تطبيع مرتقب بين الجزائر وإسبانيا ينهي قطيعة امتدت تداعياتها إقليميا

الجزائر تعين سفيرا لها في مدريد بعد 20 شهرا من القطيعة بين البلدين.
السبت 2023/11/18
بيدرو سانشيز يدعم مقاربة الرباط في نزاع الصحراء المغربية

عكست خطوة تعيين الجزائر سفيرا لها في العاصمة الإسبانية مدريد، مساعي جدية لتجاوز مرحلة الفتور في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عشرين شهرا من القطيعة، فرضتها جملة من الإكراهات الاقتصادية والتجارية، وراهنت فيها الجزائر على هزيمة الاشتراكيين وفوز قوى اليمين، من أجل إعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي.

الجزائر - فتح التطبيع المرتقب في العلاقات الجزائرية – الإسبانية، المجال أمام تطبيع أشمل بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، فبإعلان مدريد عن اعتماد السفير الجزائري عبدالفتاح دغموم، تكون القطيعة التي ألقت بظلالها على القطاعين الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وسببت فتورا مع الاتحاد الأوروبي، قد وصلت إلى  نهايتها، خاصة بعدما تكون الجزائر قد أدركت أن دبلوماسية الجوار لا يمكن الرمي بها كلية في سلة جبهة بوليساريو.

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية عن تعيين الدبلوماسي عبدالفتاح دغموم سفيرا في مدريد بعد قطيعة دامت نحو عشرين شهرا، بسبب رد الفعل الجزائري من التحول في الموقف الإسباني إزاء قضية الصحراء المغربية، لما أعلنت إسبانيا عن دعمها للمقاربة المغربية في حل النزاع المذكور، بينما اعتبرته الجزائر تنصلا من مسؤولياتها التاريخية والسياسية باعتبارها بلدا محتلا للإقليم.

وكانت الجزائر قد أعلنت حينها عن سحب سفيرها في مدريد، وتجميد اتفاق الشراكة وحسن الجوار المبرم بين البلدين، فضلا عن وقف المبادلات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، ولم تبق إلا على الغاز رغم وقف ضخه عبر الأنبوب المغاربي العابر إلى مدريد عبر المغرب، الأمر الذي سبب خسائر لدى الطرفين، حيث تضررت مؤسسات إسبانية من تكدس الإنتاج المخصص للأسواق الجزائرية، بينما عانت الأخيرة من الندرة والغلاء بسبب التوجه إلى مزودين آخرين بكلفة أعلى، كما هو الشأن بالنسبة للدواجن والمواد الحديدية.

يبدو أن الجزائر بصدد مراجعة أوراقها تجاه أعضاء الاتحاد الأوروبي بعد الأزمة الصامتة مع فرنسا، والقطيعة مع إسبانيا

وقال بيان وزارة الخارجية الجزائرية إن “الحكومة الإسبانية وافقت على تعيين السيد عبدالفتاح دغموم سفيرا للجزائر في العاصمة مدريد”، دون تقديم توضيحات أخرى حول خطوات التطبيع بين البلدين، كعودة اتفاق الشراكة وحسن الجوار، ورفع التجميد عن الواردات الإسبانية، ولو أن توقعات ترتقب عودة النشاط والزيارات الدبلوماسية وأشكال التعاون بين البلدين في المدى القريب.

وإلى غاية الانتخابات النيابية التي جرت في إسبانيا منذ عدة أشهر، ظلت الجزائر تراهن على هزيمة الاشتراكيين وفوز قوى اليمين، من أجل إعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي، إلا أن عودة الحكومة إلى بيدرو سانتشيز في آخر المطاف، تكون قد وضعت القيادة الجزائرية أمام الأمر الواقع، خاصة في ظل تأثير الأزمة على علاقاتها مع مجموعة الاتحاد الأوروبي.

وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارته إلى دولة المجر مؤخرا، قد أعرب عن أسفه للفتور الذي يخيم على علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي، وعن أمله في أن تلعب دولة المجر دورا إيجابيا خلال رئاستها القريبة للمجموعة في تطبيع العلاقات بين الطرفين.

