واشنطن تدعو إلى قيام دولة فلسطينية: امتصاص غضب العرب أولا

الولايات المتحدة عدّلت نبرتها بصورة طفيفة مع التشديد على ضرورة التخفيف من وطأة الحرب على المدنيين في غزة.
الأحد 2023/11/05
التحالف مع نتنياهو يبدد صورة واشنطن

واشنطن - فيما تشتد الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، جددت الولايات المتحدة دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية، ولو أنه من غير المتوقع أن تنجح مثل هذه المبادرة بعد سنوات من الفشل. ويأتي هذا فيما يقول مراقبون إن الهدف من الدعوة ليس سوى مناورة لامتصاص الغضب في الشارع العربي ضد السياسات الأميركية.

وتواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سيلا من الانتقادات في العالم العربي لدعمها حملة القصف المدمر التي تشنها تل أبيب على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر استتبعتها بعملية برية، ردا على هجوم غير مسبوق لحركة حماس على إسرائيل. غير أن الولايات المتحدة عدّلت نبرتها بصورة طفيفة في الأيام الأخيرة، مع تشديد العديد من المسؤولين على ضرورة التخفيف من وطأة الحرب على المدنيين الفلسطينيين.

ودعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجمعة في إسرائيل خلال جولته الثانية في الشرق الأوسط منذ بدء الحرب إلى “هدنة إنسانية” تسمح بإدخال المساعدات الدولية إلى القطاع المحاصر الذي يواجه وضعا كارثيا. وبعد الدعوة، أكد بلينكن في تل أبيب أن حل الدولتين هو الطريق “الوحيد” لتسوية النزاع.

أنتوني بلينكن: دولتان لشعبين. مجددا، هذا هو الطريق الوحيد لضمان الأمن الدائم لإسرائيل
أنتوني بلينكن: دولتان لشعبين. مجددا، هذا هو الطريق الوحيد لضمان الأمن الدائم لإسرائيل

وقال “دولتان لشعبين. مجددا، هذا هو الطريق الوحيد لضمان الأمن الدائم لإسرائيل” و”الوسيلة الوحيدة لضمان تحقيق تطلعات الفلسطينيين المشروعة إلى دولة خاصة بهم”. وكان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى قيام دولة فلسطينية، الأمر الذي وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات.

وتراجعت مكانة السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن الاتفاقيات وباتت لا تمارس سوى سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة ولاسيما مع سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، فيما توسع البناء الاستيطاني في الضفة حيث ينفّذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو من أشد المعارضين لفكرة قيام دولة فلسطينية وهو يترأس حكومة تعتبر الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية.

غير أن براين كاتوليس الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يرى أن دعوة واشنطن إلى حل على أساس دولتين هو مؤشر إلى "أننا لا نغرق في نفق مظلم بلا بصيص أمل في النهاية". وقال "مهما بدا ذلك غير واقعي في المدى القريب، من المهم أن نواصل قوله ولو لمجرد توجيه إشارة إلى الأطراف في المنطقة (…) حول التزامنا المتجدد بأفق ما" ينطوي "على الأقل على فكرة مستقبل مختلف".

وقال دبلوماسي يعمل لحساب دولة حليفة للولايات المتحدة في واشنطن إن "الدعوة إلى حل على أساس الدولتين لا تعني أن هذا هو الهدف المحدد وأنه ستكون هناك بعد ذلك دولة فلسطينية". وأوضح طالبا عدم كشف اسمه، أن الدعوة تعني بالأحرى أن “الأميركيين يريدون الدفع باتجاه فتح نقاش حول المرحلة التالية”. وبدا قبل هجوم حماس أن الدعم لقيام دولة فلسطينية يتبدد شيئا فشيئا.

وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث في وقت سابق هذه السنة أن 36 في المئة فقط من الإسرائيليين يعتبرون أن بإمكان الدولة العبرية التعايش سلميا مع دولة فلسطينية مستقلة، بتراجع 15 نقطة مئوية خلال عشر سنوات.

وسجل تراجع مماثل في الجانب الفلسطيني. وقبل أسابيع من هجوم مقاتلي حماس، أعلن نتنياهو من منبر الأمم المتحدة أن فكرة حل الدولتين باتت من الماضي، وأن المستقبل لتطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، وهو طرح تبدد أيضا منذ السابع من أكتوبر.

