"سر لبنان بعيون كويتية" سبعون عاما من الولع بلبنان

بيروت – نظمت دار “سائر المشرق” مؤخرا في إطار “المعرض الدولي للكتاب” ببيروت ندوة عن كتاب الكاتب والمفكر الكويتي أحمد الصراف “سر لبنان بعيون كويتية”، شارك فيها الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس الكسليك الأب والأكاديمي جورج حبيقة، والأكاديمي نزار يونس والروائي عمر سعيد، وأدار الندوة وقدم المشاركين جوزيف بشاره، في قاعة المحاضرات في المعرض.
بداية ألقى بشاره كلمة رحب فيها بالمشاركين والحضور، وأشار إلى افتتان الكاتب بلبنان الذي جذبه بقيمه وتراثه وشعبه حتى أدمنه، قائلا “سحره هذا الوطن بإرثه الثقافي ومخزونه الحضاري وتنوعه الروحي وكوزموبوليتيته ورحابة حرياته وعراقة صروحه التعليمية ومؤسساته الطبية ودور نشره ونبوغ أبنائه ودفء العلاقات الاجتماعية وحلاوة العيش بين أهله”.
وأضاف “لقد سخر الصراف قلمه للمرافعة والمدافعة عن لبنان وجالياته والإضاءة على كنوزه الفكرية والإنسانية وعلى أهمية دوره ووجوده للعالم العربي فكانت هذه المقالات التي حبرها على مر السنين وضمنها بين دفتي هذا الكتاب ‘سر لبنان بعيون كويتية’ سردا لسبعين عاما من الولع بلبنان وشهادة حب تذكرنا بأن على هذه الأرض ما يستحق التمسك به والدفاع عنه”.
الصراف أظهر تفردَ لبنان الجغرافي، مسلطًا الضوء على الجبال الشامخة والوديان السحيقة والوعرة، وقد تحدث عن المسيحيين المضطهدين ومساهماتهم في جميع المجالات
ثم ألقى الأكاديمي نزار يونس كلمة عرف فيها بأحمد الصراف رجل الأعمال والأديب، لافتا إلى سر ولع الأخير بلبنان الذي عرفه منذ ستينات القرن الماضي “يوم كان وطن الثقافة والحرية ويوم كانت بيروت حاضرة العالم المشرقي وجامعته ودار نشره ومركز انبعاث نهضته في الفكر والشعر والفن والغناء كما كانت ملاذ أحراره وملجأ كل مُلاحق في بلاده، تخاطب العرب بلسان عربي فصيح وتحاور الغرب بفكره ولغاته”.
ثم ألقى الروائي عمر سعيد كلمة قال فيها “إن أعظم تكريم للكاتب هو رفع نصه من مستوى الكتابة إلى مستوى القراءة، لأن القراءة مستوى أعلى وجدا من الكتابة؛ كنت أشعر إثر قراءة كل نص من نصوص الصراف بالامتنان له؛ لما حملت ذاكرته من مشقات ومتاعب، ليشاركنا الامتنان الذي كان له الفضل الأكبر في جعل هذا الكتاب بين أكفنا كقراء”.
وأضاف “لم تكن شخصية الصراف في طفولته مجرد وعاء يمكن أن يملأه الكبار والمجتمع ورجال الدين بما يريدون، ليقولبوه بالشكل الذي يعجبهم. بل كان حساسا إلى درجة البحث والملاحظة والسعي والاستكشاف. لذا شيد عمارته الإنسانية بمواقف وآراء وأفكار جمعها عن طريق المشاهدة والبحث والخبرة والتعامل. وقد أدرك مبكراً الفرق بين الإيمان والتدين. لقد علمني الصراف بكتابه ‘سر لبنان بعيون كويتية’ أن لا شيء كالنص والإبداع يمكنه أن يوسع الجغرافيا، ويجعلها على اتساع هذا الكوكب. لا بل إن الكتابة الجمالية وكافة أنواع الإبداع ترتقي بالجغرافيا إلى مناطق قريبة جداً من السماء”.
وختم سعيد “أود أن أقول لأستاذنا أحمد الصّراف إنّ مساحة لبنان 10452 كم2 وفيروز وجبران خليل جبران والرّحابنة ووديع الصّافي وصباح وزكي ناصيف وماجدة الرّومي وزياد الرّحباني وغسان التّويني وسعيد عقل وميخائيل نعيمة وأمين الرّيحاني والأخطل الصّغير ومارون عبّود وتوفيق يوسف عواد، وأمين معلوف وكافّة المعالفة، وإيلي صعب وأحمد الصّراف وغيرهم وغيرهم، ممّن أضافوا إلى المتذوّق مساحات من لبنان الحرّيّة والإبداع الّذي يغطّي مساحة أكبر بكثير من حجمه الجغرافي على خارطة الجمال الّتي توحّد سكّان هذا الكوكب”.
أعظم تكريم للكاتب هو رفع نصه من مستوى الكتابة إلى مستوى القراءة، لأن القراءة مستوى أعلى وجدا من الكتابة
وفي كلمته قال حبيقة “إن التراثَ الفكري الغني والمتشعب الذي تركه عشاق العقل والمنطق لن يُمحى ولن يندثر. لقد تمكن المسحورون بنور العقل والمنطق الإنساني من إدامة إرث الشعوب العاشقة للحوار والمشاركة والتبادل العميق في الحياة اليومية والترحيب بالآخر المختلف كشريك في البحث عن حقائق هاربة، بعيدا من الدوغمائية الخانقة للإبداع وللفرادة والأصولية العمياء والمعمية”.
وبين كيف أظهر الصراف تفردَ لبنان الجغرافي، مسلطًا الضوء على الجبال الشامخة والوديان السحيقة والوعرة، وقد تحدث عن المسيحيين المضطهدين ومساهماتهم في جميع المجالات، من خلال مواهبهم ومهاراتهم ومعرفتهم وخبراتهم.
وتابع قائلا “في المحصلة، إن أحمد الصراف كان دائم التفكر في الباحثين والأدباء والعلماء المسيحيين البارزين الذين منحوا الشرقَ العربي الإسلامي ثقافةً واسعة وأطلقوا ما يسمى بـ’النهضة العربية'”.
بدوره قال الصراف “هذا التجاوب في الحضور والمشاركة بهذه الندوة يبعث فينا الفرح. ما هو سر لبنان؟ سر لبنان أن يتواجد أناس بأعماركم ومستوياتكم بهذا الحضور الغني الأنيق والراقي والمتنوع، ومن خلال خبرتي لا أعتقد أنه حين أكتب عن أي دولة أخرى أجد هذا الحضور اللافت، سر لبنان حين أزور أي عائلة لبنانية في أي منطقة من لبنان أجد كل الحرية في التعبير والكلام بكل حرية، لا يواجهني الخوف والقلق عند الكلام. عندما تتحدث في لبنان تشعر وكأنك تتحدث مع روحك ومع شخصك ومع أشخاص يقدرونك ويحترمون رأيك حتى لو كان رأيك مخالفا لآرائهم”.
وختم “كمواطن كويتي لا أشعر بالحرية التي أشعر بها في لبنان في أي وطن عربي، فهذا هو سر لبنان الموجود في هذه القاعة، الحضور الغني والمتنوع الذي يبتسم مفتخرا بلبنانيته”. ثم تم توقيع الكتاب في جناح دار “سائر المشرق” في المعرض.