الرواد يلتقون في معرض يستعيد تجاربهم في تأسيس التشكيل الأردني وتجديده

عمّان - يتضمن معرض “تلاقي الرواد” المقام على غاليري الأورفلي في عمّان، أعمالًا يمكن وصفها بالاستعادية لفنانين تشكيليين عُرفوا بتجاربهم التي أرست قواعد هذا الفن وجددت فيه بالأردن.
ويضم المعرض الذي انطلق منذ أواخر شهر سبتمبر الماضي، أعمالا للفنانين ياسر دويك، نصر عبدالعزيز، محمود طه، محمود صادق، عزيز عمورة وكرام النمري. والمعرض وفّر لزواره فرصة نادرة للاطلاع على أعمال فنانين بارزين، مكنتهم الأساليب والمدارس المتنوعة من أن يخطوا أسماءهم في سماء التشكيل الأردني والعربي، وأن يوثقوا جزءا من الهوية والثقافة الأردنية في لوحات قيمة.
يقدم التشكيلي ياسر الدويك (المولود في الخليل عام 1948)، لوحات تعبّر عن ارتباط الإنسان بالمكان بوصف الأخير بالجذر الذي يشدّ الإنسان إليه دومًا. وتحضر القدس في أعماله كأيقونة تجسّد صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتظهر من خلال تمركزها في وسط اللوحة والعناية برسم تفاصيلها من أبواب وحارات وأبنية، وعبر الكثافة اللونية المحيطة بها، كما لو أنها الجنة المفقودة على الأرض.
المعرض فرصة للاطلاع على أعمال فنانين مكنتهم الأساليب المتنوعة من أن يخطوا أسماءهم في التشكيل الأردني والعربي
وتتنوع أعمال الدويك بين الرسم بالألوان الزيتية والأكريليك والحفر، إذ يبني لوحته ضمن مشاهد بانورامية للمدينة تظهر حيويتها وتواشجها مع محيطها العمراني والطبيعي، في تناسق هندسي بين عناصر اللوحة التي غالبًا ما تركز على ثالوث لوني يعبّر عن رمزية الخصب والقداسة والأرض، وخاصة في تلك الأعمال التي تتجلى فيها قبة الصخرة المحاصَرة بالغبار الداكن بينما يشع منها نورٌ مخترقًا الظلام في إشارة إلى الأمل في التحرر.
أما أعمال التشكيلي نصر عبدالعزيز (المولود عام 1941) فتأتي ضمن لغة بصرية متنوعة، إذ تطغى الألوان والخطوط التي تميل إلى الأسلوب التعبيري والرمزي، وهي مستوحاة من بيئة الفنان ومن الحياة الشعبية التي تشبّع بها. وهناك مجموعة أُخرى من الأعمال عن الوطن يستعين فيها الفنان بذاكرته، حيث الخلفية البيضاء تستضيف الشكل وتبرزه في تناغم وتناسق.
ويوظف عبدالعزيز العديد من الرموز الدالّة في لوحاته، ومنها على سبيل المثال رمز الحصان الذي يشير إلى القوة والتفاؤل بالنصر، ورمز الطفل الذي يؤكد أن القضية ستدوم جيلًا بعد جيل، ورمز الطيور التي تؤكد على التحرر والسلام، وغيرها من الرموز كالذئاب ونبات الصبار والجنادب والقمر والأبواب والنوافذ.
وفي أعماله التي تميل إلى الألوان الترابية الهادئة، يستحضر عبد العزيز المرأة رمزًا للكفاح والصمود، ويقدمها في إطار تعبيري خاص، إذ يربط بين المرأة وقوة استمرارية التراث الشعبي سواء عبر الأزياء أو الزخارف أو الأدوات التي تُستخدم في الحياة اليومية. كما يقدّم أعمالًا في فن البورتريه تركز على وجوه النساء اللواتي يرتدين الأثواب الفلسطينية المطرزة ويتطلعن بأمل نحو المستقبل.
وتتميز الأعمال الخزفية المعروضة للفنان الراحل محمود طه بتوظيف عناصر اللون والشكل والخط في انسجام يعبّر عمّا يرمي إليه الفنان من أفكار بوضوح. وتحتفي أعمال طه بعنصر الحرف العربي وجماليات الخط خاصة في تلك الأعمال التي تصور المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، وأضاف إليها رموزًا تؤكد على الحق الإسلامي والعربي في المدينة المقدسة وحمايتها من التهويد.
وعُرف طه (1942 – 2017) باستخدامه العديد من المواد في إنجاز أعماله التشكيلية، ومنها الصلصال، والمعدن، والورق. فضلًا عن أن جميع عناصر تكويناته مستمدة من الحضارة العربية وتوثق معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال.
ويقدم التشكيلي محمود صادق (المولود في مدينة مجدل عام 1945) أعمالًا تنهل من رموز الحضارات الإنسانية التي تعاقبت على الأرض العربية، ومنها حضارة بلاد ما بين النهرين، والحضارة الفرعونية، والحضارة النبطية.. معتنيًا بإبراز العلاقة بين الكتلة والفراغ، في لوحات تجريدية تركز على التفاصيل وتداخل الألوان وتشتغل بشكل مدروس على مساحات الظل والضوء.
وتجسّد أعمال صادق بحثًا بصريا عن مفهوم الهوية الإنسانية وتحولاتها عبر الأزمان، متماهيًا بذلك مع مفردات الطبيعة من صحراء وجبال وسهول تظهر عبر كتل لونية من البنيّ والأخضر والأزرق. ويتجلى البحث عن الهوية أيضًا في أعمال التشكيلي عزيز عمورة (المولود في الطيرة عام 1944)، الذي يبرع في فن البورتريه ورسم الوجوه ضمن أسلوب انطباعي، وتتسم هذه الأعمال بالألوان الدافئة والهادئة، كما يقدم الفنان لوحات تنهل من ذاكرة المكان الأول الذي عاش فيه، سواء من المناظر الطبيعية لمدينته التي هُجِّر منها، أو من النقوش والزخرفات التي كانت تقوده بصريا في الطفولة، فحاول أن ينقل تلك الذاكرة باللون على أسطح لوحاته.
أما النحات كرام النمري (المولود في مدينة الحصن الأردنية عام 1944)، فيقدم تجربة متطورة في النحت الذي يرتبط لديه بالقدرة على التعبير عن هموم الإنسان المعاصر وهواجسه، حيث الكتل النحتية التي يشكلها وفق وضعيات جسدية معبرة، مع التركيز على ملمس الخامة التي ينحت عليها وعلاقة الكتلة بالفراغ مع العناية بالتوازن والإيقاع المنضبط للتشكيل النهائي.
وتكشف أعمال النمري عن اهتمامه بمفردات الأشكال الدائرية، حيث الدائرة كما هو معروف في عالم النحت تشير إلى الحلقة المفرغة التي تبدأ من نقطة وتنتهي إليها، كما يمكن التلاعب بشكل الدائرة لتكون بيضوية أو منبعجة عند الأطراف لتوحي بأشكال جمالية وأنثوية ليّنة ومطواعة.