الدبلوماسية الجزائرية تنعطف إلى عواصم الشرق لترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي

يتزايد اهتمام السلطات الجزائرية بدول شرق أوروبا، في مسعى إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية وتحقيق انفتاح مفقود منذ فترة، فضلا عن إيجاد توازنات اقتصادية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية القائمة.
الجزائر - أدى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف زيارات متتابعة إلى دول في شرق أوروبا، فبعد المجر، حل في سلوفينيا ثم رومانيا، في خطوة مستجدة لعلاقات الجزائر الخارجية التقليدية، يستشف منها رغبة في ردم الهوة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، عبر بوابة المجر التي تترأس الاتحاد في النصف الثاني من العام القادم، فضلا عن محاولة لخلق توازن وانفتاح على الشق الشرقي للقارة، بعدما ظل التركيز منصبا طيلة العقود الماضية على شقها الغربي.
وفتحت زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى رومانيا آفاق تعاون واعدة بين البلدين، بما في ذلك المجالات الاقتصادية والتجارية، لتنضاف بذلك إلى محطات سابقة لرئيس الدبلوماسية لدول أوروبا الشرقية، أوحت بأن البوصلة الجزائرية بصدد تعديل اتجهاها إلى ناحية ظلت بعيدة عن الاهتمام رغم الروابط الموروثة عن حقبة الثنائية القطبية، لما كانت الجزائر ضمن المحور الاشتراكي السوفياتي.
وذكر بيان للخارجية الجزائرية أن “وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف أجرى ببوخارست محادثات مطولة مع نظيرته الرومانية السيدة لومينيتا أودوبيسكو”.
وأضاف “تركزت هذه المباحثات حول تقييم علاقات التعاون والشراكة بين البلدين في مختلف المجالات كالتجارة، الطاقة، التكوين، التعليم العالي، الفلاحة، وكذلك الوقوف على عمل الآليات التي تؤطر العلاقات الجزائرية – الرومانية.
ووفق نظرة طموحة وبراغماتية في ذات الحين، اتفق الطرفان حول أهداف وأولويات التعاون الثنائي في المرحلة المقبلة، وكذلك حول رزنامة الاستحقاقات الثنائية، بما في ذلك الدورة المقبلة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتقني”.
وتابع “كما استعرض رئيسا دبلوماسية البلدين تطورات الأوضاع على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتبادلا وجهات النظر بشكل خاص حول القضية الفلسطينية، في ظل المأساة الفظيعة والمعاناة المتفاقمة اللتين يعيشهما الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، وسط عجز مجلس الأمن عن الاضطلاع بالمسؤولية المنوطة به”.
ولفت إلى أن “الطرفين أحاطا بعضهما البعض وتقاسما التحاليل والتقييمات حول المستجدات في منطقتي انتماء كل من البلدين، لاسيما تطورات الأزمة الروسية – الأوكرانية، وأزمتي مالي والنيجر، إلى جانب قضية الصحراء الغربية”.
وجاءت زيارة عطاف إلى رومانيا في سياق حراك دبلوماسي يقوده في منطقة أوروبا الشرقية، الأمر الذي يبرز نوايا الجزائر في تحقيق انفتاح وإيجاد بديل لعلاقاتها التقليدية مع مجموعة غرب أوروبا، فضلا عن البحث عن دعم لموقفها الداعي إلى مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن رئاسة المجموعة ستعود إلى دولة المجر بعد أشهر قليلة.
علاقة الجزائر مع الاتحاد الأوروبي تمر بحالة من الفتور، بسبب التداعيات التي خلفتها الأزمة الصامتة مع فرنسا
وتمر علاقة الجزائر مع الاتحاد الأوروبي بحالة من الفتور منذ عدة أشهر، بسبب التداعيات التي خلفتها الأزمة الصامتة مع فرنسا، والقطيعة المعلنة منذ عام ونصف العام مع إسبانيا، مما أدى إلى تأجيل عدة استحقاقات بين الطرفين، كان آخرها اجتماع مشترك طلبت الجزائر إرجاءه بسبب ما وصفته بـ”موقف الاتحاد من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المنحاز لصالح تل أبيب”.
