إزالة الكربون تعزز وتيرة النمو في أسواق العمل العربية

الاستثمارات الخضراء يمكن أن توفر 10 ملايين وظيفة بحلول 2050.
الاثنين 2023/12/04
مجرد حلقة في سلسلة لا تنتهي!

تحمل التوقعات حول نمو أسواق العمل العربية خلال السنوات الثلاثين المقبلة في طياتها الكثير من التغييرات الجوهرية بالنظر إلى الفرص الكثيرة التي يمكن أن توفرها إستراتيجية إزالة الكربون والتحول الأخضر.

دبي - يتزايد قلق الخبراء والمختصين من التأثيرات السلبية التي قد يخلفها تنامي الأزمات المختلفة على أسواق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليس فقط من حيث الكم، بل قد يطال جودة الوظائف أيضا.

ولكن يبدو أن مسار التحول الأخضر قد يساعد في تعزيز وتيرة النمو في أسواق العمل العربية في حال اهتمت حكومات المنطقة أكثر بمشاريع الطاقة المستدامة التي يتوقع أن تكون هي الطاغية خلال العقود الثلاثة المقبلة.

وتواجه دول المنطقة العديد من التحديات من أجل تحقيق التحول إلى الطاقات النظيفة وذلك بالنظر إلى المشاكل السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية ورأس المال البشري.

وتطارد أغلب الحكومات العربية هدف تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والذي بات أحد أبرز الأزمات المزمنة بسبب صعوبة مواكبة الاستثمارات لحجم الاستهلاك، وسط صعوبات مالية خانقة رغم بروز مساع لتخفيف وقع المشكلة من بوابة الطاقة البديلة.

وتضم المنطقة عددا من أهم مصدري النفط والغاز في العالم وفي مقدمتهم السعودية والإمارات والعراق والكويت والجزائر وقطر وليبيا وسلطنة عمان، وتعتمد ميزانياتها إلى حد كبير على صادرات الوقود الأحفوري.

بيتر رادميكر: على الدول ربط المناخ بسياسات التنمية وزيادة الاستثمار
بيتر رادميكر: على الدول ربط المناخ بسياسات التنمية وزيادة الاستثمار

ورأى خبراء منظمة العمل الدولية أثناء فعاليات قمة المناخ (كوب 28) المقامة حاليا في دبي، أن الدول العربية أمام آفاق واعدة لتوسيع دور مسح البصمة الكربونية في توفير المزيد من الوظائف.

وأكد بيتر رادميكر نائب المدير الإقليمي للدول العربية في المنظمة أنه يمكن للمنطقة أن توفر 10 ملايين فرصة عمل جديدة، وتسريع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.2 في المئة بحلول عام 2050 من خلال إزالة الكربون.

وأوضح أن تحقيق الهدف سيمر من بوابة الحفاظ على البيئة عبر برامج “القدرة على الصمود” من خلال الممارسات الصناعية والمناخية المستدامة وتأمين مستقبل مستدام، وزيادة الفرص للجميع.

وقال رادميكر في مقابلة مع وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية الأحد على هامش قمة المناخ إن “الاتجاه إلى الطاقة الجديدة ساهم في توفير نحو 13.7 مليون وظيفة في مجال الطاقة المتجددة على مستوى العالم”.

وتشارك المنظمة في كوب 28 لضمان أن تشمل جهود تغير المناخ جميع الأشخاص حول العالم والتأكد من التزامهم بالعمل لمواجهة هذه الظاهرة، ومراقبة تبعات تأثيرها على الوظائف في مناطق كثيرة أبرزها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبمناسبة القمة أطلقت المنظمة التابعة للأمم المتحد تقريرا يتطرق إلى الآثار الاجتماعية والتوظيفية لإزالة الكربون والنمو الصناعي الأخضر والسيناريوهات التي ستواجهها المنطقة العربية.

والتقرير عبارة عن دراسة هي الأولى التي تعدها منظمة العمل الدولية بالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولفت رادميكر في تصريحاته إلى ضرورة اتباع الدول سياسات طاقة معززة، وربط المناخ بسياسات التنمية وزيادة الاستثمار، حيث أن هذه المشكلة تؤثر بطريقتين هما فقدان الوظائف وفي الوقت نفسه توفير وظائف جديدة.