ولفت الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أنتوني كوردسمان في مقالة نشرت بعد اندلاع الحرب، إلى أن كل محاولة سابقة للمضي باتجاه حل الدولتين أدت في الواقع إلى جولات جديدة من العنف أو التوتر. وكتب أن الحرب الحالية تظهر أن “الحل على أساس الدولتين قد لا يكون سقط تماما، لكنه قريب من السقوط إلى حد أن أي محاولة لاستنهاضه ليست سوى أشبه بالأحرى بدبلوماسية حية ميتة”.

إلا أن كاتوليس الذي عمل في الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، يعتبر أنه ليس هناك فعليا أي بديل، مشككا في إمكانية أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب في دولة واحدة. ويؤكد “مهما بدت فكرة الحل على أساس الدولتين غير واقعية بالنسبة إلى البعض، فهي بالتأكيد الخيار الأكثر واقعية”.

وخلال الحرب التي تستمر منذ شهر تقريبا، بات المسؤولون في البيت الأبيض يسعون لفهم العواقب على السياسة الخارجية الأميركية ومن بينها التحول السلبي في كيفية النظر إلى الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي. واعتبرت الأكاديمية الأميركية فرح بانديث في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية أن معظم أنحاء العالم تشتعل بخطاب معاد للولايات المتحدة، وخاصة في المجتمعات العربية والمسلمة.

ويرى الكثيرون في الشرق الأوسط أن ثمة علاقة كبيرة بين تصرفات إسرائيل والولايات المتحدة. وساهمت تصريحات إدارة بايدن بأن “الولايات المتحدة تدعم إسرائيل” وإعادة تأكيدها على “الالتزام الصارم” للولايات المتحدة بأمن إسرائيل في تعزيز هذا التصور. ويحتاج قادة الولايات المتحدة أيضا إلى التفكير في ما وراء الأزمة وتطوير إستراتيجية متعددة الأبعاد تلتزم ببناء علاقات طويلة الأمد مع المجتمعات العربية والإسلامية.

براين كاتوليس: دعوة واشنطن مؤشر على أننا لا نغرق في نفق مظلم بلا بصيص أمل في النهاية
براين كاتوليس: دعوة واشنطن مؤشر على أننا لا نغرق في نفق مظلم بلا بصيص أمل في النهاية

وتحتاج البلاد إلى رؤية متجددة للشرق الأوسط تأخذ في الاعتبار الحقائق والإمكانيات الجديدة لصانعي القرار والسكان الأصغر سنا. ودور القوة الناعمة هنا مهم، وسوف يكون وقت الولايات المتحدة وأموالها واهتمامها المكرس مهما في الدبلوماسية والحوار والتنمية.

واستنادا إلى قدرة الولايات المتحدة على الصمود في وجه التصعيد السابق في الشرق الأوسط، من غير المرجح أن تكون هناك عواقب اقتصادية أو دبلوماسية خطيرة وطويلة الأجل على الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى، لكن الوضع في غزة سيعقد جهود السياسة الخارجية.

كما أن أعداء الولايات المتحدة في المنطقة لديهم الآن غطاء سياسي أكبر لمعاداة الولايات المتحدة. ومنذ 7 أكتوبر، كانت هناك هجمات متعددة على القوات الأميركية في العراق وسوريا. وبينما يتطلع البعض إلى إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، من الأهمية بمكان أن تضاعف واشنطن ارتباطاتها وألا تترك فراغا خطيرا يمكن أن تملأه الصين أو روسيا أو جهة فاعلة خطيرة ليست بدولة.

وتخلص بانديث إلى أن كل ذلك يمكن أن يؤثر على الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وبالفعل، أدى الصراع إلى تفاقم التوترات بين الأجيال، بين إدارة بايدن والشباب الأميركيين الذين يشكلون كتلة تصويت رئيسية للديمقراطيين ويميلون إلى أن يكونوا أكثر انتقادا لإسرائيل، حتى أن بعض طلاب الجامعات يصفون مقاتلي حماس بأنهم مقاتلون من أجل الحرية. ويمكن أن تثير الصور والقصص المروعة القادمة من الشرق الأوسط المزيد من ردود الفعل العنيفة المناهضة لبايدن بين المجتمعات الدينية والشتات في الولايات المتحدة، والتي يتركز الكثير منها في الولايات المتأرجحة.

ومع تطور الصراع، فإن على الإدارة الأميركية واجبا أخلاقيا وإستراتيجيا لبذل المزيد من الجهد لمواجهة الكراهية المعادية للمسلمين، والكراهية المعادية للعرب ومعاداة السامية. ومن شأن القيام بذلك أن يساعدها على تحقيق أهداف سياستها الخارجية والداخلية على السواء.

3