لكن في المقابل قدمت على لسان وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، تطمينات لدول المجموعة، حول التزامها بالتعهدات المبرمة بينها وبين شركائها الأوروبيين في ما يتعلق بالتموين بكميات الغاز المتفق عليها، وأكد أن بلاده ستبقى “شريكا موثوقا للأوروبيين”، في تلميح إلى إزاحة ورقة الطاقة من أي تجاذب قد ينجر عن الاختلاف في المواقف حول الوضع في قطاع غزة الفلسطيني.
وكان وزير خارجية الجزائر قد تبادل منذ أسابيع مع نظيره المجري بيتر سيارتو، سبل تعزيز التعاون بين البلدين، والتحضيرات للزيارة المرتقبة لرئيسة المجر إلى الجزائر، وهي الزيارة التي تراهن عليها الجزائر لفتح بوابة جديدة لها مع الاتحاد الأوروبي، بدل البوابات التقليدية التي تحفظت في وقت سابق على رغبتها في مراجعة بنود اتفاق الشراكة المبرم بينهما.
وقالت الخارجية الجزائرية إن “الوزيرين بحثا تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، فضلا عن التحضيرات الجارية للزيارة المرتقبة التي ستقوم بها رئيسة المجر كاتالين نوفاك إلى الجزائر قريبا، بدعوة من نظيرها الجزائري عبدالمجيد تبون”.
علاقة الجزائر مع الاتحاد الأوروبي تمر بحالة من الفتور، بسبب التداعيات التي خلفتها الأزمة الصامتة مع فرنسا
ونقلت الوزارة “تأكيد رئيس الدبلوماسية التزام بلاده بتوطيد العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين، وأن الطرفين اتفقا على الرفع من قيمة المبادلات التجارية والاستثمارات البينية، فضلا عن دعم التعاون الثنائي عبر مشاريع متعددة في مجال الطاقات التقليدية والطاقات المتجددة والتعاون الأمني”.
وصرح أحمد عطاف حينها “تقاسمنا التأسف لجمود علاقات الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي في المرحلة الراهنة، وآمل أن يكون للمجر دور في تجاوز هذه المرحلة، لاسيما وأنها ستتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من العام 2024”.
وفي سلوفينيا أجرى أحمد عطاف، في غضون هذا الأسبوع، لقاءات عديدة ومكثفة مع السلطات العليا للبلاد، حيث التقى في مستهل زيارته بنظيرته السلوفينية تانيا فايون، حيث أجريا مشاورات ثنائية تركزت حول محوري العلاقات الثنائية وآفاق تعزيزها، فضلا عن التعاون والتنسيق بين البلدين خلال عضويتيهما المقبلة بمجلس الأمن.
وخلصت محادثات الطرفين إلى “تثمين التطور النوعي الذي تشهده العلاقات الجزائرية – السلوفينية دبلوماسيا واقتصاديا، واعتماد خطة عمل تحدد أولويات التعاون الثنائي في المرحلة المقبلة، وكذلك الاتفاق على التنسيق البيني لتقديم إضافة نوعية لعمل مجلس الأمن المطالب بالاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة به في خضم التطورات الخطيرة التي تشهدها الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك اتساع وتفاقم الأزمات والصراعات في القارة الأفريقية وبالخصوص في منطقة الساحل الصحراوي”.
كما أجرى عطاف مشاورات تتعلق بشؤون الطاقة مع وزير البيئة والطاقة والمناخ السلوفيني بويان كومير، حيث بحثا سبل تعزيز وتوسيع التعاون الثنائي في مجال الطاقة، وآفاق تأسيس شراكة ثنائية في مجال الطاقات المتجددة، وبالخصوص الطاقة الشمسية، والهيدروجين الأخضر، إلى جانب لقائه مع رئيسة المجلس الوطني السلوفيني أورشكا كلاكوشار زوبانشيش، ورئيسة جمهورية سلوفينيا ناتاشا بيرك موسار.