وأكد أن المنطقة إذا اتخذت سيناريو جادا من أجل قيادة نشاط التحول العالمي في مجال الطاقة ليصبح إجمالي الناتج المحلي وفقاً لهذا السيناريو أعلى بنسبة 3.5 و4.8 في المئة، سيؤدي ذلك إلى استحداث 6.6 مليون فرصة عمل.

وأثنى على جهود الإمارات في تفعيلها الصندوق العالمي للمناخ باعتبارها أولى الدول التي دعمته، واعتبر الخطوة بأنها قوية في سبيل دفع العمل في هذا المضمار.

ويسهم الصندوق في جانب من أعماله في الاعتناء بالأشخاص المتأثرين بالتغير المناخي خاصة من سيفقدون وظائفهم، بجانب التكيف مع سبل عيش أخرى من خلال توفير أجندة بديلة لهم.

وذكر رادميكر أن الدراسات التي تضمنها التقرير استمرت منذ انتهاء كوب 27 وقد احتضنتها الإمارات للنظر في كيفية تأثير المناخ على سوق الوظائف مع اتخاذ أجندة عمل مناخية طموحة وتأمين برامج انتقال خاصة بهم.

وبحسب المنظمة سيؤدي سيناريو السياسات الصناعية القوية في قطاعي البناء والهيدروجين الأخضر إلى استحداث نحو 2.8 و1.9 مليون وظيفة على التوالي، تليھا صناعة السيارات 1.5 مليون وظيفة، والهندسة الكهربائية 900 ألف وظيفة.

ومن المتوقع أن تحتاج القطاعات ذات الصلة بإمدادات النفط والغاز والمشتقات النفطية إلى 700 ألف وظيفة والبلاستيك إلى دعم ما يصل إلى نحو 460 ألف فرصة عمل.

وحول مواجهة فقدان الوظائف واستبدالها بالوظائف الخضراء الجديدة، أشار رادميكر إلى ضرورة “الانتقال العادل” والاستثمار في تنمية المهارات ورأس المال البشري وإعادة تدريب 16 مليون شخص.

وقال “على سبيل المثال قطاع النفط والغاز يحتاج إلى ما يقرب من 300 ألف عامل في مجال الوقود الأحفوري وإلى إعادة التدريب على الوظائف المتعلقة بالصناعات الخضراء والهيدروجين، والحصول على المهارات المناسبة.

7.2

في المئة معدل النمو الاقتصادي السنوي المتوقع للمنطقة بحلول 2050 من إزالة الكربون

ولنجاح مسار التحول شدد على دور النقابات والمنظمات غير الحكومية للقطاع الخاص والاستماع إلى ممثليهم ضمن نقاشات قمة كوب 28، ليصبح هذا النهج هو حجر الزاوية للخروج بتوصيات عادلة تأخذ بها الحكومات.

وخلص تقرير نشره مرصد الطاقة العالمي في سبتمبر الماضي إلى أن الدول العربية رفعت قدراتها في مجال الطاقة المتجددة 57 في المئة في الفترة من منتصف 2022 إلى منتصف 2023 لتصل إلى 19 غيغاواط.

وتوقع خبراء المرصد المزيد من الارتفاع بمقدار النصف بحلول عام 2024، لكن التقرير أشار إلى أن المنطقة لا تزال بحاجة إلى مضاعفة هذه القدرة 20 مرة من مصادر الطاقة المتجددة لتحل محل الطاقة التي تعتمد على الغاز.

ويعكس هذا الوضع حقيقة أن المنطقة لا تزال تدمن استخدام الغاز في تشغيل محطات الكهرباء، وهو أمر يقول خبراء إنه قد يعرقل التحول النظيف الذي تسعى له الحكومات عبر ضخ المليارات من الدولارات في استثمارات جديدة.

وتشير التقديرات إلى أن معدل نمو الطلب على الكهرباء بالمنطقة يتراوح بين 7 و10 في المئة سنويا، مقارنة بخمسة في المئة كمعدل دولي.

وقدّرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) العام الماضي أن المنطقة العربية تحتاج حتى عام 2030 إلى تمويل يزيد عن 570 مليار دولار، لتحسين قدرتها على التكيف مع آثار تغير المناخ.

11