"نابليون" ملحمة ريدلي سكوت الجديدة حول الحرب والسلطة والحب

بدأ المخرج العالمي ريدلي سكوت عرض فيلمه الجديد “نابليون” الذي يصنف على أنه ملحمة درامية تاريخية عن حياة الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. ورغم أن الفيلم لاقى إعجاب الكثيرين فإنه يثير في المقابل انتقادات حادة، منها ما يتعلق بالحقائق التاريخية ومدى صحتها.
باريس - قذائف مدفعية تمزق الخيول وتحول الجنود إلى أشلاء، جثث تطفو أسفل الثلج، كل هذه مشاهد من ساحة معركة مليئة بالمدفعية وسفك الدماء والفوضى.
وبين المشاهد، تظهر مشاهد لنابليون بونابرت وزوجته جوزفين دو بوارنيه. وكان الإمبراطور الفرنسي العظيم مولعا بزوجته بمقدار ولعه بالسلطة.
ويعتبر فيلم “نابليون” للمخرج ريدلي سكوت صورة ترسم توازيا بين تعطش نابليون للسلطة وعلاقته المضطربة مع جوزفين التي كانت أكبر منه بستة أعوام. وبدأ عرض الفيلم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الأربعاء.
وقال سكوت (85 عاما) لمجلة “ديدلاين” السينمائية إن نابليون غزا العالم من أجل الفوز بحبها، وعندما لم ينجح، قام بغزوها من أجل تدميرها. وخلال العملية، دمر نابليون نفسه.
وبميزانية تقدر بـ130 مليون دولار، رسم سكوت معركة عظيمة، وبالإضافة إلى الممثلة فانيسا كيربي، أعاد سكوت التعاون مع الممثل خواكين فينيكس بعد 23 عاما.
وكان فينيكس قد لعب دورا مساعدا في فيلم “غلاديتور” (المصارع) خلال عام 2000، حينما جسد دور الإمبراطور المجنون والقاسي كومودوس.
وقال سكوت إنه بالنسبة إليه، فإن فينيكس هو الوحيد القادر على تجسيد نابليون. وأضاف أن فينيكس جسد في “غلاديتور” شخصية أحد أكثر الأباطرة تعقيدا في تاريخ السينما. والآن، من خلال فيلم “نابليون”، تمكن فينيكس من القيام بالأمر مجددا.
ويؤدي فينيكس (49 عاما) دور شخصية صارمة وكئيبة في أرض المعركة، في دور مشابه لشخصيته في فيلم “غلاديتور”. ولكن في نفس الوقت، يقوم بدور المهرج عندما يفر من الساسة أو ينظر بعمق في عيني مومياء فرعونية.
ويجيد فينيكس تجسيد مثل هذه التناقضات بمهارة، كما أنه استجاب بتحد لتعليق جوزفين بأن نابليون كان سمينا إذ قال “القدر أراده أن يكون هنا، القدر أراد أن يأكل قطعة لحم الضأن”.
ويشتهر سكوت بأعماله التاريخية، فبجانب فيلم “غلاديتور”، الذي قام ببطولته أيضا الممثل راسل كرو، هناك فيلم “1492 – ذا كونكست أوف باراديز” للممثل جيرارد ديبارديو.
ومن خلال فيلم “نابليون” يعرض سكوت ملحمة قوية بصريا، وإن كان ذلك من خلال مواقع تصوير أقل إبهارا مقارنة بفيلم “غلاديتور”، ملحمة تروي بداية رحلة نابليون قبل أن يصبح إمبراطورا، ويتعرض لمراحل ارتقائه إلى السلطة من منظور علاقته بزوجته.
ويعرض الفيلم مشاهد معارك جعلت نابليون مشهورا، مثل انتصاره على البريطانيين في تولون خلال عام 1793، والحملة المصرية، والانقلاب خلال عام 1799 والحملة الروسية المصيرية.
ومن المحتم أن يخاطر أي شخص يعمل على تجسيد شخصية تاريخية بارزة مثل نابليون على شاشة السينما بمواجهة أحكام من جانب جمهور واسع النطاق وعدد لا نهائي من الخبراء. وينتقد المتخصصون في شأن نابليون، من بين أمور أخرى، المشهد الافتتاحي للفيلم الذي يظهر بونابرت خلال إعدام الملكة ماري أنطوانيت، حيث كان لا يفترض تواجده في ذلك الوقت.
