ناشرون وكتاب عرب: الذكاء الاصطناعي لن يعوض الكاتب وصانعي الكتاب

الشارقة- انتقل الذكاء الاصطناعي مع برمجيات جديدة من طور التأليف والمساهمة في عمل مشترك، بحيث أسهم بقسطه في بناء العالم الأدبي، وأدلى بدلوه فيه، ودشن عهد ما يوصف بـ”الذكاء الاصطناعي المؤلف” الذي يفترض به أن يخرج من قيود التبعية إلى رحابة التأليف، ويتحول من منتَج فكري إلى منتِج للأفكار، وربما المفاهيم والمصطلحات.
ومازال موضوع الذكاء الاصطناعي يثير الجدل ما حدا بعدد من الناشرين العرب في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023 والذي استمرت فعالياته إلى الأحد، إلى مناقشة التحديات التي تواجهها الكتابة بعد ظهور برامج الذكاء الاصطناعي مثل تشات جي.بي.تي من “أوبن أي.آي”، وبارد من غوغل، وقدرتها على تأليف الكتب، وأجمعوا على أن هذه التقنية وغيرها لا يمكن أن تلغي الإنسان المحور الأساسي في الإبداع، وأنه يمكن الاستفادة من التكنولوجيا بشكل عام في تعزيز الفكرة، لا صناعتها.
ولم يعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي المؤلف ضربا من الخيال العلمي أو الأدبي، ألم يحقق العلم المستحيلات، وقد أنجز مبتكرات ساحرة ساهمت في الارتقاء بالحياة، بالموازاة مع المخترعات التي تسبب الخراب والدمار والموت، ولاسيما الأسلحة التي يتم تطويرها لتفتك بالبشر والحياة على سطح الكوكب الأرضي.
قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى محرر للأخبار، أو جامع للمعلومات، أو حتى مؤلف ومصمم كتب، لكن لا يلوح في الأفق أنه سيسلب الإنسان دوره في الإبداع، لأنه نتاج إبداع الإنسان نفسه، ويكون التحديث عبارة عن تطوير للخوارزميات، لكن الروح تبقى السر الأعظم الذي لا يمكن بثه في الأجهزة الذكية، ولا يمكن لها عيش الأحاسيس بمعناها الحقيقي، ومشاعرها الصادقة، لا تلك التي تبرمج وترسم لها.
وفي هذا الإطار يرى سمير الخطيب صاحب دار “المستقبل الرقمي” من دولة الإمارات أن “المنتجات الحديثة من التكنولوجيا تغير معالم جميع المجالات، ولكن النشر على وجه الخصوص يرتبط بهذا التغير بشكل وثيق، وهذه التغيرات حدثت مرارا وتكرارا، ودخول التكنولوجيا عالم الكتب ليس جديدا، وكان يشكل تحديا في مرحلة ما للناشرين، ولكن دائما تثبت التجربة أنها مجرد وسائل لا تستبدل المؤلف والناشر الحقيقي، والمتخصصين الذين يعملون بجهد، ويضعون لمساتهم الحقيقية على المحتوى”.
ودلل على ذلك قائلا، إن “الذكاء الاصطناعي يحدث فروقات، فهو يوفر الوقت والكلفة، ولكن النصوص التي يكتبها تعاني من هشاشة المحتوى، وخلوها من اللمسة البشرية المهمة في صناعة المحتوى، والمؤلف الناجح يستفيد من هذه الوسائل، ويستغلها في الكتابة، لكن لا يمكن أن تستبدل هذه الوسائل المستخدم الحقيقي، ويبقى المؤلف مؤلفا، والناشر ناشرا”.
بدوره، يؤكد ريتشارد عيراني مسؤول دار “ميترا” للنشر والتوزيع اللبنانية أن “الذكاء الصناعي لن يؤثر على حركة التأليف والإبداع، فالإنسان هو محور الإبداع، والكتاب هبة الإنسان، لا يمكن أن يخلو من اللون والذوق والنكهة والرائحة والإحساس، خاصة بالنسبة إلى الأطفال”.
وأضاف أن “الإنسان واجه تحديات سابقة مثل التلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الكتاب ظل كما كان منذ فجر الحضارة مصدر المعرفة الإنسانية، وظل الإنسان يكتب ويبدع”.
وشدد عيراني على أهمية تطوير الكتاب، ليواجه التطور التقني المتتابع، داعيا الجهات المسؤولة إلى دعم الناشر العربي، وتعزيز صناعة النشر التي تواجه تحديات مختلفة.
من جانبه، قال الكاتب الإماراتي أحمد الأميري الذي وقع كتابه “العائلة المنسية” في جناح دار حروف في المعرض “إن العالم اليوم يواجه ثورة صناعية رابعة تسمى (الذكاء الاصطناعي) والذي يمثل تحديا كبيرا بالنسبة إلى الأدباء والكتاب، ولكن هذا التحدي مثل التحديات التي مضت في العالم، وعلى الكاتب أن يكون له أسلوبه الخاص، ليواجه هذا الذكاء الاصطناعي”، مشيرا إلى أن الأسلوب المتفرد أفضل سلاح لمواجهة التحدي الذي يواجه جميع القطاعات وليس فقط قطاع النشر.
وأضاف أن “الذكاء الاصطناعي رغم إمكاناته العالية لا يستطيع أن يحل محل الكاتب المبدع والمدقق اللغوي والرؤية الإبداعية في صناعة الكتاب”.
وعن إمكانية استفادته ككاتب من هذه التقنية، أوضح الأميري أن “الذكاء الاصطناعي يمكن الاستفادة منه بشكل عام في جوانب محددة، مثل البحث والتصنيف والنشر التفاعلي، وغيرها من الجوانب التي تعزز الإبداع وتنشره”، مشيرا إلى أنه يمكن أن يساعد في تعزيز الفكرة لا صناعتها.
ورغم أن أدب الذكاء الاصطناعي يختصر مسافات كبيرة من الوعي الثقافي والعلمي والتجريبي الذي مر بالمؤلف الإنسان، فإنه لا يعوض البشر وفق ما يقر به الناشرون العرب، الذين لا يبدون تخوفا من تغول التقنيات في عالم صناعة الكتاب وإنتاج المعرفة ونشرها.