مساع مغربية لتحفيز عمليات الدفع بالهواتف المحمولة

الرباط - تبذل السلطات النقدية في المغرب جهودا من أجل تركيز دعائم قوية لتحفيز عمليات الدفع بالهواتف المحمولة وهي تجربة يسعى صناع القرار إلى إثبات أنها مجدية في سياق تبني حلول التكنولوجيا المالية رغم التحديات.
وسلط المدير العام لمركز النقديات رشيد سايحي الضوء على التطور الذي يشهده هذا المجال، وكذلك على العوامل والمبادرات التي حفزت الإقبال على هذه التقنية والإكراهات التي تقف في وجه انتشارها بوتيرة أسرع.
وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء المغربية الرسمية الثلاثاء إن الدفع بواسطة الهاتف المحمول “ليس غاية في حد ذاته، بل هو تقنية تعمل على تحقيق هدفين أساسيين”.
وأوضح أن الدفع عبر الهواتف الذكية يساعد على جعل الحياة اليومية للأفراد، من خلال معاملاتهم ومبادلاتهم الاقتصادية، أكثر سلاسة مع سرعة أكبر وأمان أكثر.
أما على مستوى البلد فهو يمكّن من تحسين الناتج المحلي الإجمالي من خلال جعل النشاط الاقتصادي أكثر كفاءة وإدماجا.
ويؤكد سايحي أن مسار الدفع بهذه الطريقة يحتاج إلى بعض الوقت حتى يحل محل الدفع نقدا مستقبلا، خاصة وأن العمل بهذه التقنية انطلق بوتيرة أبطأ من المأمول.
وقال “من الواضح أننا في حاجة إلى تسريع هذه الوتيرة من خلال إجراءات ملموسة تستهدف في المقام الأول تحسين تجربة الزبائن”.
وأوضح أن الدفع نقدا سيظل حاضرا في المشهد في الأفق المنظور، والرهان يتمثل في تقليصه في النشاط الاقتصادي إلى أدنى حد ممكن.
وشدد سايحي، الذي تم تعيينه على رأس المركز في يوليو الماضي خلفا لإسماعيل بلعالي، على أن كل ذلك بهدف إدماج جميع الفاعلين الاقتصاديين من أفراد وشركات، وتسريع المبادلات التجارية وتحسين الأداء العام للاقتصاد المحلي.
وأكد أن عدد المحافظ الإلكترونية بلغ 8 ملايين محفظة، غير أن اللجوء إلى هذه الطريقة تظل ضعيفة جدا بسبب ثلاثة عوامل.
وأول تلك العوامل ما يتعلق بنطاق الاستهداف الذي يظل واسعا للغاية، وعروض السوق تتسم بالنمطية، في حين كان يفترض أن تقدم هذه العروض تجارب متنوعة حسب حاجيات كل فئة من المستخدمين وطبيعة المنظومات المستهدفة.
وقال “تركز عملنا الجماعي على جعل الأداء بواسطة الهاتف وسيلة للإدماج المالي للمواطنين الذين لا يتوفرون على حسابات بنكية، ومعظمهم ينحدرون من فئات اجتماعية معوزة”.
وبناء عليه كان الهدف يتمثل في استقطاب هذه الفئة من الزبائن المحتملين الذين تظل قوتهم الشرائية ومستواهم التعليمي وقدرتهم على استخدام التكنولوجيا، محدودة للغاية، بينما كان يتعين أن تكون الفئة الرئيسية هي الشباب الشغوفون بالتكنولوجيا والباحثون عن وسائل أسهل للتبادل.
وأضاف سايحي “هؤلاء الشباب هم رجال ونساء الغد، وبالتالي فإن الاختيار الذي يعتمده الشباب للأداء اليوم هو الذي سيشكل الوسيلة الأكثر انتشارا وتطورا مستقبلا في كل أنحاء المغرب”.
أما ثاني العوامل فيتعلق بحتمية أن يكون المستخدم واثقا من أمان رصيد محفظته الإلكترونية، ومتأكدا من إمكانية تعبئته للشراء أو تحويله إلى قيمة نقدية في كل حين وفي أيّ مكان بالمغرب.
الدفع عبر الهواتف الذكية يساعد على جعل الحياة اليومية للأفراد، من خلال معاملاتهم ومبادلاتهم الاقتصادية، أكثر سلاسة مع سرعة أكبر وأمان أكثر
فضلا عن ذلك، ينبغي إقناع المستخدمين وتحسيسهم بأمان المعاملات وبمزايا هذه التقنية، وهو العامل الثالث الذي تحدث عنه سايحي.
وقام المسؤولون بحملات تواصلية رقمية وإعلامية خلال العامين الماضي والحالي، وستتواصل سنة 2024، للتعريف بمزايا الدفع بالهواتف المحمولة.
وترافق ذلك الجهد مع الترويج للعلامة التجارية المحلية “ماروك باي”، التي تعد معيارا لضمان أمن وقابلية التشغيل البيني للدفع عبر الهاتف المحمول.
وتثير هذه التكنولوجيا تساؤلات حول ما إذا كانت ستصبح في نهاية المطاف إحدى طرق الأداء الرئيسية في المغرب.
ويرى سايحي أن مسار اعتماد التقنيات الجديدة لم يتغير، إذ يبدأ بالرفض أو اللامبالاة ثم مع أولى الاستخدامات تبدأ عملية جرد مزايا ومساوئ التقنية الجديدة والتي تفضي في نهاية المطاف إما إلى تبني التقنية الجديدة أو رفضها.
وقال “هنا نستحضر تجارب سابقة كالمسار الذي قطعه استخدام بطاقات الأداء أو اللجوء للخدمات البنكية الإلكترونية والخدمات البنكية بواسطة الهاتف المحمول”.
ولفت إلى أنه رغم أن الدفع النقدي يتسيّد المشهد “فإننا نلاحظ، على سبيل المثال، نموا بنسب من رقمين في مستوى الإقبال على منصتنا لدفع الفواتير”.
وتشير بيانات مركز النقديات أن الدفع الإلكتروني استقطب ما نسبته 40 في المئة من حجم المعاملات خلال الربع الثالث من هذا العام، أي بزيادة نسبتها 19 في المئة بمقارنة سنوية.
وأوضح سايحي أن هذه التجارب تؤكد أهمية الاستهداف الدقيق للمستخدمين بغية تسريع عملية تبني الأداء بواسطة الهاتف المحمول.
وكان مركز النقديات قد تبنى فكرة الدفع الإلكتروني منذ العام 2019، وقد استثمر منذ ذلك الحين بشكل كبير في تأهيل البنية التحتية لتستجيب لمتطلبات المبادرات المحلية، بما في ذلك تلك المتعلقة باستخدام الهواتف الذكية.