ضبط الجبهة الإعلامية الداخلية.. الحكومة الإسرائيلية تطالب بقطع التمويل عن صحيفة تجاوزت الرقيب العسكري

نشر "هآرتس" تقارير ناقدة للجيش يجعلها بوقا لأعداء إسرائيل في نظر الحكومة.
السبت 2023/11/25
زاوية إعلامية مختلفة

قدم مكتب وزير الاتصالات الإسرائيلي اقتراحا لوقف تمويل مؤسسة صحيفة «هآرتس» ووقف الإعلانات ورسوم الاشتراك لجميع مؤسسات الدولة بعد نشرها تقارير ناقدة للجيش، متجاهلة قانون الرقابة العسكرية الذي يمنع نشر أي معلومة تمس الجيش والأمن واجتماعات الحكومة خلال الحروب إلا بعد إجازتها من الرقيب.

تل أبيب - تتجه الحكومة الإسرائيلية لفرض عقوبات على صحيفة «هآرتس»، بسبب تغطيتها للحرب و”نشر الدعاية الانهزامية والكاذبة والتحريض ضد الدولة أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة”، في ما يبدو أن الصحيفة تجاوزت تعليمات الرقيب العسكري ومررت تقارير دون أن يمرّ عليها.

وقال مكتب وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو قارعي في بيان إنه قدّم اقتراحًا إلى الحكومة لوقف نشر الإعلانات الحكومية في الصحيفة ووقف الاشتراكات فيها. وبرّر القرار بما أسماه “النشر المستمر للدعاية الانهزامية والكاذبة والتحريض ضد دولة إسرائيل أثناء الحرب، في صحيفة هآرتس”.

وتفرض إسرائيل رقابة عسكرية على وسائل إعلامها، بحيث لا تنشر أيّ مادة تتعلق بالأمن قبل الحصول على إذن بنشرها من رقابة الجيش.

ويتم تشديد هذه الرقابة التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي خلال الحروب الإسرائيلية، إذ أن أي معلومة أو صور تتعلق بالجيش والأمن واجتماعات الحكومة خلال الحروب لا تنشر إلا بعد إجازتها من الرقيب.

وبخلاف الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى، عادة ما تنتقد «هآرتس» يسارية التوجه ممارسات الجيش الإسرائيلي، كما تتخذ بشكل عام موقفا معارضا للاحتلال ومؤيدا للسلام مع الفلسطينيين.

هيئة الرقابة العسكرية تعتزم إجراء فحص دقيق للمواد الإعلامية التي يرسلها المراسلون الحربيون عن العملية العسكرية

ونشرت قبل أيام تقريرا – نقلا عن الشرطة الإسرائيلية – أفاد بأن مروحية إسرائيلية قصفت في السابع من أكتوبر الماضي فلسطينيين وإسرائيليين في بلدة رعيم بغلاف غزة، وهو ما قد يفسر ارتفاع عدد قتلى طوفان الأقصى من الإسرائيليين، ويتناقض مع الرواية الإسرائيلية بأن مقاتلي حماس تعمدوا استهداف المدنيين.

ووصفت الشرطة الإسرائيلية صحيفة «هآرتس» بالمضللة بعد نشرها التقرير.

وقال مكتب شلومو قارعي في بيان إنه “قدم للحكومة اقتراحا لاتخاذ قرار بوقف تمويل مؤسسة صحيفة ‘هآرتس’، بما في ذلك وقف الإعلانات ورسوم الاشتراك لجميع مستخدمي الدولة، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي، والشرطة، وجهاز الأمن العام الشاباك، والوزارات، وأي شركة حكومية”.

ومع إعلان الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب إثر هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، منعت الرقابة العسكرية نشر أيّ تسريبات عن اجتماعات الحكومة أو المداولات السياسية السرية، لذلك غابت تلك الأخبار عن الإعلام الإسرائيلي الذي دخل في حالة حرب وتجند بالكامل في الحرب على قطاع غزة.

واعتبر قارعي أن الصحيفة “تتخذ خطّا هجوميا يقوض أهداف الحرب، ويضعف الجهد العسكري وصمودنا الاجتماعي”. وأضاف إن “وقف شراء الخدمات من صحيفة ‘هآرتس’ من قبل الهيئات الحكومية سيقلل من الضرر الشديد الذي يشعر به المواطنون الإسرائيليون ليس فقط من المنشورات في الصحيفة، ولكن أيضا من حقيقة أنهم مجبرون على دفع ثمنها من أموال الضرائب”.

