إنشاء محكمة دولية خاصة بالنظر في الهجمات الكيمياوية في سوريا

دمشق - أطلق خبراء قانونيون دوليون ومجموعات حقوقية سورية الخميس مبادرة في لاهاي لإنشاء محكمة جديدة تنظر في الهجمات غير المشروعة بالأسلحة الكيمياوية التي جدت في سوريا خلال السنوات الماضية.
ويهدف إنشاء المحكمة إلى وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، في ظل عجز المؤسسات القضائية الدولية الحالية عن محاسبة المتورطين.
وأدت هجمات وقعت على مدار سنوات الحرب في سوريا إلى مقتل وإصابة الآلاف، كثير منهم من الأطفال، ولكن بعد مرور أكثر من عقد من الزمن لا يزال الجناة بمنأى عن العقاب.
وعمل القائمون على المبادرة في هدوء على مدى عامين لوضع الأساس لمحكمة جديدة قائمة على المعاهدات ويمكنها محاكمة من يتهمون باستخدام المواد السامة المحظورة بجميع أنحاء العالم.
وقالت صفاء كامل (35 عاما) وهي معلمة من حي جوبر بالعاصمة السورية دمشق “المحكمة بالنسبة إلى السوريين هي أمل”، متذكرة الهجوم بغاز السارين الذي وقع في الحادي والعشرين من أغسطس عام 2013 بمنطقة الغوطة والذي أدى إلى مقتل أكثر من 1000 شخص كثير منهم كانوا نائمين.
الانقسام السياسي بشأن الحرب السورية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفي الأمم المتحدة عرقل جهود المحاسبة عن الانتهاكات
وأضافت كامل “الأعراض التي تعرضنا لها الغثيان وإعياء واصفرار الوجه، وحالات إغماء.. حتى من الصغار. كان خوف كتير كبير”. وتابعت قائلة “عندما فتشنا عن الشهداء الذين فقدناهم أثناء هذا القصف الكيمياوي كان عدد الضحايا كتير كبير. لا تمحى من ذاكرتنا كيف كانت مصفوفة”.
وأظهرت وثائق اطلعت عليها رويترز أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الدبلوماسية واجتماعات الخبراء بين الدول لمناقشة الاقتراح، بما في ذلك الجدوى السياسية والقانونية والتمويلية.
وقال المحامي البريطاني السوري إبراهيم العلبي، وهو إحدى الشخصيات الرئيسية وراء هذه المبادرة، إن دبلوماسيين من 44 دولة على الأقل من مختلف القارات شاركوا في المناقشات، بعضهم على المستوى الوزاري.
وأوضح العلبي “بينما يطالب بها السوريون بشأن استخدام الأسلحة الكيمياوية في سوريا، إذا رغبت الدول في ذلك فإن الأمر قد يتجاوز ما هو أبعد من سوريا بكثير”.
ودُشن مقترح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيمياوية في الثلاثين من نوفمبر، وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيمياوية بجميع أنحاء العالم. وستكون الخطوة التالية هي أن تتفق الدول على صياغة المعاهدة.
وقال ثلاثة دبلوماسيين من دول في شمال وجنوب العالم لرويترز إن حكوماتهم تناقش إنشاء المحكمة. ورفضوا الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث في هذا الشأن.
وذكر أحد المصادر “هناك اهتمام جدي، واهتمام بالغ، واعتراف بالحاجة إلى شيء كهذا، إلى الحاجة إلى معالجة فجوة الحصانة بالأساس”.
وتحظر اتفاقيات جنيف، التي قننت قوانين الحرب، استخدام الأسلحة الكيمياوية. وشددت على ذلك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997، وهي معاهدة لمنع انتشار هذه الأسلحة انضمت إليها 193 دولة وتشرف عليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
لكن الانقسام السياسي بشأن الحرب السورية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفي الأمم المتحدة عرقل الجهود الرامية إلى المحاسبة عن انتهاكات القانون الدولي واسعة النطاق في المئات مما يشتبه بأنها هجمات كيمياوية.
