أوبك+ يُحول تقلب أسواق النفط إلى فرص تضبط بوصلة الأسعار

فيينا - يسعى تحالف أوبك+ إلى الاستفادة من العوامل المؤثرة على اتجاهات سوق النفط العالمية خلال المرحلة المقبلة، وتحويلها إلى فرص لإطالة أمد استقرار الأسعار عند مستويات مرتفعة.
ويأتي مسار التحالف الذي تأسس في العام 2016 بغرض ضبط سوق النفط رغم أن خبراء القطاع يعتقدون أن الوقت ملائم بالنسبة إلى أوبك+ لوضع خطط “تهدئة” تتجنب أي مفاجآت.
وتراجعت أسعار النفط الخميس الماضي بنحو 5 في المئة إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر وسط مخاوف إزاء النمو الاقتصادي، ثم تعافت بعد ذلك بفضل توقعات أن يتخذ أوبك+ إجراءات لدعم الأسعار.
ومع ذلك، فقد تجاهلت الأسعار إلى حد كبير التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط منذ مطلع أكتوبر الماضي.
وارتفعت العقود الآجلة للنفط الاثنين لتواصل مكاسبها بناء على توقعات بتخفيض أوبك+ الإمدادات على نحو أكبر لدعم الأسعار التي تشهد تراجعا منذ أربعة أسابيع بفعل انحسار المخاوف من تعطل إمدادات الشرق الأوسط بسبب الحرب في غزة.
وصعدت العقود الآجلة لخام برنت 66 سنتا بما يعادل 0.8 في المئة إلى 81.27 دولار للبرميل. كما صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 60 سنتا بما يعادل 0.8 في المئة إلى 76.49 دولار للبرميل.
وانتهى عقد أقرب استحقاق لشهر ديسمبر المقبل الاثنين، في حين ارتفعت العقود الآجلة لشهر يناير 2024 الأكثر نشاطا 65 سنتا أو 0.9 في المئة إلى 76.69 دولار للبرميل.
وسجل العقدان ارتفاعا أربعة في المئة عند التسوية الجمعة الماضي بعد أن ذكرت مصادر في أوبك+ لرويترز بأن مجموعة المنتجين في أوبك وحلفائها ومنهم روسيا، تستعد لبحث ما إذا كانت ستجري تخفيضات إضافية في الإمدادات نهاية الأسبوع الجاري.
وقال جورجي ليون كبير نواب رئيس أبحاث سوق النفط في ريستاد أنيرجي في مذكرة إن “السعودية تعمل على موازنة الرغبة في إبقاء أسعار النفط مرتفعة عن طريق الحد من الإمدادات مع علمها بأن ذلك سيؤدي إلى انخفاض إضافي لحصتها الإجمالية”.
ويراقب المستثمرون أيضا احتمال تعطل إمدادات نفط خام من روسيا بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على ثلاث سفن أرسلت خام سوكول إلى الهند.
ورفعت موسكو الجمعة الماضي الحظر على صادرات البنزين مما قد يزيد من الإمدادات العالمية من وقود السيارات. ويأتي ذلك بعد أن ألغت معظم القيود على صادرات الديزل الشهر الماضي.
ويترقب المحللون ما سيرشح عن اجتماع أعضاء أوبك وحلفائها في أوبك+ الأحد المقبل في فيينا حول سياسة الإنتاج المشتركة.
ولتعزيز المعنويات، يرجح أن يؤكد التحالف مجددا على الحصص الإنتاجية القائمة لعام 2024. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تمدد السعودية خفضا إضافيا بواقع مليون برميل يوميا حتى مطلع العام المقبل.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن وارن باترسون رئيس وحدة إستراتيجية السلع لمجموعة آي.أن.جي المصرفية قوله “لا نزال نتوقع أن تمدد السعودية وروسيا تخفيضاتهما الطوعية الإضافية حتى مطلع عام 2024”.
لكنه أشار إلى أن الأقل وضوحا هو ما إذا كانت مجموعة أوبك+ الأوسع ستجري تخفيضات أخرى.
ويواجه نفوذ أوبك بعض التحديات على مر السنين مما يؤدى في كثير من الأحيان إلى انقسامات داخلية، ويمكن أن يؤدي الاتجاه العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة وخفض استهلاك الوقود الأحفوري إلى تقليص هيمنتها في نهاية المطاف.
ويمثل إنتاج أوبك+ نحو 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي والهدف الرئيسي للتحالف هو تنظيم إمدادات النفط إلى السوق العالمية. وتقوده السعودية وروسيا وتنتج كل منهما نحو تسعة ملايين و9.5 مليون برميل على التوالي يوميا.
وتشكل صادرات الدول الأعضاء في أوبك زهاء 60 في المئة من تجارة النفط العالمية. وفي عام 2021، قدرت أوبك أن الدول الأعضاء فيها تمتلك أكثر من 80 في المئة من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة.
ونظرا لتمتعها بتلك الحصة الكبيرة، يمكن أن تؤثر القرارات التي تتخذها أوبك على أسعار النفط العالمية. ويجتمع أعضاؤها بانتظام لتحديد كمية النفط التي ستباع في الأسواق العالمية.
ونتيجة لذلك، تميل أسعار النفط إلى الارتفاع عندما تقرر تلك الدول خفض الإمدادات مع تراجع الطلب، بينما تتجه إلى الانخفاض عندما تقرر المجموعة ضخ مزيد من النفط في السوق.
وفي آخر اجتماع لأوبك+ في يونيو الماضي، تعهدت السعودية بخفض إنتاجها مليون برميل يوميا في يوليو لتكون الأكبر نسبة في خفض أشمل في أوبك+ لتقييد الإمدادات حتى 2024 مع سعي التحالف لتعزيز أسعار النفط التي تتراجع.
ومددت السعودية منذئذ خفضها الطوعي الإضافي حتى نهاية هذا العام.
وكان لبعض قرارات خفض الإنتاج آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي. فخلال حرب أكتوبر عام 1973، فرض الأعضاء العرب في أوبك حظرا على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة ردا على قرارها إعادة إمداد الجيش الإسرائيلي.
وشمل القرار الدول الأخرى التي دعمت إسرائيل، كما أعلنت المنظمة تخفيضات في الإنتاج. وضغط الحظر على الاقتصاد الأميركي الذي كان يعاني بالفعل ويعتمد على النفط المستورد.
وقفزت أسعار النفط حينها مما تسبب في ارتفاع تكاليف الوقود بالنسبة إلى المستهلكين ونقص الوقود في السوق الأميركية. كما دفع الحظر الولايات المتحدة ودولا أخرى إلى شفا ركود عالمي.
وخلال عمليات الإغلاق المتعلقة بالجائحة في عام 2020، تراجعت أسعار الخام. وعلى إثر ذلك، خفض أوبك+ الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميا، وهو ما يعادل 10 في المئة تقريبا من الإنتاج العالمي، في مسعى لدعم الأسعار.