وقد قدم سكوت فيلما يجتاز الحدود بين التاريخ والخيال، إذ أن “نابليون” لا يعد سيرة ذاتية تاريخية.
وخلال العرض الأول للفيلم في متحف الجيش في باريس، حيث تقع مقبرة نابليون أسفل الكاتدرائية المتاخمة لمتحف الجيش، قال فينيكس إن الفيلم يركز على الشخصيات الرئيسية وعواطفها.
وقال سكوت إنه منذ وقت طويل كان مهتما بنابليون، الذي توج نفسه إمبراطورا لفرنسا عندما كان يبلغ من العمر 35 عاما، وقضى آخر أيامه في المنفى في جزيرة سانت هيلينا الصغيرة في وسط المحيط الأطلسي. وأضاف سكوت أن الإمبراطور شخصية رائعة تجسد كل شيء، الخير والشر.
وكان نابليون قد التقى جوزفين، التي كانت أرملة تبلغ من العمر 32 عاما ولديها طفلان خلال حفل في عام 1795. ووقع على الفور في حبها، وبعد عام تزوجا.
وكان نابليون في سن السادسة والعشرين من عمره عند زواجه منها، وهي أرملة أحد قادة الثورة الفرنسية، وكانت تكبره بست سنوات. ويذكر أنه كان لجوزفين عدد من العشّاق الذين تقربوا منها خلال غياب نابليون عن فرنسا بسبب حملاته العسكرية.
وبسبب عدم إنجابها لأطفال منه، قام نابليون بتطليق جوزفين عام 1810 من أجل أن يتزوج ماري لويز من النمسا. وقد كتب نابليون أكثر من 200 خطاب حب لجوزفين، تم ذكر الكثير منها في الفيلم.
وسيعرض الفيلم بعضا من أكثر معارك نابليون شهرة، وكيف يعمل عقله الإستراتيجي جنبا إلى جنب مع تكتيكاته الطموحة والقاسية.
وتبلغ مدة عرض الفيلم 158 دقيقة، ولكنها ليست كافية لعرض تفاصيل صعود وهبوط نابليون. ومع ذلك، من المقرر أن تعرض منصة “أبل تي في بلس” نسخة من الفيلم تمثل رؤية المخرج مدتها أربع ساعات.
وقال سكوت لمجلة “إمباير” إن النسخة الكاملة “رائعة” وتحوى المزيد من التفاصيل بشأن حياة جوزفين.
وكانت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية وصفت الفيلم السينمائي الجديد منذ أن كان مشروعا ورقيا بأنه “نظرة أصلية وشخصية إلى أصول نابليون وتحوّله إلى إمبراطور، ومن منظور علاقته المتقلبة في الكثير من الأحيان مع زوجته وحبه الحقيقي جوزفين”.
ومنذ بدء عرض الفيلم، تعرض سكوت لهجوم واسع من الصحافة والمؤثرين الفرنسيين، حيث شبهت صحيفة “لوفيغارو” الفيلم بـ”باربي وكين تحت الإمبراطورية”، لكن المخرج العالمي ردّ على المراجعات الفرنسية السلبية لفيلمه بالقول إن “الفرنسيين لا يحبون أنفسهم حتى، والجمهور الذي عرضت عليه الفيلم في باريس، أحبه”.
وليست هذه المرة الأولى التي تتناول فيها السينما حياة نابليون بونابرت، فقد سبق وخصصت له السينما الفرنسية فيلما ملحميا صامتا صدر في عام 1927 من تأليف وإنتاج وإخراج أبل غاس الذي تحدث عن قصة سنوات نابليون الأولى أيضا.
وكان المخرج المصري يوسف شاهين قد تطرق إلى بونابرت في فيلم “وداعا بونابرت” 1985، قائلا إن الحملة الفرنسية “لا تزال تثير الكثير من الجدل”. ويتناول فيلم يوسف شاهين التقدّم الذي يمثله الجنرال كافاريللي (أدى الدور ميشال بيكولي) مقابل القوة العسكرية التي يمثلها بونابرت (أدى الدور باتريس شيرو).