ولد القمرة والعطروزي

خضت في بداية حياتي الزوجية رحلات تسوق طريفة ومضحكة، برفقة زوجي العراقي، فقد كنا في أحيان كثيرة نبحث عن الشيء نفسه، لكننا نطلق عليه تسميتين مختلفتين.
أذكر ذات مرة، كيف كنت أبحث في أحد محلات البقالة بلندن عن "ولد القمرة" فيما كان زوجي يشير إليه بيده، ويقول "اشتري لنا بعضا من هذا العطروزي للسلطة"، حينها أدركت أنه يعني ما أعنيه، لكنني لست متأكدة إن كان الناس في مجتمعاتنا العربية يعرفون "ولد القمرة" أو "العطروزي"، الأولى تونسية والثانية عراقية، وهما تسميتان لخيار القثاء أو "الفقوس".
على أي حال، يمكن للتاريخ أن يكشف الكثير عن هذه المفردات العامية المشحونة بأهمية نفسية وبلاغية، وتتسم بقدر لافت من التنوع والتعدد، ومعظمها قد نشأ قبل قرون من نشأة الأمة العربية نفسها، لكن بعضها تلصق به بعض التهم الكيدية وذات النوايا السيئة، فيرفع عمدا من قاموسنا اللغوي اليومي، أو نستخدمه على استحياء في بعض الأوساط الاجتماعية.
أستحضر هنا مقولة شائعة للفيلسوف الفرنسي فولتير "الآداب العامة ليست عامة بما يكفي دائما"، ومشكلتنا في المجتمعات العربية دائما هي تلك المظلة العامة، التي ليست سوى مجرد ضوابط اعتبارية ومثالية لا تحول دون وقوع المحظور.
في بلدي تونس نطلق أيضا عبارة "فقوس" على الخيار، لكن معظم الناس يتحاشون استعمال هذه التسمية، لارتباطها في أذهان الكثيرين بإشارات اليد المعيبة، وقد تستعمل المفردة في مواقف عادية أو سلبية، بحسب السياق الذي ترد فيه.
لكن بالنظر إلى الكلمة الأكثر تقبلا محليا في الأوساط الاجتماعية التونسية، فإن تسمية الخيار بـ"ولد القمرة" تعتبر الأكثر ترحيباً واستخداما من جانب الكثيرين.
لا شكّ أننا نجد بعض المفردات أكثر تقبلا واستخداما من غيرها. تلك المصطلحات لا تتعلق فقط بتسمية الأشياء بمسمياتها، بل هي أيضا، إحدى أكثر الإشارات الصوتية، التي تعكس خلفياتنا الاجتماعية والثقافية.
كثيرون لديهم إيمان راسخ بأن المفردات العامية تعبّر عن مكانة الأشخاص الاجتماعية، حتى من دون وضع مختلف العوامل الأخرى المتعلقة بذلك الأمر في الحسبان، لذلك يفضلون استخدام المفردات التي تدل على الوجاهة الاجتماعية، رغم أن جميع التسميات صالحة من الناحية التعبيرية واللغوية.
الأمور تبدو أكثر تعقيدا من أن نسمي الأشياء بمسمياتها التي نتداولها عادة في بيئاتنا المحلية والاجتماعية، فاستخدام بعض المفردات قد يحدث ردود فعلٍ يتلقاها الدماغ على شكل "رجع صدى"، ما يدفع المرء للشعور بأنه جزء من هذا "القطيع"، ويجب أن تساهم مصطلحاته أيضا في جعله "الأفضل" في نظر الآخرين.
أستحضر هنا موقفا مستهجنا لزميلة تونسية نعتت أحد الموظفين بـ"الجَبري"، ويعني ذلك غير المتحضر في اللغة العربية، لا لشيء سوى أنه استخدم مصطلح "نبصّر عليك" في سياق اعتذاره عن دعابته الثقيلة التي لم ترق لها.
عندما أنظر إلى دوافع البعض لتغيير لهجاتهم، لا أجد سوى مجموعة من الأحكام المسبقة والقوالب الفكرية الجامدة، التي من شأنها أن تصّعب على المتحدثين المهمشين والمنتمين إلى الأقليات، الاختلاط بالناس وتفرض عليهم العزلة، وتمنعهم من العثور على وظائف أو مسكن، أو الحصول على تعليم جيد.
إن فكرة التحضر لا تعني بالضرورة انتقاء قاموس لغوي جديد لاستخدامه أثناء العمل أو في الشارع أو في المقهى، والتخلي عنه بمجرد العودة إلى المنزل، كما لو كنا نرتدي ملابس رسمية للعمل ونخلعها في البيت، بدلا من أن ندعو الناس إلى تغيير جزء أصيل من هويتهم وشخصياتهم، وهو لهجتهم، من الأفضل أن نكف عن وضع تصنيفات لغوية نمطية سلبية لا تتفق أبدًا مع الواقع والحقيقة.