إسرائيل تفرض رقابة عسكرية على وسائل إعلامها، بحيث لا تنشر أيّ مادة تتعلق بالأمن قبل الحصول على إذن بنشرها من رقابة الجيش

واعتبر الوزير الإسرائيلي الصحيفة بأنها “بمثابة بوق لأعداء إسرائيل”، متهما إياها بـ”الدعاية في خدمة العدو وتقديم رواية أعدائنا مع تقديم الأكاذيب، واستخدام المصطلحات المناهضة للصهيونية والمعادية لإسرائيل وتبرير العدو”.

ولم تعقب «هآرتس» على اتهامات قارعي، كما لم يتضح إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ستوافق على طلبه.

ولا يتعلق الأمر بـ«هآرتس» فقط إذ أن اسرائيل تحرص على خروج رواية تناسبها للرأي العام الداخلي والغربي، ويشير متابعون إلا أن استهدافها للصحافيين لا يعتبر من باب المصادفة، إذ لا تريد أن ينقل هؤلاء صورة مضادة لها.

وذكرت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية قبل أيام قليلة، بشأن اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل أن “هناك بعض القلق في الإدارة الأميركية بشأن العواقب غير المقصودة للهدنة، إذ أنها ستسمح للصحافيين بوصول أوسع إلى غزة، وتتيح الفرصة لهم للمزيد من تسليط الضوء على الدمار هناك، وتحويل الرأي العام ضد إسرائيل”.

وبالرغم من أن الإعلام الإسرائيلي يؤدي جزءاً من المعارك ضد الفلسطينيين والعرب، ولا ينشر ما يمكن أن يمسّ الأمن القومي الإسرائيلي، إلا أنه في الإطار الداخلي استطاع أن يشكّل ضابطاً لأداء السلطة السياسية، وكشف ملفات للفساد بما يخدم المجتمع الإسرائيلي والدولة، ومنها قضايا فساد تتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وخلال الحرب الحالية، هناك اتجاه نحو رقابة شديدة على أيّ منشورات تدعم الفلسطينيين، من قبل وكالات إنفاذ القانون الإسرائيلية، حيث تقوم قوات الأمن بمنع نشر المعلومات حول الخسائر وأداء الدفاع الجوي وحالة الوحدات والمشاكل الاجتماعية التي يعانيها الجنود الإسرائيليون.

هيئة الرقابة العسكرية تعتزم إجراء فحص دقيق للمواد الإعلامية التي يرسلها المراسلون الحربيون عن العملية العسكرية

وذكرت مصادر مطلعة أن هيئة الرقابة العسكرية تعتزم إجراء فحص صارم للمقالات الإعلامية والمواد التي يرسلها المراسلون الحربيون عن العملية العسكرية في قطاع غزة. وبحسب الحكومة الإسرائيلية، فإن للمنشورات التي تتناول تفاصيل القتال عواقب سلبية على العملية العسكرية الجارية.

بالإضافة إلى ذلك، يحاول مراقبو الجيش الإسرائيلي إجبار وسائل الإعلام الأجنبية على إرسال مقالاتهم حول التصعيد في قطاع غزة للموافقة عليها قبل نشرها.

ووفقا لوزارة الدفاع الإسرائيلية، يتعين على الصحافيين المحليين والدوليين الموافقة على سياسات الرقابة من أجل مواصلة عملهم في إسرائيل.

وتعُرف الرقابة العسكرية على أنها مجموعة القوانين التي يتم فرضها لحظر نشر بعض المواد الصحفية والإعلامية على وسائل الإعلام والتي ترى فيها السلطات على أن نشرها قد يتسبب بضرر نفسي أو عسكري أو قانوني على الدولة التي تفرض هذه الرقابة أو مواطنيها. وتطبق إسرائيل ذلك النوع من الرقابة على وسائل الإعلام، جراء حالة الحرب المستمرة التي تعيشها مع بعض الدول في المنطقة والفصائل الفلسطينية.

