محمد تكالة عصا الدبيبة لترويض عقيلة صالح

يتمسك رئيس مجلس الدولة الاستشاري في ليبيا محمد تكالة بمواقفه القريبة من مواقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، والمناهضة لخطوات مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح، لاسيما من حيث رفض القرارات السابقة المتعلقة بالتعديل الدستوري الثالث عشر، والتعديلات المدخلة على القانونين المتعلقين بالاستحقاقين الرئاسي والبرلماني الصادرين عن لجنة 6+6.
يؤكد تكالة على أن العملية الانتخابية يجب أن تجرى على “أسس دستورية وقانونية صحيحة” من أجل ضمان “نتائج حقيقية غير قابلة للطعون”، وترضى بها كل الأطراف، وهو ما يرى فيها الطرف المقابل كلمة حق يراد بها باطل.
والأسس التي يتحدث عنها رئيس مجلس الدولة هي تلك التي يتم الترويج لها من قبل الإقصائيين المتشددين الراغبين في البقاء في الحكم إلى أجل غير مسمى، ومن يسعون بكل قواهم لعرقلة الحل السياسي ومشروع المصالحة الوطنية بوضع شروط تعجيزية للقطع مع الماضي وفسح المجال أمام مختلف الفرقاء مهما اتسعت بينهم مسافة الخلاف، للمنافسة على إدارة الشأن العام.
يحاول تكالة الإيحاء بأنه مدافع شرس عن تنظيم الانتخابات، وعن حق الشعب الليبي في اختيار من يتولى شؤون الحكم في البلاد، وهو ما تبين بالخصوص خلال زيارته إلى واشنطن، عندما حاول إقناع المسؤولين الأميركيين بأنه لا حل سوى العودة إلى الحوار وفق مشروع مبادرة جديدة يطرحها المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، وهو ما يدافع عنه الدبيبة الذي يجد في كل تأخير للاتفاق مساحة جديدة لتكريس سلطته.
في السادس من أغسطس 2023 اختارت أغلبية أعضاء مجلس الدولة تكالة رئيسا جديدا للمجلس خلفا لخالد المشري الذي قضى في منصبه نحو 5 سنوات منذ انتخابه للمرة الأولى في 4 أبريل عام 2018.
في الجولة الأولى، حصل المشري على 49 صوتا وتكالة على 39 من جملة المصوتين وعددهم 129 عضوا حضروا التصويت، فيما حصلت المرشحة نعيمة الحامي على 4 أصوات، والمرشح ناجي مختار على 36 صوتا، وصوت عضوان بورقتين فارغتين، ثم انتخب تكالة بعد حصوله على 67 صوتا مقابل 62 للمشري في الجولة الثانية، فيما امتنع عضوان عن التصويت.
جاء ذلك نتيجة اتفاق بين القيادة المركزية لحزب العدالة والبناء الإخواني والدبيبة بوساطة تركية – قطرية على الإطاحة بالمشري واستبعاده من المشهد السياسي نتيجة اتفاقه مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على تشكيل حكومة جديدة وفق بنود الاتفاق الحاصل بخصوص القوانين الانتخابية في اللجنة المشتركة 6+6، تتولى إدارة شؤون البلاد والإشراف على الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية المرتقبة.
وصلت العلاقة بين المشري والدبيبة إلى طريق مسدود، وتبين أن هناك انقساما وسط قوى الإسلام السياسي وداخل التيار الإخواني ذاته في تقييم دور الحكومة المنتهية ولايتها، حيث اتجه البعض لمساندة المشري وأعلن البعض الآخر ولاءه للدبيبة، وهو ما جعل أطرافا محلية وإقليمية تتدخل من أجل الإطاحة برئيس مجلس الدولة دون أن يفقد الإخوان سيطرتهم على المنصب، وقد تولى فريق الدبيبة عقد اجتماعات سرية مع عدد من أعضاء المجلس حيث أجريت مفاوضات ومساومات لضمان موافقتهم على القرار. وكانت النتيجة مغادرة إخواني وتعويضه بآخر.
ويؤكد مقربون من الدبيبة أنه يرتاح لشخصية تكالة الذي كان من أبرز مؤيدي توليه رئاسة الحكومة أثناء انتخاب ملتقى الحوار السياسي للحكومة الموحدة في فبراير2021، وعندما صدر قرار بالعمل على استبعاد المشري وتعويضه بآخر، وقع اختيار الدبيبة وفريقه على تكالة، انطلاقا من أنه المؤهل أكثر من غيره للوقوف بقوة في وجه مجلس النواب ورئيسه عقيلة صالح ومستعد للتصدي لكل من يعمل على تغيير موازين القوى والإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية.
كان تكالة قد تحرك سياسيا بانضمامه إلى كتلة الرافضين لتمرير رئاسة مجلس الدولة للتعديل الدستوري الثالث عشر ثم خارطة الطريق، وشارك في رفض تشكيل لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي الدولة والنواب ومخرجاتها، وهو ما جعل منه “عصا الدبيبة” التي سيتم توجيهها لترويض عقيلة صالح.
