الغموض يلف عمل لجنة الذاكرة الجزائرية – الفرنسية

عدم ارتياح جزائري لشح التنازلات الفرنسية بشأن الممتلكات المحجوزة.
السبت 2023/11/25
الجزائر تشدد على تسلّم أرشيفها المحول إلى فرنسا قبيل استقلالها

يكتنف الغموض نشاط لجنة الذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا وتفاصيل أرشيف الحقبة الاستعمارية التي انعكست على مستوى العلاقات بين البلدين، وسط قلق جزائري من تخلّف باريس عن تقديمها لتنازلات بشأن الممتلكات الجزائرية لديها، وهو ما يزيد من حجم التعقيدات التي تقترن بالملف.

الجزائر - تسود حالة من التكتم على مخارج أول اجتماع للجنة الذاكرة الثنائية التي تقرر تأسيسها أثناء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر العام 2021، في إطار تسوية ملف التاريخ والذاكرة المشتركة بين البلدين، الأمر الذي يعكس وضعية التشنج المستمرة رغم بوادر انفراج الأزمة بين الطرفين، ويضع أولى العراقيل أمام مساعي التطبيع مجددا.

وتفادت السلطات الجزائرية التعليق على نتائج الاجتماع الأول من نوعه لما يعرف بـ”لجنة الذاكرة”، التي تأسست بين الجزائريين والفرنسيين، على أمل تسوية ملف التاريخ والذاكرة المشتركة الذي ظل يلقي بظلاله على علاقات البلدين منذ عقود بسبب تباعد وجهات نظر الطرفين.

وحسب مصدر مطلع، فإن قضية الممتلكات، سواء الفرنسية في الجزائر أو الجزائرية في فرنسا، كانت أول جدار سدّ منافذ الحوار داخل اللجنة المنعقدة في بحر هذا الأسبوع بمدينة قسنطينة في شرق البلاد، الأمر الذي يبرز حجم التعقيدات التي تحيط بالملف، ولا يستبعد أن يكون اللغم الذي يفجر مسار التطبيع المحتشم بين البلدين، رغم إصرار القيادتين السياسيتين على عزله عن باقي الملفات والقضايا المشتركة.

وغاب الحدث عن الإعلام الجزائري، حيث لم يتم تداوله إلا على نطاق ضيق، سواء بإيعاز من جهات عليا، أو بسبب التكتم الذي ضرب على الاجتماع، وهو ما يصب في رغبة رسمية تترجم عدم تحمس الطرف الجزائري للاجتماع، خاصة في ظل ظهور بوادر خلافات عميقة حول الملف.

بقدر ما تعتبر لجنة الذاكرة المشتركة مفتاحا للتطبيع بين البلدين، هي أيضا لغم مرشح لنسف أي مجهود في هذا المسار

وحسب مصدر متابع، فإن “الاجتماع انتهى كما بدأ تقريبا”، أي دون التوصل إلى نتائج وقرارات ملموسة، و”أن الحصيلة لم تتعد حدود توافقات غير نهائية على بعض التفاصيل، وترحيل البعض الآخر إلى الاجتماع القادم للجنة”.

وكان البلدان قد أطلقا لجنة تعرف بـ”الخمسة زائدا خمسة”، ويرأس الجانب الفرنسي المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، وعن الجانب الجزائري المؤرخ والمستشار الرئاسي عبدالمجيد شيخي الذي تمت تنحيته في حركة مست الطاقم العام في رئاسة الجمهورية، وفيما لم تقدم الأسباب الكامنة وراء القرار، فإنه لم يتم تحديد خليفته إلى حد الآن.

وأفاد تقرير أوردته صحيفة “الخبر” المحلية بأن مقتنيات وممتلكات قادة وشهداء المقاومة، والتي جرى نهبها وتحويلها إلى فرنسا لتستقر عند عائلات أو متاحف فرنسية، كانت في صدارة النقاط الخلافية بين الوفدين، حتى ولو أن الطرف الجزائري يعتبر ذلك إنجازا قياسا بالتمنع الفرنسي طيلة العقود الماضية عن حل الملف بدعوى عدم وجود نصوص تشريعية تنظم ذلك.

