ارتباك دولي لتحديد مصير غزة بعد وقف الحرب

دوائر أميركية تعرب عن قلقها حيال تغافل إسرائيل عن وضع إستراتيجية للخروج من مستنقع غزة بعد القضاء على حركة حماس.
الجمعة 2023/11/03
حرب طويلة الأمد

القاهرة- بدأت دوائر غربية عديدة تبحث مصير قطاع غزة بعد أن توقف إسرائيل حربها، وتجري حاليا مناقشة خيارات مختلفة في دوائر أميركية وأوروبية حول الصيغة التي تضمن إزاحة حركة حماس عن الحكم، وتوفير الأمن لإسرائيل.

ولا تزال المقترحات المتداولة تدور في غرف غربية مغلقة، ولم يعلن عن مناقشتها عمليا وعلنا مع جهات فلسطينية وعربية، ما جعلها مجرد تصورات نظرية مدفوعة بأسباب أمنية مُلحّة، تريد أن تختزل القضية الفلسطينية في مأساة غزة وروافدها الإنسانية، وذلك لطمأنة إسرائيل حول عدم حصد الفلسطينيين مكاسب حقيقية.

ويقوم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيارة اليوم (الجمعة) إلى إسرائيل، تشمل عددا من دول المنطقة أيضا، وسيكون مصير غزة ضمن أحد الملفات التي سيبحثها مع بعض قادتها، ومنهم من لا تروق لهم التسريبات التي نشرت عبر وسائل إعلام غربية حول مستقبل غزة بعد القضاء على حركة حماس.

ويقول مراقبون إن ما رشح من معلومات حول سيناريوهات يتم تداولها يهدف إلى جس نبض، أو فرض أمر واقع على الشعب الفلسطيني، واستغلال المخاوف التي أثارتها قوة حماس العسكرية في تكبيد إسرائيل خسائر فادحة بعملية “طوفان الأقصى”، وكل المقترحات مجتزأة ومرتبكة، وتتعامل مع غزة وكأنها هي فلسطين، ومحكومة برؤية إسرائيل فقط.

حماس تعلن رفضها أي وصاية أميركية على غزة بما في ذلك التلويح بتوافق إقليمي دولي لإدارة القطاع بعد انتهاء الحرب

ويضيف هؤلاء المراقبون أن هناك تعمدا في تجاوز الحديث عن حلول عميقة، وأهمها التوصل إلى تسوية سياسية على أساس حل الدولتين الذي تردد على ألسنة بعض القادة وظهرت ظلاله في دعوة إسبانيا إلى عقد مؤتمر سلام، وافق عليه الاتحاد الأوروبي.

وتتخوف بعض الدوائر العربية من عدم تحديد هدف واضح للمؤتمر المقترح ما يحوّله إلى اجتماعات شبيهة بما حدث مع انطلاق مؤتمر مدريد الأول منذ نحو ثلاثة عقود، ثم نجحت إسرائيل في إفشاله بسبب عدم ردعها سياسيا من قبل القوى الكبرى التي شاركت فيه، والاستسلام لطروحات اليمين المتطرف عقب مقتل إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الذي انهمك في عملية سلام جادة.

وتشعر دوائر أميركية بالقلق من أن إسرائيل وضعت خطة فعالة ترمي إلى إلحاق ضرر دائم بحركة حماس، لكنها لم تضع بعد إستراتيجية للخروج من مستنقع غزة.

وأعلنت حماس الخميس رفضها فرض أيّ وصاية أميركية على غزة بما في ذلك التلويح بتوافق إقليمي دولي لإدارة القطاع بعد انتهاء الحرب.

وقالت الحركة في بيان لها إن “تصريحات البيت الأبيض بشأن العمل على توافق إقليمي دولي لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء العدوان الصهيوني على غزة، تصريحات وقحة ومرفوضة، فليس الشعب الفلسطيني الحر من تُفرض عليه الوصاية”.

ooo

وأكدت واشنطن مساء الأربعاء أنها تعمل مع الشركاء في المنطقة لاستكشاف الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الحكم في قطاع غزة مستقبلاً.

وقالت الخارجية الأميركية “لا يمكن لحماس أن تستمر في حكم غزة وإدارتها واستخدامها منصة للهجمات ضد إسرائيل.. ولا يمكن أن تحتل إسرائيل القطاع، وستتم مناقشة مصيرها مع الفلسطينيين والشركاء في المنطقة”.

واعتبر مستشار أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء عادل العمدة أن الوضع الأنسب لقطاع غزة بعد الحرب أن يكون تحت مظلة السلطة الفلسطينية، ويضم إلى الضفة الغربية وتشكّل دولة ذات سيادة، وهذا سيكون مرتبطا بحل الدولتين، فدون التوصل إلى دولة فلسطينية وفق القانون الدولي سوف تظل غزة منغصا أمنيا وسياسيا لأطراف إقليمية ودولية مختلفة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن انضمام غزة لتكون تحت مظلة السلطة الوطنية يتطلب آلية لزيادة الاستثمارات وإعادة إعمار القطاع بشكل كامل، وترتيب البيت من الداخل، وتكون فصائل المقاومة تحت مظلة السلطة الفلسطينية، ولا تظل منفصلة بذاتها.

وذكر بلينكن خلال جلسة استماع للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ الأميركي أن بلاده ودولا أخرى تدرس مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة لمستقبل غزة إذا تم عزل حماس، وسيكون الأكثر منطقية في مرحلة ما هو “وجود سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة” تتولى حكم القطاع وإدارته.

وعلمت “العرب” من مصادر فلسطينية وجود رفض كبير لدى السلطة الوطنية أو أيّ قيادة مستقلة أو حركة تقبل حكم غزة على ظهر دبابة إسرائيلية، وما يتم تداوله من خيارات يظل في إطار المقترحات المرفوضة، لأنها تقفز على المحددات الرئيسية للقضية الفلسطينية وتفرغها من معانيها المركزية، ومحاولة وأدها لأجل إرضاء إسرائيل المجروح كبرياؤها الأمني وتريد استغلال ما قامت به حماس لدفن الحركة.

وطرحت المصادر إسناد الأمر كحل مناسب إلى منظمة التحرير الفلسطينية كجهة وطنية تحظى بإجماع كبير وسط الشعب وقادة الفصائل، ومعترف بها دوليا، وعدم الدخول في مزايدات سياسية تشارك فيها أطراف يمكن أن تعرقل الاستقرار المنشود.

ويتم التباحث حول ترتيبات مؤقتة تشمل عددا من الدول الأخرى في المنطقة، ووكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم لغزة وما سوف يتبقّى من السكان.

وكشفت وكالة بلومبرغ أن من بين الخيارات التي تدرسها الولايات المتحدة وإسرائيل نشر قوة متعددة الجنسيات قد تضم قوات أميركية أو وضع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة بشكل مؤقت، لكن البيت الأبيض قال “إرسال قوات أميركية إلى غزة ضمن قوة لحفظ السلام ليس أمرا قيد الدراسة أو المناقشة”.

وتعكف دول أوروبية أيضا على دراسة خيارات ما بعد الحرب، وهوية من يدير القطاع، وبحثت خيار تدويل إدارة القطاع بعد الحرب، مقترحة تشكيل تحالف دولي بالتعاون مع الأمم المتحدة يتولّى تأمين غزة وتفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع وتجفيف منابع دعم حماس ماليا وسياسياً.

1