التوقعات تلاقي الواقع في وساطات الصين الشرق أوسطية

قبل فترة طويلة من اندلاع أزمة غزة اقترحت الصين بنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط في تجسيد لمبادرة الأمن العالمي التي أطلقها جينبينغ، وتتأسس على مفهوم أمني جماعي وشامل.
الخميس 2023/12/07
أزمة غزة فرصة بكين لإثبات مكانتها

مع اندلاع الحرب في غزة اتبعت الصين دبلوماسية نشطة لتصبح بذلك وسيطا أساسيا. ونظرا لدور بكين في تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية خلال السنة الحالية، أصبحت التوقعات مرتفعة بشأن قدرتها على تحقيق نجاح جديد.

لكن الصين لم تحقق الكثير في غزة حتى الآن، ويجب ألا يفاجئ هذا أحدا. فلماذا تبقى بكين ملتزمة بالتفاوض؟

هناك ثلاثة أسباب على الأقل لاستمرار مشاركة الصين. أولا، يريد القادة الصينيون أن يُبرزوا مكانتهم في الشرق الأوسط. وبينما تعمل الصين على بناء صورتها وتعزيزها لتبدو من أصحاب المصلحة المسؤولين والقوى العظمى، يصبح التغيّب عن محاولات حل الأزمات (وخاصة بهذا الحجم) أمرا لا يمكن تصوره.

لذلك تجتهد الصين وتعمل على تنويع علاقاتها الاقتصادية وتعزيز علاقاتها السياسية في المنطقة، خاصة مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتسعى إلى أن تصبح مزودا للأمن مثل الولايات المتحدة. ويتمثل هدف الرئيس شي جينبينغ السياسي المعلن في رفع مستوى مشاركة الصين في الأمن الإقليمي والشؤون السياسية وترسيخ بلاده لتصبح قوة جيوسياسية رئيسية.

◙ نفوذ الصين على عملية صنع القرار في إسرائيل وفلسطين وقدرتها على إقناع الجانبين بتبني موقف قد لا يتوافق مع مصالحهما الوطنية محدودان

ثانيا، توفّر أزمة غزة فرصة للصين يمكن لها أن تعزز من خلالها موقفها وعلاقاتها مع الدول العربية والإسلامية، وخاصة عبر دعم فلسطين. وكان هذا هو الموقف الافتراضي الذي اتخذته الصين خلال فترة الحرب الباردة، وهو لا يزال يكسبها نقاط حسن النية بين حلفائها العرب.

ثالثا، قبل فترة طويلة من اندلاع أزمة غزة اقترحت الصين بنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط، في تجسيد لمبادرة الأمن العالمي التي أطلقها جينبينغ. وستتأسس مبادرة الأمن العالمية على مفهوم أمني جديد جماعي وشامل وتعاوني ومستدام. وستقودها دول الشرق الأوسط، وستتبع ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها، وتُنفّذ من خلال الحوارات الأمنية الإقليمية.

ويتلخص جوهر مبادرة الأمن العالمية في رؤية بديلة للأمن الإقليمي والعالمي بما يختلف عن القاعدة التي أنشأها الغرب بقيادة الولايات المتحدة. ولن يرتكز الأمن على القيم الديمقراطية المشتركة والمعسكرات الثنائية، بل على التسوية والتفاوض والتعايش.

مفهوم التسوية هذا يشكل أساس موقف الصين من إسرائيل وفلسطين، وهي تميل إلى حل الدولتين والتنمية المشتركة.

وأخيرا، يعدّ النجاح في ما فشلت الولايات المتحدة في تحقيقه أولوية قصوى للدبلوماسيين الصينيين. وتعاملت الصين على سبيل المثال مع نظام طالبان في أفغانستان منذ انسحاب الولايات المتحدة في أغسطس 2021. وتطمح بكين إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وتخفيف سياسة طالبان الداخلية.

كما تدعو المجتمع الدولي إلى النظر في “المخاوف الأمنية المشروعة” الروسية والإيرانية.

لا شك أن الصين تحقق في البلدان الثلاثة نجاحا حيث تفشل واشنطن، وهو ما سيعزز نموذجها الأمني ونفوذ قيادتها. فالشراكة مع أعداء أميركا تخدم نقاط قوة الصين. وسيكون جذب الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الطاولة أمرا أكثر صعوبة.

وإذا أرادت الصين حقا التوسط في أزمة غزة، سيتوجب عليها أولا أن تعالج افتقارها الواضح إلى الحياد. وطالما أعلنت بكين أنها “تقف إلى جانب الدول العربية والإسلامية” في هذا الخلاف.

◙ الصين تجتهد وتعمل على تنويع علاقاتها الاقتصادية وتعزيز علاقاتها السياسية في المنطقة، خاصة مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

والحياد ليس شرطا مسبقا لنجاح الوساطة، ولكن الإنصاف مطلوب. وسيصعّب موقف الصين المتحيز، إن لم يجعل من المستحيل جذب إسرائيل إلى هذا المسار.

نفوذ الصين على عملية صنع القرار في إسرائيل وفلسطين وقدرتها على إقناع الجانبين بتبني موقف قد لا يتوافق مع مصالحهما الوطنية محدودان. ولا تتمتع الصين بنفوذ حاسم على أي من الجانبين يبقى محدودا، وخاصة حماس. ومن غير المرجح أن تنجح بكين في تعبئة موارد كبيرة لتحفيز الهدنة. لا جدال أن الصين كانت مشغولة منذ هجوم حماس يوم 7 أكتوبر. وسافر المبعوث الصيني المعني بقضايا الشرق الأوسط تشاي جون إلى قطر والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار. كما التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي وفدا وزاريا عربيا إسلاميا خلال الشهر الماضي لتأكيد دعم الصين للدول المعنية.

ورغم دبلوماسيتها المكوكية، تبدو توقعات الصين معتدلة. وبينما تعتبر بكين منخرطة بدرجة لا تستطيع فيها البقاء على الهامش، يبقى من المؤكد أنها لا تتحمل وهمَ القدرة على حل الأزمة بمفردها.

ومن المفارقات أن هذا قد يكون كافيا لتحريك البوصلة. وقد تمهد التوقعات الواقعية والدبلوماسية الحذرة الطريق أمام حلول أكثر طموحا وفعالية في المستقبل.

9