينس ميتالز، التي تهدف إلى فتح منجم للمعادن النادرة في كولومبيا البريطانية بكندا في غضون أربع سنوات “يجب على شركات التعدين التركيز على العثور على رواسب جديدة”.
وأضافت مورينو المهتمة بترخيص تكنولوجيا يوكور “ربما ينبغي عليك أن تترك عملية التكرير للآخرين المتخصصين في ذلك”.
وتخطط رينبو رار إيرثز بحلول عام 2026 لنشر تكنولوجيا تكرير المعادن النادرة في جنوب أفريقيا ةالتي طورتها شريكتها كي – تكنولوجيز ومقرها فلوريدا من خلال عملية “التبادل الأيوني المستمر”، والتي يستخدمها بعض منتجي الليثيوم.
كما تعمل ستارت آب إثير على تطوير تقنية النانو التي تبرمج البروتينات للارتباط بشكل انتقائي مع العناصر النادرة واستخراجها من رواسب الخام.
وفي النرويج تقول شركة ريتيك إن عملية التكرير الخاصة بها ينبعث منها الكربون أقل بنسبة 90 في المئة من استخراج المذيبات، وستكون جاهزة للعمل بحلول أواخر عام 2024.
وبدأت شركة فونيكس تايلينغز في وقت سابق هذا العام بتكرير كميات صغيرة من المعادن النادرة في ولاية ماساتشوستس الأميركية باستخدام عملية تقول إنها خالية من الانبعاثات والنفايات.
وقال روبرت فوكس، العالم في مختبر أيداهو التابع لوزارة الطاقة الأميركية، “ثمة تقنيات يمكن تطويرها أفضل بكثير من الاستخلاص بالمذيبات”.
ووافق المختبر في الشهر الماضي على البحث في تقنيات تكرير جديدة للمواد الحرجة الأميركية، والتي تعمل على تطوير رواسب الأتربة النادرة في وايومنغ.
ورغم التعطش إلى تقنيات التكرير الجديدة حذرت أوساط القطاع من أن المصنعين ربما يتوقعون الكثير وفي وقت مبكر جدا من هذه المجموعة من التقنيات الناشئة التي لم تثبت كفاءتها حتى الآن، خاصة في ضوء الأهداف الصارمة العالمية للكهرباء.
وتكنولوجيا يوكور، على سبيل المثال، لم تعمل قط على نطاق تجاري، ومن غير المتوقع أن تحصل على حماية براءات الاختراع حتى العام المقبل، وهو جدول زمني أشار إليه مستشارو الصناعة باعتباره سببا للقلق نظرا للمنافسة القوية على الملكية الفكرية.
وقال فرانك فانون، مستشار صناعة المعادن، إن “الأفق الزمني اللازم لتطوير كل تقنيات التكرير الجديدة هذه سيكون أطول مما يتوقعه الكثيرون”. وأضاف أن المحادثات حول الإنتاج في غضون سنوات قليلة “تفرز شعورا زائفا بالأمان لدى صناع القرار السياسي”.
ومع ذلك، فإن الحاجة إلى البدائل آخذة في الارتفاع، خاصة في أعقاب القرار الذي اتخذته بكين في وقت سابق من هذا العام للحد من صادرات الجرمانيوم والغرافيت والمعادن الأخرى. وقد أثار ذلك مخاوف من أن الأرض النادرة قد تكون التالية.
ودعا فانون والعديد من السياسيين الأميركيين الحكومات الغربية إلى إنشاء مراكز مركزية لمعالجة المعادن النادرة، وهي خطة تنفذها كندا بالفعل.
وفي ساسكاتشوان يعمل خبراء الحكومة على إطلاق تقنية خاصة بهم لمعالجة العناصر النادرة بعد تعثر محاولات شراء التكنولوجيا الصينية في عام 2020.
وقال مايك كرابتري، الرئيس التنفيذي لمجلس أبحاث ساسكاتشوان (أس.آر.سي) الذي تموله حكومة المقاطعة “لقد نظرنا إلى التقنيات الحالية وقلنا: هناك طريقة أفضل للقيام بذلك”. وأضاف “أردنا أن نضع عليها لمسة خاصة بنا”.
وباستخدام الذكاء الاصطناعي صممت الشركة معدات معالجة تعتقد أنها أكثر كفاءة من المنافسين الصينيين.
وبدلا من الحاجة إلى 100 شخص لتشغيل المصنع، كما هو الحال مع استخراج المذيبات التقليدية، تقدر أس.آر.سي أنه ستكون هناك حاجة إلى أربعة أشخاص فقط لتشغيل مصنعها، الذي تأمل في افتتاحه بحلول نهاية عام 2024.
وفي حين أن هدف أس.آر.سي هو تحفيز التعدين في جميع أنحاء كندا، يبدو كرابتري منفتحا على ترخيص التكنولوجيا لاستخدامها في أي مكان في العالم. وقال “هذا القطاع بأكمله يحتاج إلى النمو خارج الصين من أجل دعم تحول الطاقة”.
وتعتقد شركة كرابتر وأس.آر.سي أن كلفة بناء منشأتهما أكبر من كلفة المنافسين الصينيين، ولكن تشغيلها أقل، وهو ما يرجع إلى رغبتهما في صنع معدات معالجة لا تحتوي على نفايات وتعيد تدوير الأحماض والمواد الكيميائية الرئيسية الأخرى.
وبينما تكافح أم.بي ماتيريالز وغيرها لتصميم معدات المعالجة الخاصة بها لتتناسب مع رواسب جيولوجية محددة، تعتقد أس.آر.سي ويوكر وآخرون أن عمليات التكرير الجديدة الخاصة بهم ستكون قادرة على معالجة المعادن المهمة من مواقع متعددة في أنحاء العالم.
وقال ستيف شوفستال من مؤسسة سبروت أنيرجي ترانزيشن ماترليالز، التي تمتلك أسهمًا في العديد من شركات العناصر الأرضية النادرة، “ستكون هذه المصادر الجديدة للأتربة النادرة ذات أهمية قصوى إذا أردنا الوصول إلى أهداف صافي الصفر العالمية”.
