نقاد سوريون يحتفون برياض الصالح الحسين وريث رامبو وبوشكين والشابي

شاعر سوري رحل مبكرا تاركا بصمة خاصة في كل ما كتبه.
الأربعاء 2023/12/06
شاعر جمع بين الثقافة الإنسانية وعالمية الروح

من التجارب الشعرية الرائدة في قصيدة النثر نجد الشاعر السوري رياض الصالح الحسين، الشاعر الذي توفي شابا ومع ذلك ترك إرثا شعريا هاما للغاية، في اختلافه عما كان يكتب أواسط القرن العشرين من الشعراء العرب، وفي رقته وتجديده الكبير في بناء النص الشعري، وهو ما جعله مصدر احتفاء دائم حتى بعد رحيله.

دمشق - احتفت مجموعة من النقاد والأدباء السوريين مؤخرا بالشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين (1954 – 1982) الذي غادر عالمنا في شهر نوفمبر منذ أحد وأربعين عاما، ومع ذلك مازالت ذكراه ونصوصه ملهمتيْن للكثير من الشعراء.

ووقف المتدخلون على الخصائص الفنية التي جعلت من شعر الحسين يلقى انتشارا واسعا خاصة بعد رحيله المأساوي في عمر مبكر، بينما لم يمنعه المرض من أن يترك تجربة شعرية فريدة من نوعها فيما يمكن تسميته بقصيدة النثر أو القصيدة الحرة.

مميزات شعرية

قدمت قراءات نقدية في كتابات الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين ضمن محاور الندوة التي أقامها المركز الثقافي العربي في أبورمانة، حيث تمت خلالها قراءة نصوص شعرية للشاعر الراحل وعدد من الآراء والانطباعات حول شعره وحياته شاركت فيها مجموعة من الأدباء والباحثين والنقاد.

وقدم مقرر جمعية القصة الأديب عماد نداف قراءة موسعة في مؤلفات الشاعر الراحل توقف فيها عند ظاهرة الشاعر رياض الصالح الحسين في زمانه، ومكانته في زماننا والرابط الفني والفكري بين ماضيه وحاضره.

وتناول الأديب نداف الظروف التي عاش فيها الشاعر الحسين في أبعادها الوطنية والاجتماعية والأدبية، مشيراً إلى ميزات الكتابة الشعرية لديه وخصوصية اللغة المستخدمة والقضايا والقصص التي تثير المتلقي في كتاباته لما تمتلكه من قيمة فنية وبساطة.

تجربة الشاعر رياض صالح الحسين لا يمكن تقديمها كحالة ريادية في عالم الحداثة لكنها ذات خصوصية فريدة

وقرأ الأديب نداف مقاطع من أشعار الحسين في إطار كل فكرة أوردها في مشاركته، موثقا ما أتى به وفق منهجية النقد ودقة تكوينه الفكري والأدبي.

وقد تميز شعر الحسين منذ بداياته بالسوداوية، وبالحزن المرافق لكل كلمة خطها، كان الموت في قصائده موجودا شاعريا ومحبا، لم يتطرق إلى الموت على أنه الفجيعة الكبرى أو المصيبة المحققة، تعامل مع نصوص الموت كحالة حياتية اعتيادية، كأنها روتين يومي يعنيه شخصيا، فحمّل قصائده معاني الموت والوداع والرثاء، كأنه استشعار لموت قريب وحياة لن تطول، فحضر الموت في أكثر من قصيدة واضحا جليا مثل “العاشق يحفر قبره بأظافره” و”الولد في فناء قبره يدور بدراجة من عظام” وكذلك “الكاتب يكتب منذ أن مات” و”الفتاة الميتة تحلم في القبر بثوب أزرق وبزيارة خالتها” و”الفنان في القبر يجمع السلاميات ليصنع منها خواتم وأقراطا” و”الرجل الميت يتنزه في القمر المنتحر بخنجر الذكرى”.