في أول تصريح له بعد انتخابه رئيسا لمجلس الدولة، دعا تكالة إلى العمل على لم الشمل ووحدة الصف لتجنيب البلاد شر الحروب والفتن.
وقال “أدعو كافة مؤسسات الدولة إلى التواصل والعمل معا على خلق بيئة صالحة للبناء وزرع الثقة بين الليبيين على خلاف توجهاتهم السياسية”.
وأضاف أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة التجهيز للانتخابات وسيبذل مجلس الدولة جهده لبلوغ هذا الهدف، مشددا على ضرورة العمل على المصالحة الوطنية وفق بنود الاتفاق السياسي.
كانت كلماته قد اختيرت بعناية فائقة، وحاول من خلالها أن يتصرف بروح دبلوماسية، لكن وراء الأكمة ما وراءها.
وأجمع أغلب المراقبين على أن تولي تكالة رئاسة مجلس الدولة يعني استحواذ الدبيبة على كافة سلطات المنطقة الغربية بعد نجاحه في الإطاحة بأبرز مناهضي سياساته. ووصلت الرسالة إلى المنطقة الشرقية حيث كان مجلس النواب يتابع التطورات بقلق كبير على مستقبل الحوار والتوافقات بين المجلسين.
بعد تصديق البرلمان على القوانين الانتخابية، خاطبه تكالة بالتأكيد على أن أعمال لجنة إعداد القوانين الانتخابية 6+6 لاغية ولا تترتب عليها أي آثار، لعدم التزام مجلس النواب بمخرجاتها، ولجوئه إلى تعديلات عليها، مؤكدًا تمسك مجلس الدولة بما انتهت إليه اللجنة من نتائج في الثالث من يونيو الماضي.
وقال في خطاب توجه به إلى عقيلة صالح “نفيدكم بأن تقيد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بإنفاذ مخرجات عمل لجنة 6+6 الموقعة بإجماع أعضائها
في بوزنيقة بالمملكة المغربية، بتاريخ الثالث من يونيو العام 2023، وإصدارها دون إجراء أي تعديلات عليها، هو أمر واجب التنفيذ، وينأى بنا عن أي مخالفات قانونية للتعديل الدستوري الثالث عشر، الذي كان ولا يزال لدينا عليه العديد من التحفظات”.
وأضاف “ولما كان مجلس النواب لم يلتزم بإنفاذ مخرجات عمل اللجنة المذكورة ولجأ إلى إجراء تعديلات على ما قدمته، فيكون بتصرفه هذا قد حاد عن الأساس القانوني لعملية التوافق برمتها وتصبح أعمال اللجنة لاغية ولا تترتب عليها أي آثار، مثلما ينهي بتصرفه هذا دور اللجنة، ليس فقط بإعلان انتهاء مهمتها بإنجاز المطلوب، وإنما حينما جعلها ترتضي إدخال تعديلات على نسخة بوزنيقة سالفة الذكر، وهي تعلم أن مهمتها لا تخولها القيام بتصرف من هذا النوع”.
وتابع “ولما تقدم، نؤكد تمسكنا التام بنتائج عمل اللجنة المشتركة 6+6 في نسختها التي انتهت إليها بتاريخ الثالث من يونيو، ولا نجيز إجراء أي تعديلات عليها تحت أي ذرائع، ونؤكد أهمية استثمار تلك الجهود والبناء عليها متضامنين، وندعو إلى ضرورة التزام جميع الأطراف المنخرطة في العملية السياسية والمعنية بتسوية الأزمة باستئناف السير في هذه العملية، من خلال بحث ومعالجة القضايا الخلافية واقتراح سبل تبني واعتماد إطار قانوني يكون قابلًا للتنفيذ، ويقود إلى إجراء انتخابات وطنية شاملة يقبل الجميع بنتائجها”.
في العاشر من نوفمبر 2023، احتضنت العاصمة المصرية القاهرة اجتماعا بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، وأشارت مصادر رسمية إلى أنهما اتفقا على استمرار التشاور حول الأزمة السياسية للوصول إلى حل ليبي – ليبي، يحقق تطلعات الشعب الليبي ومصالحه، مضيفة أنه سيتم بحث الترتيبات بشأن اختيار رئيس حكومة موحدة والدفع سريعا نحو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
وستكون مهمة مجلس الدولة تحت رئاسة تكالة عرقلة أي خطوة في اتجاه تنظيم انتخابات رئاسية وفق القوانين المثيرة للجدل رغم اعتمادها من قبل البرلمان وصدورها بالجريدة الرسمية، والحؤول دون تشكيل أي حكومة جديدة على أنقاض حكومة الدبيبة التي أصبحت أمرا واقعا غير قابل للنقاش في المدى المنظور على الأقل.
