العلاقة الإيرانية - الصينية: كثير من الاستعراض وقليل من المحتوى

الاستثمار الصيني في المنطقة يبرز أن بكين لا تفضل طهران على دول مجلس التعاون الخليجي حيث بلغ إجمالي تجارة الصين مع السعودية والإمارات وسلطنة عمان والعراق 230 مليار دولار عام 2021.
الثلاثاء 2023/02/28
الصين تتطلع إلى خلق توازن في الشرق الأوسط

معظم العناوين الرئيسية التي تناولت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين يوم 14 فبراير ركزت على آفاق إحياء الاتفاق النووي الإيراني وكمية النفط التي قد تشتريها الصين من طهران.

ولكن، عند النظر في هذه التطورات بتأنّ تبرز لنا صورة أكثر واقعية للعلاقات الصينية – الإيرانية.

وافقت الصين في 2021 على استثمار 400 مليار دولار على مدار 25 عاما لدعم تنمية إيران. وأشارت الأخبار إلى “تفعيل” الاتفاقية العام الماضي عند زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى الصين، مما دفع إلى توقّع أن تتيح زيارة رئيسي التوصّل إلى اتفاق حول تفاصيل تتعلق بمرحلة التنفيذ.

ومن نافلة القول إن سعيهم قد خاب. وفي حين طُرحت قائمة طويلة من القضايا المتفق عليها كالسيادة والحكم وخطة العمل الشاملة المشتركة والمصالح الإقليمية، يتبين لنا أن الزيارة لم تعزّز الاتفاقات الاقتصادية، ولم تبرز أيّ إشارة إلى قطاع الطاقة أو زيادة الواردات الصينية من النفط والغاز الإيرانيين، وهو القطاع الذي شهد تعهدا صينيا باستثمار 400 مليار دولار. وكان الإعلان الأهم متعلقا بالتعاون في التقنيات الزراعية.

◙ الصفقات التي وقعتها الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي شاملة، وغطّت مجموعة من الصناعات في الطاقة الخضراء والتقنيات الرقمية والنقل والبنية التحتية

جذبت إيران 5.95 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر منذ أن تولّى رئيسي السلطة في أغسطس 2021، وكان نصفها تقريبا من روسيا (2.7 مليار دولار). واقتصر وجود الصين على المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم التي لا تتجاوز قيمتها 185 مليون دولار. ولم تتحقق الوعود المتفائلة التي قدّمتها بكين لطهران في 2021 بعد.. فماذا تنتظر الصين؟

أوّلا، تعرضت الصين لضغوط دولية كبيرة بسبب علاقاتها الاقتصادية مع روسيا منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وسيكون الاستثمار بكثافة في إيران الآن سببا للمزيد من التحريات، ويعرّضها لجولة جديدة من العقوبات الأميركية. وكانت عوامل كهذه قد دفعت الصين إلى النأي بنفسها عن الاستثمار الكثيف في أفغانستان.

ثانيا، يرى المراقبون الصينيون الذين ينتقدون الماضي الثوري لإيران والسياسة الخارجية التوسعية أن الصين تتطلع إلى خلق توازن في الشرق الأوسط من خلال الحد من الاستثمار في طهران. ويشير هذا الاتجاه إلى أن بكين تعارض دعم إيران للجماعات الإقليمية المتشددة وتريد معاقبة طهران لزعزعتها استقرار جوارها.

ثالثا، كانت خطة العمل الشاملة المشتركة سيفا ذا حدين بالنسبة إلى الصين. ويواجه انخراط الصين الاقتصادي مع إيران خطر عقوبات مالية إن لم يتقرر استئناف الاتفاق النووي. ولكنّ إحياءها سوف يمكّن إيران من إعطاء الأولوية للمستثمرين “الودودين” الأوروبيين، بما يتجاوز الصين تماما. وبينما دعت الصين علنا إلى استئناف الصفقة، لا يمكن تجاهل آثارها على مستقبل علاقاتها الاقتصادية بطهران.

من الواضح أن الصين لن تتخلى عن إيران كما لم تتخل عن روسيا. وسترى الصين في إيران شريكا مفيدا في منطقة مضطربة، ومصدرا محتملا للتعاون في المستقبل طالما يشترك البلدان في أجندة مواجهة الهيمنة الأميركية وتقويضها. وتؤكّد زيارة رئيسي ووعد الرئيس الصيني شي جين بينغ برد الجميل هذه القناعة السياسية.

لكن الصين تتطلع إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة أيضا بدلا من إبقاء تركيزها مقتصرا على إيران. ويبدو تطوير علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي على رأس قائمة أولويات بكين في الشرق الأوسط.

◙ الصين تعرضت لضغوط دولية كبيرة بسبب علاقاتها الاقتصادية مع روسيا منذ بداية الحرب على أوكرانيا، وسيكون الاستثمار بكثافة في إيران الآن سببا للمزيد من التحريات

تحتاج الصين إلى الإبقاء على علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران لأسباب عملية واقتصادية. وكان هذا مضمون زيارة الرئيس الصيني عام 2016 إلى المملكة العربية السعودية وإيران، ومضمون زيارة وزير الخارجية وانغ يي عام 2021 إلى السعودية وإيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان. ويمكن استنتاج أن بكين أرادت موازنة تلك الرحلة بدعوة رئيسي بعد أن زار شي جين بينغ السعودية في ديسمبر الماضي.

لكن الرمزية لا تدرّ الأموال. ويُبرز الاستثمار الصيني في المنطقة أن بكين لا تفضل طهران على دول مجلس التعاون الخليجي. حيث بلغ إجمالي تجارة الصين مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والعراق 230 مليار دولار عام 2021، وكان حجم التجارة مع السعودية وحدها 82.4 مليار دولار. وبلغت تجارة الصين مع إيران بالمقارنة 14.7 مليار دولار في 2021، ثم ارتفعت إلى 15.8 مليار دولار سنة 2022. وليست إيران من بين أكبر 10 موردي النفط الخام للصين.

وكانت الصفقات التي وقعتها الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي شاملة، وغطّت مجموعة من الصناعات في الطاقة الخضراء والتقنيات الرقمية والنقل والبنية التحتية. وهي محددة بجداول تنفيذ، بما يُميزها عن الاتفاقية الصينية – الإيرانية التي تمتد على مدى 25 عاما، وهو تعهّد يبدو مبهرا على الورق ولكنه يفتقر إلى ما يدعمه. وهذا لا يعني أن الصين لن تنفّذ الاتفاقية ولكن عدم تحركها الآن لا يساعد إيران في أصعب أيامها.

وتوجّه رئيسي إلى جامعة بكين العريقة في اليوم الثاني من زيارته الرسمية إلى الصين، حيث مُنح لقب أستاذ فخري. كان الحفل رسميا ونقل الكثير من المشاعر الدافئة، لكنه لم يحقق أيّ خطوة في اتجاه تعزيز هدف تأمين الاستثمارات التي قد تساعد في استعادة الثقة في الاقتصاد الإيراني المتعثر. وخلا هذا الاحتفال الشكلي من كل مضمون، مثله مثل كل مراحل زيارة الرئيس الإيراني إلى الصين.

8