لن أترككم نياما

عام 1916 أصدر الكاتب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي كتابا بعنوان "العبرات"، اعتمد فيه على قصص مترجمة من لغات أجنبية من بينها قصة بعنوان "صراخ القبور" وهي من تأليف اللبناني - الأميركي جبران خليل جبران.
وبالرغم من إنشائه العربي البليغ، فإن المنفلوطي لم يكن خالق نصوصه، بل كان يستعيرها من كتّاب آخرين.
ولأنه لم يكن يجيد لغة أجنبية فقد كان يعتمد على ترجمات أصدقائه. ما من أحد فعلها قبله ولا بعده.
لقد بكى الكثيرون وهم يقرأون كتاب "العبرات" من غير أن يعرفوا أنه كان كتابا منتحلا.
كان جبران قد أصدر عام 1914 كتابا بعنوان "دمعة وابتسامة".
ولا أظن أن العراقي يحيى حمدي قد استوحى ذلك العنوان حين غنى "بين دمعة وابتسامة ينقضي وياك عمري/ ما عرفت معنى الملامة سلمت بيديك أمري".
كتب إحسان عبدالقدوس رواية "دمي ودموعي وابتسامتي" التي صارت مادة لفيلم مثله نور الشريف وحسين فهمي ونجلاء فتحي وكمال الشناوي. ولو أنصت المشاركون في ذلك الفيلم لفريد الأطرش وهو يغني "يا بو ضحكة جنان/ مليانه حنان/ اضحكها كمان وكمان وكمان"، لما استطاعوا أن يستدروا دموع الجمهور.
هناك مثل شعبي عراقي يقول "أمشي ورا اللي يبكيك لا تمشي ورا اللي يضحكك".
وكانت مي زيادة قد ترجمت كتابا ألمانيا بعنوان "ابتسامات ودموع". يقول أحدهم "وراء الضحكات دموع لو رأيتها لقلت كيف يضحك هذا الذي كاد أن يجف من كثرة ما بكى".
أليس هناك ضحك تصاحبه الدموع؟ يُقال "لقد بكينا من شدة ما ضحكنا". ولأبي الطيب قصيدته المشهورة التي يقول فيها "ولكنه ضحك كالبكا" تقول وردة الجزائرية "اسأل دموع عينيا وأسأل مخدتي/ كم دمعة رايحة جاية تشكي لك وحدتي".
في المقابل تقول نجاة الصغيرة "حمد الله ع السلامة/ يبو أجمل ابتسامة" وفي عيون القلب تقول "حبيبي أه من حبيبي عليه أحلى ابتسامة/ لما بتضحك عيونو بقول يلا السلامة".
وفي المسافة بين الدمعة والابتسامة تقع حياة بأكملها بالنسبة إلى عبدالحليم حافظ "ياما.. ياما قلبي ذاب من عذاب الحب ياما/ ياما شفت النور ظلام ياما كنت اتمنى يوم يوم ابتسامة".
ولقد نقل عن الفارابي أنه أخرج في مجلس سيف الدولة الحمداني خريطة، فتحها وأخرج منها عيدانا فركبها ثم ضرب بها فضحك كل مَن في المجلس ثم فكها وغير تركيبها وضرب بها فبكى كل من في المجلس ثم فكها وركبها تركيبا آخر وضرب بها فنام من في المجلس حتى البواب فتركهم نياما وخرج.