ومحمد مفتاح محمد تكالة من مواليد 15 يناير 1966 بمدينة الخمس الواقعة إلى الشرق من العاصمة طرابلس بحوالي 135 كيلومترا، وتعد المركز الإداري لبلدية المرقب، وتحدها شرقا مدينة زليتن ومن الشمال شاطئ البحر الأبيض المتوسط ومن الغرب مدينة مسلاتة.
في العام 1986 حصل على درجة البكالوريوس في مجال هندسة الكمبيوتر من المعهد العالي للإلكترونيات في مدينة بني وليد جنوب العاصمة طرابلس. وفي العام ذاته، بدأ حياته العملية مهندسا للكمبيوتر ورئيسا لقسم التدريب بأحد مصانع الإسمنت في ليبيا إلى أن عين في العام 1992 معيدا في قسم الهندسة الكهربائية والكمبيوتر بكلية الهندسة بالخمس، ثم عضو هيئة تدريس بكلية الهندسة بذات الجامعة للمرحلة الجامعية والدراسات العليا ثم رئيسا لقسم الدراسة والامتحانات بالكلية.
سافر تكالة ضمن بعثة دراسية حكومية إلى العاصمة التشيكية براغ حيث حصل على درجة الماجستير في علم الشبكات عام 1997، وما إن عاد إلى بلاده حتى عين عضوا بهيئة التدريس بقسم الهندسة الكهربائية والكمبيوتر بكلية الهندسة بمدينة الخمس، ثم انضم إلى بعثة دراسية ثانية ليتجه إلى المجر حيث أكمل في العام 2008 دراسة الدكتوراه في شبكات الكمبيوتر من الجامعة التقنية بودابست، وتقلد خلال تلك الفترة عدة مناصب إدارية في جامعة المرقب الليبية.
بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في العام 2011، استفاد تكالة مثل عدد كبير من الكفاءات العلمية من حالة الفراغ التي تركها انهيار الدولة وتفكك مؤسساتها ودخول البلاد مرحلة الفراغ السياسي شبه التام، فاتجه إلى الشأن العام من خلال عضوية المجلس المحلي لمدينة الخمس وكانت تلك أولى خطواته في عالم السياسة إلى جانب توليه منصب عميد كلية الهندسة بالمدينة.
وفي 2012 أعلن عن فتح باب الترشح لجمعية تأسيسية وهي المؤتمر الوطني العام، فتقدم تكالة ضمن قائمة الخمس الساحل للانتخابات التي انتظمت في السابع من يوليو، وفاز بنسبة 8.75 في المئة من الأصوات، فيما شهدت البلاد فوزا ساحقا لتحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل الذي فاز بنسبة 48.1 في المئة من الأصوات، يليه حزب العدالة والبناء الإخواني في المركز الثاني بنسبة 10.3 في المئة.
من خلال نشاطه في قائمة حزب العدالة والبناء، تولّى تكالة منصب عضو مكتب الرئاسة بالمؤتمر ومهمة مراقب المؤتمر، وشارك في العديد من اللجان المؤقتة خلال تلك الفترة حتى نهاية 2015، كما تولى رئاسة لجنة تنمية وتطوير المشروعات الاقتصادية والاجتماعية.
أصبح تكالة عضوا في مجلس الدولة بداية من يناير 2016 حيث كان من بين 137 عضوا من أعضاء المؤتمر الوطني العام المنحلّ، وقد شارك في عدة لجان من بينها لجنة إعداد اللائحة الداخلية للمجلس في 2016، ورئاسة لجنة تنمية وتطوير المشروعات الاقتصادية والاجتماعية التي قدمت مشروع الإصلاحات الاقتصادية، كما كان له حضور في مؤتمرات الحوار بتونس وجنيف، وكان له دور مهم في بلورة مواقف وقرارات المجلس من الملفات المطروحة للنقاش سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
تتميز شخصية تكالة بالقدرة على تحقيق أهدافه في صمت ودون التورط في مواجهات مفتوحة ومعلنة إلا إذا كان ضامنا لنتائجها.
حقق في العهد السابق إنجازات علمية وأكاديمية واستفاد من الكثير من الامتيازات دون أن تبدو عليه علامات الانتماء الإخواني، وخلال عضويته للمؤتمر الوطني العام ثم لمجلس الدولة كان يتجنب الظهور الإعلامي والمشاركة في حلقات الجدل والسجال على شاشات التلفزيون، ورغم علاقته الوطيدة بالدبيبة، إلا أنه لم يتحرك في اتجاه التحالف الرسمي معه إلا بعد أن تأكد من أن ورقة المشري قد احترقت نهائيا.
ويرى متابعون للشأن الليبي أن تكالة شخصية سياسية لا تزال تطمح إلى لعب دور أكبر من رئاسة مجلس الدولة، ولديه المقومات التي يعتمد عليها في ذلك، وهو ورغم تحالفاته الحالية مع الدبيبة إلا أنه مستعد للتخلي عن جميع ارتباطاته من أجل تحقيق أهدافه الكبرى ومنها الترشح لمنصب رئيس دولة ليبيا.