وذكر بيان للخارجية، على لسان وزير الخارجية، “تقاسمنا التأسف من جمود علاقات الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في المرحلة الراهنة، وآمل أن يكون للمجر دور في تجاوز هذه المرحلة، لاسيما وأنها ستتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من العام 2024”.

ويبدو أن العلاقات المشلولة بين الطرفين، ودور الاقتصاد الإسباني في تموين الأسواق الجزائرية بمختلف المنتوجات، قد ساهما في الضغط على الجزائر من أجل مراجعة موقفها تجاه إسبانيا، فيما يستبعد أن تكون المواقف تجاه النزاع الصحراوي من طرف البلدين قد سجلت أي نوع من الحلحلة، فمن المستبعد أن تتنازل الجزائر عن قضية تدخل في صميم عقيدتها الدبلوماسية، بينما لا يمكن لمدريد أن تراجع خيارها خاصة مع تجديد الثقة في رئيس الوزراء بيدرو سانشيز. 

ويبدو أن الجزائر بصدد مراجعة أوراقها تجاه أعضاء الاتحاد الأوروبي، فبعد الأزمة الصامتة مع فرنسا، والقطيعة المعلنة منذ عام ونصف العام مع إسبانيا، التي ساهمت في تأجيل عدة استحقاقات دبلوماسية وسياسية بين الطرفين، كان آخرها اجتماع مشترك طلبت الجزائر إرجاؤه بسبب ما وصفته بـ”موقف الاتحاد من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المنحاز لصالح تل أبيب”، تسعى إلى تلطيف الأجواء مع محوري باريس ومدريد، عبر عودة العمل الدبلوماسي في انتظار تفعيل باقي محطات التعاون.

وظهرت النوايا الجزائرية بشأن ذلك، من خلال التطمينات التي قدمها وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب لدول الاتحاد الأوروبي، حول التزام بلاده بالتعهدات المبرمة بينها وبين شركائها الأوروبيين في ما يتعلق بالتموين بكميات الغاز المتفق عليها، وأكد أن بلاده ستبقى “شريكا موثوقا للأوروبيين”، في تلميح إلى إزاحة ورقة الطاقة من أي تجاذب بين الطرفين.

العلاقات المشلولة بين الطرفين، ودور الاقتصاد الإسباني في تموين الأسواق الجزائرية بمختلف المنتوجات، قد ساهما في الضغط على الجزائر من أجل مراجعة موقفها تجاه إسبانيا

وظلت الجزائر متمسكة في وقت سابق بالفصل في علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي، وعلاقاتها مع إسبانيا أو أي بلد أوروبي آخر، غير أن التقاليد الأوروبية تكون رجحت الكفة لصالح الموقف المشترك في أي مباحثات حول التعاون المستقبلي بين الطرفين.

 وذكرت حينها وكالة الأنباء الرسمية عن مسؤول دبلوماسي لم تكشف عن هويته أن “المدير العام المساعد المكلف بالتجارة في مفوضية الاتحاد الأوروبي كرس اللبس عمدا بين البعد السياسي والتجاري، من خلال إعرابه عن قلق الاتحاد الأوروبي من إجراءات ردعية مزعومة اتخذتها الحكومة الجزائرية ضد إسبانيا”.

وأعربت وكالة الأنباء الرسمية عن استغرابها من “عدم إشارة المسؤول الأوروبي إلى الدور الإسباني في عرقلة عمل الهيئات المشتركة بين بلاده والاتحاد الأوروبي”، وذكرت على لسانه قوله “بطبيعة الحال، لم يتطرق هذا المسؤول البتة إلى الموقف المعرقل للحكومة الإسبانية التي تقف في وجه تبني أولويات الشراكة التي تم التفاوض بشأنها، ووضع صيغتها النهائية منذ عدة أشهر في إطار سياسة الجوار الأوروبية”.

وأضاف “كما أنه غض الطرف أيضا عن موقف إسبانيا غير المسؤول، بحيث إنها تستغل بطريقة تعسفية قاعدة الإجماع لعرقلة انعقاد مجلس الشراكة، الذي يعتبر الهيئة السياسية القانونية المكلفة بالخوض في كافة الشؤون السياسية والاقتصادية والتجارية بين الطرفين الجزائري والأوروبي”.

4