في المقابل، يعتبر معلقون أن الهجوم الإعلامي يجعل الفوز في الحروب أكثر صعوبة. وفي هذا السياق يقول الكاتب جيرارد بيكر في مقال نشرته صحيفة “التايمز” إنه “لو تم الإبلاغ عن وفيات الألمان في عام 1944 مثل تلك التي حدثت في غزة، لكان من الممكن أن يتعرض انتصار الحلفاء إلى خطر قاتل”.

ويعتبر أن التقارير الواردة من غزة تثير سؤالاً جدياً حول طبيعة الحرب في عصر المعلومات الحديث. ويتساءل “كيف يمكنك الفوز في حرب تخضع فيها عملياتك العسكرية لمستوى من التدقيق يمكن، عن طريق الصدفة أو عن قصد، أن تصورها للجمهور العالمي على أنها وحشية، بل إنها ترقى إلى مستوى جرائم حرب؟”.

الرقابة العسكرية الإسرائيلية لم تقتصر على الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بل تطال المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي

ويؤكد بيكر أن “التحديات التي تواجهها إسرائيل في غزة هي في جزء منها مشكلة التحيز الإعلامي المتفشي، وهي قصة مألوفة بشكل قاتم في السنوات الأخيرة عبر الكثير من التغطية الإخبارية، حيث أصبح الصحافيون يرون دورهم ليس مجرد إعلام جمهورهم، ولكن أيضًا إرشادهم باستمرار حول ما يجب أن يفكروا فيه”.

وتحظر القوانين الإسرائيلية نشر أيّ مواد سرية من الأرشيف القومي الإسرائيلي إلا بعد ربع قرن على الأقل وقد تطول الفترة وفقاً لتقديرات الرقابة، ولم يطرأ على تلك القوانين أيّ تغيير منذ عقود، وهو الأساس القانوني الذي تعمل بموجبه الرقابة العسكرية اليوم، حيث تجبر هذه التشريعات فرض رقابة أمنية على أيّ محتوى قبل نشره.

ولم تقتصر الرقابة العسكرية الإسرائيلية على الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بل تطال المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتمكنت مؤخراً بعقد اتفاقيات مع كبريات شركات التواصل الاجتماعي في العالم مثل ميتا وإكس بهدف حذف أو حظر أيّ محتوى ترى فيه أنه يضر بإسرائيل. ورغم أن تلك الرقابة نجحت بحظر معلومات مهمة في أوقات السلم أو الحرب، إلا أنها صعّدت من حالة النقد الداخلي والخارجي لحالة قمع الحريات.

واقترح كبار الإعلاميين في إسرائيل مرات عدة حل معضلة التعارض بين الحاجة إلى الرقابة وبين التطبيق العملي لها واستغلالها لأهداف أخرى من خلال استبعاد الحكومة من اتخاذ القرارات الخاصة بموضوع الرقابة، أو بعبارة أخرى ألا تكون المؤسسة الأمنية هي صاحبة القرار في هذا الموضوع، أو على أقل تقدير أن يكون هناك إشراف ورقابة على عملها.

ونظرا لليونة في تطبيق الرقابة وأوامر منع النشر، فإن وسائل الإعلام لا تمارس أيّ ضغط لتغيير الوضع القانوني للرقابة، وهذا أحد أسباب فشل مقترحات الإصلاح طوال السنين الماضية.

ويبعث المراقب العسكري لوسائل الإعلام الإسرائيلية قوائم المواضيع التي يجب عرضها على الرقابة قبل النشر. ويحق للرقيب العسكري وفقاً لمواد قانون الدفاع وقت الطوارئ رقم 87 و97 أن يصدر أوامر بعرض كتب للمراجعة قبل نشرها، في حين يقتضي تقديم المواد الصحفية المتعلقة بـ”أمن الدولة” للفحص قبل نشرها، وتشمل تلك المواد السلم والنظام المجتمعي في إسرائيل، أو المتعلقة بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك العلاقات العربية – الإسرائيلية.

وبين عامي 2011 و2016 حظرت الرقابة العسكرية نشر 2000 مادة إعلامية وفق تقرير لـ”الحركة من أجل حرية المعلومات” الإسرائيلية، كما عدّلت في الفترة نفسها وفقاً للتقرير 14 ألف مادة إعلامية لكي تكون “صالحة للنشر من ناحية أمنية”، في ما تعرضت 20 في المئة من المواد الإعلامية لـ”مقص” الرقيب سواء من خلال الحظر المطلق أو التعديل.

5