"تراب الجنون" صرخة مسرحية في وجه الاستعمار الغربي لأفريقيا

تونس - تابع جمهور الفن الرابع ضمن المسابقة الرسمية للدورة 24 من أيام قرطاج المسرحية المنعقدة من الثاني وحتى العاشر من ديسمبر الجاري العرض المسرحي الجزائري “تراب الجنون”، وهو عمل للمسرح الجهوي محفوظ بن دهينة بولاية بشار وإخراج مختار حسين عن نص لهشام بوسهلة.
المسرحية سينوغرافيا نورالدين بعطوش ومساعد المخرج الأول قادري أحمد ومساعد المخرج الثاني أحمد جابر، وكانت الموسيقى من اختيار بوزينو صادق وحمو سيعود، وأما الكوريغرافيا فكانت لحسن الشريف.
وعلى مدى 65 دقيقة تروي “تراب الجنون” التي جسّد أحداثها عشرة ممثلين، قصة مجموعة من عمال المناجم يعملون في ظروف غير إنسانية في منجم لاستخراج الفحم على ملك أحد المستوطنين الفرنسيين إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، فيجد العمال أنفسهم مجبرين على الثقة ببعضهم البعض رغم الاختلافات، والاتحاد من أجل مواجهة المصاعب والتغلّب على الشدائد.
ويقول المخرج مختار حسين متحدّثا عن دلالة العنوان “تراب الجنون”، إنه مستوحى من أحداث حقيقية، مضيفا “قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، كان الأهالي يحفرون عن الملح وصادف أن وجدوا ترابا أسود فحملوا منه عيّنات إلى شيخ الزاوية فقال لهم إن هذا النوع من التراب هو ‘تراب الجنون’ وأن الجنّ يسكن هذه المناطق تحت الأرض التي تكون تربتها سوداء، إلى أن حلّ الاستعمار الفرنسي بالجزائر واكتشف المستعمر أن هذا النوع من التراب يحتوي على الفحم الحجري، ولذلك ركّز المستعمر المناجم لاستغلال الثروة من الطاقة”.
ويؤكّد المخرج أن هذه القصّة التي حدثت بالفعل في الجزائر ما هي إلا صورة مصغّرة عن الوضع في أفريقيا حيث تعمد القوى الغربية إلى اليوم إلى نهب ثروات الأفارقة وخيراتهم مقابل استغلالهم الموحش والمفرط في العمل واستعبادهم وتفقيرهم.
ولتسليط الضوء على المعاناة في مسرحية “تراب الجنون” جاء الديكور منسجما مع طبيعة الأحداث في هذا العمل، حيث حضرت فعلا دهاليز المنجم بمختلف مكوناتها من مصابيح وفؤوس وسكة حديد وعربات لنقل الفحم الحجري. كما اعتنى المخرج بملابس الشخصيات التي بدت رثّة وبالية لتتناسب مع الفضاء حيث الأتربة والغبار يكسوان المكان.
وانسجاما مع الحالة النفسية للشخصيات وما تبدو عليه من قلق وتوتّر واضطراب وحيرة وتعب، جاءت ألوان الإضاءة داكنة ويطغى عليها اللون الأزرق، فكان يرمز إلى حالة العزلة والجمود والانغلاق والسجن الذي وُضعت فيه الشخصيات.
ويُعيد المخرج الجزائري من خلال المسرحية الصراع الطبقي وقُبح الآلة الاستعمارية في استغلال البشر وتجريدهم من إنسانيتهم إلى الواجهة، في إشارة إلى أن الصراع لم ينتف من الوجود الإنساني وأنه مستمرّ إلى اليوم بأشكال وأساليب أخرى تمكّن المستعمر من مواصلة بسط نفوذه على القارة الأفريقية لاستغلال خيراتها وثرواتها وإدخال شعوبها في دوامة العنف والصراعات.