ونفت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد استخدام الأسلحة الكيمياوية ضد معارضيها في الحرب الأهلية التي اندلعت في مارس 2011 والتي وصلت الآن إلى طريق مسدود إلى حد كبير.
وأقامت دول، من بينها فرنسا، محاكمات بموجب ما يسمى بالاختصاص القضائي العالمي للنظر في جرائم الحرب، لكن في الحالات التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية فعل شيء، لا يوجد كيان قانوني يستطيع محاكمة الأفراد المشتبه بهم في استخدام الأسلحة الكيمياوية على مستوى العالم.
وقال دابو أكاندي، المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة، “عندما توجد أصوات تقول ‘نحن بحاجة إلى شيء من العدالة… أعتقد أن ذلك سيكون قويا'”.
وذكر أكاندي أن هناك محاكم دولية لجرائم الحرب، من البلقان إلى رواندا ولبنان، لكن لم يركز أي منها على جريمة نشر الأسلحة الكيمياوية على وجه التحديد.
وأضاف “ستكون محاولة لسد فجوة بمعنى أنها ستكون مخصصة في الأساس للقضايا التي لا تستطيع فيها المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها القضائي. وأعتقد أن هذا سيكون الشيء المبتكر في هذا الشأن”.
وليس للمحكمة الجنائية الدولية المختصة بجرائم الحرب في العالم، ومقرها لاهاي، اختصاص قضائي في سوريا.
وتتمتع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بسلطة التحقيق في مزاعم استخدام الأسلحة الكيمياوية وتحديد الجناة المزعومين في بعض الحالات، لكنها لا تتمتع بسلطة الملاحقة القضائية. وقالت في يناير إن سوريا مسؤولة عن هجوم وقع في مدينة دوما عام 2018 وأسفر عن مقتل 43 شخصا.
ووجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن الحكومة السورية استخدمت غاز الأعصاب السارين في هجوم وقع في أبريل 2017، واستخدمت الكلور مرارا كسلاح واتهمت مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية باستخدام غاز الخردل.
واستخدمت روسيا، حليفة سوريا، حق النقض (الفيتو) مرارا ضد محاولات تمديد آلية التحقيق المشتركة التي انتهت في نوفمبر 2017.
إنشاء المحكمة يهدف إلى وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، في ظل عجز المؤسسات القضائية الدولية الحالية عن محاسبة المتورطين
بالنسبة للدكتور محمد سليم، الذي ساعد في علاج المئات من المرضى بعد هجوم الغوطة عام 2013، لا تزال صور الاختناق والموت تبكيه. ويتذكر أحد الأطفال الناجين وهو ملقى بين الجثث ويسأله “عمو أنا عايش؟”.
وقال لرويترز في لاهاي “الحقيقة عندنا شعور بالمرارة بأن المحاسبة تأخرت عشر سنوات. إذا قيد هلق مشروع انطلاق محاسبة فبيكون بعد عشر سنوات بدأ هذا المشروع. نتمنى ألا ننتظر عشر سنوات إضافية”.
وأضاف “أنا يللي بدي قوله إنه خلّي القانون الدولي والعدالة تاخد مجراها”.
وقالت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة للتحقيق في الجرائم الأشد خطورة المرتكبة في سوريا، التابعة للأمم المتحدة، إن جزءا صغيرا فقط من حوالي 200 تحقيق في جرائم الحرب السورية أجرته دول معظمها أوروبية يتعلق بالهجمات الكيمياوية.
وذكرت رئيسة هذه الآلية كاثرين مارشي – أويل أنه لا توجد فرص كافية لتحقيق العدالة في ما يتعلق بهجمات الأسلحة الكيمياوية في سوريا، وأن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة مستعدة للعمل مع محكمة جديدة.
وأضافت “هيئة دولية لديها موارد مخصصة وفريق اكتسب خبرة في إقامة دعاوى بشأن حوادث الأسلحة الكيمياوية قد تكون في وضع جيد يسمح بالتعامل مع هذا النوع من القضايا”.