رئيس الأركان الإيراني في بغداد للمساومة بملف الميليشيات المستهدفة للقوات الأميركية

فرصة أمام إيران لطي ملف وجود المعارضة المسلحة على الأراضي العراقية.
الاثنين 2023/12/04
مساومات تحت عنوان الحوار والتفاهم

رغبة الحكومة العراقية في كف يد الميليشيات الشيعية عن استهداف القوات الأميركية، حمايةً لمصالح حيوية تجمع بغداد بواشنطن، تدفعها إلى محاولة الاستعانة بإيران صاحبة السلطة الفعلية على تلك الميليشيات التي تستخدمها كورقة ضغط على خصومها الأميركيين و”حلفائها” العراقيين على حدّ السواء. وفي هذا الإطار جاءت زيارة رئيس الأركان الإيراني إلى بغداد.

بغداد - سعت السلطات العراقية من خلال استقبالها لرئيس الأركان الإيراني محمد باقري في بغداد إلى إقناع إيران بكف يد الميليشيات التابعة لحرسها الثوري عن مواصلة استهداف القوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية لتجنّب حالة الإحراج التي أصبحت حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني تواجهها إزاء الولايات المتّحدة، بينما سعت طهران لانتزاع المزيد من المكاسب الأمنية والاقتصادية عبر مساومة بغداد على ملف الميليشيات.

وترافقت الزيارة التي استمرت يومين وأجرى المسؤول العسكري الإيراني خلالها مباحثات مع كبار المسؤولين العراقيين، مع إعلان الفصائل الشيعية المسلّحة المجتمعة تحت مسمّى “المقاومة الإسلامية في العراق” عن استئنافها قصف مواقع تواجد القوات الأميركية في العراق، في خطوة كرّست حرج حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني المرتبطة بعلاقات حيوية مع واشنطن في مقدّمتها المصالح المالية والاقتصادية الجاري التحاور بشأنها بين بغداد وواشنطن.

ووُضعت الزيارة بشكل رسمي تحت عنوان “مناقشة سبل تنمية العلاقات العسكرية بين البلدين الجارين”، لكنّ مصادر عراقية مطّلعة قالت إنّ البند الأهم بالنسبة إلى الحكومة العراقية على جدول أعمال مباحثات مسؤوليها مع باقري هو محاولة إقناع الجانب الإيراني بكف يد الميليشيات، التي تمتلك طهران سلطة واسعة على قادتها، عن مواصلة استهداف القوات الأميركية.

إيران تعلم حاجة الحكومة العراقية إلى التهدئة بعد تعرضها لضغوط أميركية وتستثمر ذلك في تحصيل مكاسب أمنية واقتصادية

وذكرت المصادر ذاتها أنّ إيران تستشعر مقدار حاجة السوداني إلى التهدئة بعد تعرّضه لضغوط أميركية شديدة، وأنّها أوفدت باقري إلى بغداد لمحاولة تحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب، وخصوصا في ما يتعلّق بملف تواجد المقاتلين الأكراد المعارضين للنظام الإيراني على الأراضي العراقية.

وعجزت القوات الإيرانية على مدى سنوات طويلة عن إنهاء النشاط المسلّح للمعارضة انطلاقا من الأراضي العراقية، لكنّ طهران توصّلت خلال الأشهر الماضية إلى اتفاق مع بغداد يقضي بنزع سلاح المعارضين وإبعادهم عن المناطق الحدودية.

وتطالب السلطات الإيرانية نظيرتها العراقية بالمضي في تنفيذ الاتّفاق بشكل كامل وصولا إلى إغلاق نهائي للملف. لكنّ مساومة إيران للعراق على ملف الميليشيات لا تتوقّف عند الجانب الأمني بل تتعداه إلى أهداف اقتصادية ومالية.

وتستخدم الولايات المتحدة الملف الاقتصادي والمالي للضغط على حكومة السوداني من أجل لجم الميليشيات وذلك من خلال التلويح بالتشدّد إزاء تطبيق العراق للعقوبات المفروضة على إيران، وباتخاذ إجراءات صارمة لتقنين حركة الدولار ومنع تهريبه إلى الداخل الإيراني.

