بوقادوم سفيرا للجزائر في واشنطن: تعزيز للعلاقات أم إبعاد مبكر من سباق الرئاسة

الجزائر- أبان تعيين الدبلوماسي صبري بوقادوم سفيرا للجزائر في الولايات المتحدة عن حرص بلاده على دعم علاقاتها مع واشنطن وتعميقها، بعد خيبة الانضمام إلى منظمة بريكس، قياسا بمسار الرجل المهني وخبرته في دواليب الدبلوماسية، لكنه طرح أيضا فرضية إبعاده المبكر من سباق الرئاسة المنتظر بعد نحو عام، بعدما تردد اسمه كمرشح للدولة العميقة، ليكون بذلك منافسا قويا لطموح الرئيس عبدالمجيد تبون في تجديد عهدته.
وأعلنت الخارجية الجزائرية عن تلقيها موافقة أميركية لتعيين بوقادوم سفيرا لدى واشنطن خلفا لمحمد حماش، وهو ما يوحي بأن القيادة السياسية الجزائرية تنوي إضفاء حالة من الاستقرار في السلك الدبلوماسي مع أكبر العواصم العالمية تأثيرا في الشأن الدولي والإقليمي.
ويعد بوقادوم (65 عاما) من الكوادر الدبلوماسية المخضرمة التي شغلت عدة مناصب بداية من مصالح وزارة الخارجية، ثم في بعثات دبلوماسية عديدة كان آخرها تمثيلية الجزائر في الأمم المتحدة بنيويورك، وسفيرا ببعض العواصم ووزيرا للخارجية خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يجعله مهيأ للاضطلاع بمهمة دعم علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وتعميقها.
◙ دوائر محسوبة على ما يعرف بـ"الدولة العميقة" طرحت اسم بوقادوم كمرشح للسلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة لتوفره على معايير تحتاجها البلاد
ويبدو أن الجزائر التي انتكست في ملف الانضمام إلى مجموعة بريكس، بعدما راهنت كثيرا على فتح شراكات عميقة وواسعة مع الدول الفاعلة في المجموعة على غرار روسيا والصين، تريد تدارك موقفها وتعويض الخيبة التي منيت بها بفتح صفحة جديدة مع الأميركيين والغربيين بشكل عام، حيث سجلت عودة الحرارة إلى محاورها مع واشنطن وباريس والاتحاد الأوروبي.
وشهدت الجزائر في الأشهر التي سبقت الحرب في غزة حركية لافتة على محورها مع واشنطن، تمثلت في زيارات واتصالات لمسؤولين بارزين في الإدارة الأميركية، مدنيين وعسكريين. وكانت السفيرة إليزابيت بورن ضمن الوفد الذي حظي باستقبال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في احتفالية الذكرى الـ69 لثورة التحرير.
وذكرت السفيرة الأميركية بالجزائر في تغريدة لها على حسابها الرسمي في منصة إكس أنها هنأت الرئيس عبدالمجيد تبون بعيد ثورة التحرير الجزائرية، وسألته عن زيارته إلى الولايات المتحدة للمشاركة في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما كانت الجزائر قد عبّرت على لسان وزيرها للطاقة والمناجم محمد عرقاب عن التزامها بتزويد شركائها الأوروبيين بكميات النفط والغاز المتفق عليها، وعن استعدادها لفتح شراكات وتعاون مع هؤلاء للنهوض وتطوير قطاع الطاقة، وهي إشارة إلى طمأنة الأوروبيين بشأن أيّ لبس قد يلفّ موقفها الداعم للقضية الفلسطينية والرافض للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو شهر. من جهة أخرى عادت الحرارة إلى محورها الرابط مع باريس بعد أشهر من الفتور والاضطراب، حيث تم استقبال السفير الفرنسي الجديد ستفيان روماني من طرف الرئيس تبون في مناسبتين، وتم الكشف عن حمله لرسائل خاصة من الرئيس إيمانويل ماكرون تتضمن إحداها دعوة متجددة لزيارة فرنسا.
وجاء إعلان مصادر إسبانية عن تطبيع منتظر في العلاقات بين مدريد والجزائر بعد أكثر من عام ونصف العام من القطيعة، وأعلنت عن قرب تعيين عبدالفتاح دغموم سفيرا لها في إسبانيا ليكون ذلك مؤشرا على مراجعة دبلوماسية جزائرية في التعاطي مع الأميركيين ومحيطها الأوروبي.
ولذلك تراهن على خبرة بوقادوم وسيرته لتمتين علاقاتها مع واشنطن، وفتح آفاق جديدة بين الطرفين لتعويض الخذلان الذي قوبلت به من طرف الروس والصينيين بشأن ملف الانضمام إلى مجموعة بريكس.
ويبدو أن مسألة تعيين سفير جديد في مدريد قد أخذت خطوات جادة وملموسة، بعد طلب الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة الإسبانية، بحسب ما أوردته صحيفة “الكونفيدانسيال”، مما يمهد الطريق لطي أشهر من السجالات الدبلوماسية والإعلامية، ولتطبيع في الأفق يعيد المصالح الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى سابق عهدها، أثناء سريان اتفاقية الشراكة وحسن الجوار.
غير أن دافع مراجعة الأوراق الدبلوماسية وتمتين العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة قد لا يكونان الدافع الوحيد لتعيين بوقادوم سفيرا لبلاده في واشنطن، في ظل حديث دوائر ضيقة في الجزائر عن إبعاد مبكر للرجل من أيّ منافسة للرئيس الحالي تبون في تجديد عهدته الرئاسية نهاية العام القادم.
وطرحت تلك الدوائر المحسوبة على ما يعرف بـ”الدولة العميقة” اسم بوقادوم كمرشح للسلطة في الانتخابات الرئاسية القادمة لتوفره على معايير تحتاجها البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلاوة على أنه خريج المنظومة الدبلوماسية، فهو يعتبر متحدثا جيدا بمختلف اللغات، وخطيبا متمرسا يبعث رسائله الداخلية والخارجية بمرونة، الأمر الذي يمكّنه من ردم الفجوة العميقة بين السلطة والشارع.
ويبقى الوضع غامضا في الجزائر بشأن مرشح السلطة للانتخابات القادمة، فطموح تبون لتجديد عهدته الرئاسية لا يحظى بالإجماع داخل دوائر السلطة، حتى وإن ظهر تناغم بينه وبين الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجنرال سعيد شنقريحة، حيث يتم تداول عدة أسماء لخلافته في قصر المرادية، الأمر الذي يبقي المسألة مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما أن التقليد الرئاسي في الجزائر دأب على تحقيق الحظوة بالإجماع بين أجنحة السلطة قبل كل شيء، ثم تأتي نتائج الصناديق الانتخابية في ظل وفرة السلطة على الوعاء الانتخابي الذي يكفل إعطاء الشرعية الانتخابية للمرشح.