وقد أثرت حياة الشاعر بكل تقلباتها، وخاصة تجربة المرض، في نصوصه. فقد عانى منذ صباه من قصور كلوي وكبر الصبي وكبر معه المرض، بما خلفه من آلام وآثار جانبية بقيت ملازمة له وأثرت على حواسه ولكنها غذت شعره بالمزيد من الطاقة الخلاقة رغم سوداويته وحزنه.

كان الشاعر مدركا لجمال الحياة رغم حزنه، حاول أن يعيش حياة مختلفة، حياة جميلة، يرويها للأحفاد وللأصدقاء على مقاهي الغرباء، في عمر يروي فيه الشاعر عن حياته وخيباته وانتصاراته. لكن كليته لم تعطه مهلة أخرى، في مرض أخير، دخول أخير لمستشفى شهد أول خطأ أودى بسمعه، هذه المرة أودى بحياته.

ورأى الباحث بكور عاروب أن تجربة الشاعر رياض صالح الحسين لا يمكن تقديمها كحالة ريادية في عالم الحداثة كنظرية وهيكلية، فقد سُبق في ذلك، لافتاً إلى أنه يحسب لرياض صالح الحسين أنه امتلك أدوات خاصة وحوضا لغويا بسيطا وقدم القصيدة النثرية بسلاسة بعيداً عن الغرائبية وبصور ثرية متنوعة، ما يعكس تراكمه المعرفي الكبير الذي حصله خلال فترة زمنية قصيرة.

الثقافة الإنسانية

الشاعر تميز بخصوصية اللغة المستخدمة والقضايا والقصص التي تثير المتلقي في كتاباته لما تمتلكه من قيمة فنية وبساطة

اعتبر عاروب أن أهم النقاط التي يجب الإشارة إليها في مؤلفات الشاعر الحسين أنها جمعت بين الثقافة الإنسانية وعالمية الروح.

وأكد عاروب أن كل حالة أدبية تختلف عن غيرها ولكل خصوصيته، فالحسين يختلف عن رامبو لكنه لا يقل عنه وعن الشابي وبوشكين ولكل منهم مكانته.

وقد أثبت الشاعر جدارته من خلال تفرد تجربته عبر نحتها في ما هو خاص وفي تفاصيل حياته ومشاعره وآلامه الخاصة التي نسج منها حكاية إنسانية متكاملة، ربما لم يكتب لها النجاح الكبير في حياة الشاعر لكنها حققت انتشارا كبيرا بعد رحيله.

وهذا يؤكده ما كتبه أحمد طلب الناصر فـ”المعاصرون للشاعر الحسين ممن ربطتهم به علاقة معرفة أو صداقة من داخل الوسط الأدبي، وهم قلّة، والقارئون لنصوصه من خارج دائرة المعرفة الشخصية، يدركون جيداً مدى الخصوصية والاختلاف في شعره، في زمنٍ كانت قصيدة النثر قد أنهَتْ لتوها معركة إثبات الذات، أو كادت، بالرغم من حضور محمد الماغوط وعلي الجندي وفرج بيرقدار وبشير البكر وفايز خضور وفواز القادري وإبراهيم الجرادي ونزيه أبوعفش وكثيرين غيرهم”.

وفي نهاية الندوة ألقى الشاعر أكرم الصالح الحسين شقيق المحتفى به نصين اختارهما من شعر أخيه، بينما قدم الأدباء والكتاب الحضور مداخلات نقدية بقضايا وميزات فنية مختلفة شملت شعر الشاعر الحسين.

ورأى رئيس المركز الثقافي في أبورمانة عمار بقلة أن ما تتضمنه حياة الشاعر الحسن يستحق الوقوف عنده، ولاسيما أنه أضاف إلى الحداثة أسلوباً جديداً جمع بين القيمة الفنية والعفوية والبساطة.

13