وكان الربط واضحا خلال اجتماع عقده رئيس الوزراء العراقي مؤخرا مع السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوسكي بين قضية الدولار ونشاط الميليشيات، حيث أكّد السوداني التزام بلاده بـ”حماية البعثات الدبلوماسية وكذلك حماية المستشارين الأمنيين ضمن بعثة التحالف الدولي لمحاربة داعش”، بينما ذكرت السفيرة الأميركية في تغريدة على منصة إكس أنها ناقشت مع السوداني “التطورات الأخيرة وخطوات الحكومة العراقية لمنع الهجمات على الأفراد الأميركيين، وسبل دعم حكومة الولايات المتحدة للاقتصاد العراقي وازدهاره”.

وعلى الطرف المقابل تضغط طهران على بغداد لمنعها من الاستجابة للضغوط الأميركية ومواصلة التعاون الاقتصادي والمالي معها وإفساح المجال لمواصلة الحصول على الدولار عن طريق متعاملين ومؤسسات تابعة لها وتعمل تحت يافطات عراقية.

واُستقبل باقري الأحد من قبل وزير الدفاع العراقي ثابت محمد سعيد العباسي وناقش معه التعاون العسكري وعددا من القضايا الإقليمية. كما عقد مباحثات مع وزير الداخلية عبدالأمير الشمري تطرّقت إلى موضوع “تأمين الحدود العراقية – الإيرانية ومكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتكثيف العمل في المجال الاستخباري”.

والتقى المسؤول الإيراني أيضا رئيس أركان الجيش العراقي عبدالأمير يارالله. وقالت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء إنّ باقري أشار خلال زيارته الرسمية الأولى للعراق ولقاء يارالله “إلى القواسم المشتركة الكثيرة والعلاقات الطيبة بين الشعبين الإيراني والعراقي”، معتبرا أنّ “لدى البلدين تجارب جيدة وقيّمة في الحرب ضد الإرهاب، ويمكنهما تبادل تجاربهما”. وأفاد بأن إجراء مناورات مشتركة على حدود البلدين “سيضمن استقرار الأمن على الحدود”، مضيفا قوله “الحدود المشتركة بين البلدين فرصة لزيادة التعاون وتحقيق المنفعة للشعبين”.

وعن الجانب العراقي أكد يارالله استعداد القوات المسلحة العراقية لتطوير التعاون العسكري والدفاعي والتدريبي والتمارين المشتركة وتبادل الخبرات مع الجانب الإيراني.

وبالتزامن مع وجود رئيس الأركان الإيراني في بغداد أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهو المسمى الذي يطلق على مجموعة من الميليشيات الولائية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، الأحد أنها قصفت بطائرة مسيرة قاعدة عسكرية عراقية في مطار أربيل بإقليم كردستان العراق تضم قوات أميركية.

وكانت تلك الميليشيات قد أوقفت هجماتها خلال فترة الهدنة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية، بعد أن كانت قد نفّذت منذ اندلاع الحرب في غزة أكثر من خمسة وستين عملية قصف بطائرات مسيرة وصواريخ استهدفت القواعد العسكرية في كل من العراق وسوريا.

وخلق ذلك وضعا محرجا لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي حاول الحدّ من تداعيات سلوك الميليشيات على علاقات حكومته بواشنطن من خلال إجرائه اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، جدّد فيه تعهّد حكومته بحماية المستشارين والخبراء الأميركيين الذين يتمركزون في القواعد العسكرية العراقية بغرض تدريب القوات العسكرية والأمنية العراقية على استعمال السلاح.

غير أن متابعين للشأن العراقي أكّدوا عدم قدرة الحكومة العراقية على ضبط حركة الميليشيات، وأنّها تحتاج في ذلك إلى دعم مباشر من قبل إيران ما يجعل لزيارة باقري إلى بغداد في هذا الظرف أهمية استثنائية لدى حكومة السوداني.

3