وأضاف التقرير أن “الطرف الجزائري شدد على ضرورة تسلّم الأرشيف الجزائري المحول إلى فرنسا قبيل استقلال الجزائر، وسرى تفاهم بين الجانبين على تسليم أكثر من مليوني وثيقة أرشيفية مرقمنة، إضافة إلى تسهيل الوصول والاطلاع على الأرشيف أمام الباحثين الجزائريين”.

قضية الممتلكات، سواء الفرنسية في الجزائر أو الجزائرية في فرنسا، كانت أول جدار سدّ منافذ الحوار داخل لجنة الذاكرة

وشكلت عملية استكمال استرجاع رفات وجماجم المقاومين الجزائريين إبان الثورات الشعبية خلال القرن التاسع عشر، فضلا عن الممتلكات التي تعود إلى أعيان وقادة الثورات والمقاومين، والتي نهبت ونقلت إلى فرنسا على مراحل، واعتبرت تراثا فرنسيا، وتصنيفها في خانة غنائم حرب أو هدايا أو ممتلكات جرى اقتناؤها، محور خلاف حاد بين الطرفين، حيث قابل الإصرار الجزائري رفض فرنسي.

وفي الملف تندرج ممتلكات وأغراض الأمير عبدالقادر كالأوسمة والسيف التي يصنفها الفرنسيون ضمن الهدايا التي قدمها أقارب الرجل وتصعب إعادتها في هذا الإطار، إلى جانب أن المنظومة التشريعية لا تتضمن نصوصا خاصة، ولو أن الحكومة والبرلمان بصدد البحث عن مخرج قانوني يسمح بإعادة الممتلكات والتحف المنهوبة إلى حكومات المستعمرات الفرنسية سابقا، ومن بينها الجزائر.

كما كانت الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا التي استعملها الجيش الفرنسي لإبادة المقاومين والمدنيين العزل في الجزائر حاضرة في أول اجتماعات اللجنة، كما هو الشأن بالنسبة إلى مجازر الأغواط عام 1852، أين أبيد الجزائريون هناك بغاز “الكلوروفورم”، فضلا عن التجارب الكيميائية في منطقة وادي الناموس ببشار، واستعمال “النابالم” والغازات السامة بين عامي 1954 و1962.

وبقدر ما تعتبر لجنة الذاكرة المشتركة مفتاحا للتطبيع بين الجزائر وفرنسا، فهي أيضا لغم مرشح لنسف أي مجهود في هذا المسار، قياسا بدرجة الاختلاف والتباعد بين الطرفين في طرح ومعالجة الملفات ذات الصلة، كما هو الشأن بالنسبة إلى مسألة المفقودين الجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية، وفي مقدمتهم رموز وقادة الثورة الذين أخفى الاستعمار الفرنسي جثامينهم مثل العقيد سي امحمد بوقرة، والعلامة الشيخ العربي التبسي، والعربي بن مهيدي والمئات ممن يجهل مكان جثثهم أو مصيرهم.

وتميزت العلاقات الجزائرية – الفرنسية خلال السنوات الأخيرة بعدم استقرار لافت تراوح بين الهدوء والقطيعة، وبين التصعيد والليونة، مما أدى إلى تأجيل زيارة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى فرنسا عدة مرات، كما كانت ملفات التاريخ والذاكرة المشتركة حاضرة بقوة في مختلف السجالات التي تفجرت بين البلدين.

وعلى عكس بعض المستعمرات القديمة، التي اعتذرت منها فرنسا بسبب ماضيها الاستعماري، إلا أن النخب الفرنسية الحاكمة بمختلف توجهاتها السياسية والأيديولوجية تتجاهل مطالب الاعتراف والاعتذار المرفوعة من طرف بعض القوى الحزبية والأهلية الجزائرية، واهتدى رئيسا البلدين إلى تشكيل اللجنة المذكورة، غير أن طريقها محفوف بالمخاطر وفق المعطيات المسجلة في الاجتماع الأول.

4